عبد الفتاح مورو: مرشح النهضة الذي يُشبهنا.. ولا يُشبههم!
عماد الخميري: عبد الفتاح مورو هو الشخصيّة الوحيدة التي يمكن للنهضة أن تنافس به في الرئاسيّة
عبد الفتاح مورو مرشح النهضة للرئاسية 2019
ناورتنـا الحركةُ الإسلاميّة، أذاعت علنًا لمسامعِ الميديا والسياسيين- أنْ انتظروا قرارنا في ندوةٍ صحفية نرفع فيها الحجاب عن مرشحنا للرئاسية- ثمّ في ساعة متأخرة مساء أمس، وفي غفلةٍ قصيرة من الإعلامِ والساسةِ، ألقت بقرارها الى الرأي العام على لسان عبد الكريم الهاروني؛ بمباركةِ الشيخ الأكبر وعزيزِ رضاءه، وعملاً بمبدأ "الماء الماشي للسِدرة" وبعد أطولِ مجلس شورى في تاريخها الحديث الخالي من الإستخارة.
أعلنت حركة النهضة مساء أمس 6 أوت 2019 تزكية عبد الفتاح مورو للإنتخابات الرئاسية، مورو،71 سنة، سليلُ الشق الراصن والهادئ من النهضة. الرجل الذي ارتفعت شعبيتهُ داخل هياكلها وخارجها بعد التمرد الناعم الذي قادهُ راشد الغنوشي مغيّرا رؤساء قائمات التشريعية. اختارت الحركة ترشيح الوجه الصوفيّ المتنور للإسلام القريب من التونسيين، بعد أن أصرت مرارا على مدنيتها- وفصلها السياسي عن الدعوي. اختارت مرشحا عرف بإعتداله وتلقائيته، مرشحا يشبه التونسيين في ميلهم الى الجُـبّـةِ والشاشية بدل العمائم السود.
نظرة الى الداخل- ماذا يعني ترشيح مورو للنهضة؟
في 2011، اختار مورو أن يخوض الانتخابات التشريعية كمستقل في قائمة أسسها تدعى "التحالف الديمقراطي". سئم حينها أن يكون اختيارا ثانويا من الصفّ الثاني للإسلاميين، سئم أن يعيش في ظِلال الغنوشي. وفشل في ذلك فشلا مخجلا! فشل جعلهُ يعود للحركة التي أسسها رفقة راشد الغنوشي سنة 1981. تعلم درسًا صغيرا، أن لا نصر خارج النهضة، هي الحاضنة السياسية التي تستوعبه، وجاء رد الاعتبار في تشريعيات 2014، حين فاز بمقعد ولاحقا تم التصويت له بالأغلبية لمنصب نائب رئيس مجلس النواب.
رد اعتبار ثان هو هذا الترشيح إذًا. بالنسبة لكواليس الحركة، ترشيح مورو هو الورقة الأخيرة مقابل تشتت داخلي خطير. مورو هو الاسمنتُ الذي يجمع شتات الحركة التي تعيش اضطرابًا، بين معسكر ناشد الغنوشي للترشح، ومعسكر كان يتجهز لدعم مرشح خارجي. أطروحة مضادة لترشح مورو، هو أن ليس له شعبية وثقل سياسي بقدر رئيس الحركة. الموافقة على ترشيح رئيس مجلس النواب هو ترجمة لخسارة الغنوشي قيمته الاعتبارية داخل الحركة بسبب طيشه وتفرده بالقرارات، وسيطرته على المكتب التنفيذي. إلا أن هذه السيطرة لم تكن كافية، وواجهتها مؤسسة أخرى هي مؤسسة الشورى، وهو المجلس الأكثر نفاذا من المكتب التنفيذي لأن قاعدته أكبر ويقوم على الأفقية، وبذلك يكون اختيار مورو أفقيا، بينما فرضية ترشيح الغنوشي كانت لتكون قرارا عموديا مسقطا ومتوقعا. الغنوشي هو ماركة مسجلة "محروقة" بينما مورو يمثل سماحة الإسلاميين، والمدافع بينهم عن حماية الكيان التعددي الديمقراطي دون ارتداء بدلة وربطة عنق للتمويه. هو الإسلامي الذي لا مشكل له في أن يكون إسلاميا، ويرى إختلافه ثراءً. في ظاهر الأمور، اختيار مورو هو اعتراف بجميله على الحركة ومكانته داخلها، وفرصة له للخروج من ظل الغنوشي الأب، الى فسحة الرجل الأول (حرفيا) الرجل الأول لا في النهضة فقط، بل رجل الدولة الأول، ورئيسها. لكن بواطن الأمور شيء آخر.
أولا، ترشيحه هو اعتراف ضمني من النهضة أن صورتها لدى الرأي العام قد مسها سوء، وشُوهّت بستيريوتيب الإسلامي الذي تخلى عن توجهه للإندماج في المشهد التقدمي، وبذلك تكون خسرت خزانها الانتخابي في 2014 الذي راهن على الهوية الإسلامية. وثانيا، هي لا تريد العودة الى نمطية خطاب الإسلام في خطر، الذي قد يحيله ترشح الغنوشي،الوجه النمطي جدّا. هي في مأزق لإختيار الثوب الذي ستواجه به الناخبين في 2019، تغيّرت كثيرا حتى أنها أضاعت وجهها، وصارت بلا مرجعيّة. عبر مورو هي تُـثّبت مرجعيتها وتسترجع ثوب الوسطيّة التي لا تتنصل من الإسلام ولا تحميه، فلا هو وسيلة ولا هو مبتغى. ثالثا، مرد المفاجأة المسائية- ترشيح عبد الفتاح مورو هو أن النهضة فعلا بدأت تنفذ من الخيارات. وأخيرا، لو خسر مورو الإنتخابات فستكون نهاية مشينة لمسيرة الرجل، وهزّة لمكانته داخل الحركة، وإقصاءً لا مباشرا له، ويتحول رد الإعتبار الى نقمةٍ تنهي حياته السياسية، رسالة من نوع آخر ربمّـا، فإن فشل في الوصول للدور الثاني وبرهن على محدودية شعبيته، فأغلب الظن أن النهضة ستختار مرشحا خارجيا لدعمه.
نظرة الى الصورة الأكبر- ماذا يعني ترشح مورو لمنافسيه؟
منذ أن أعلنت حركة النهضة عن امكانية دعمها لمرشح من خارجها، انطلقت التأويلات والتحليلاتُ، التي أخطأت التقدير أمام مفاجأة ترشيح مورو. كان من المتوقعِ أن تدعم الحركة وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي بناءً على تصريحات بعض قيادييها، أو رئيس الحكومة يوسف الشاهد بناءً على دعمها له في محطات سابقة. هذا الترشيح إذن يقلل من فرص الشاهد والزبيدي اللذان لو دعمت النهضة أحدهما سيتجه خزانها الانتخابي إليه، ودون دعمها لن يصلا بعيدا. الشاهد لأن حزبهُ جديد نسبيا على الساحةِ السياسية والزبيدي لأنه اسم جديد- قديم يراهن عليه النداء. لكن أمام تشتته الحالي وفقدان زعيمه الإعتباري الذي كان يجمع ماتبقى منه، فلا ثقل فعلي له. أغلب الظن أنها رسالة سياسية أخرى، مفادها أن النهضة -ولو أنها لا ترفض التحالف- تعول على أبناءها وتفضل تقديم مرشح نهضاوي لمؤسسة الرئاسة لا مرشحا بالوِكالة لا تضمن أنه سينصاعُ لإستراتجياتها وقراراتها لاحقا، لتبرهن حذرها من التخالفات الوقتية التي -ومثلما أثبتت تجربة التوافق مع النداء- لا تدوم طويلاً.
ترشيح مورو هو سيطرةُ النهضة على الاصوات الوسطيّة التي يراهن عليها كلّ من محمد عبو مرشح التيار الديمقراطي، ومهدي جمعة مرشح البديل التونسي ذلك أن هذان المرشحان، لم يغيرا تموقعهما الوسطيّ القريب الى اليمين. الترشح المباغت هو أيضا إزاحة للقادمين من الماضي، الرئيس الأسبق منصف المرزوقي الذي لا يعرف نفسه على أنه "إسلامي" لكنه دائم البحث عن أصوات الإسلاميين الذين صوتوا له في 2014 (وخسر رغم ذلك)، والأمين العام المستقيل من النهضة حمادي الجبالي، الذي يعول على أصوات أنصاره من الإسلاميين كذلك، ولو أنه يضمر مالا يظهر، ويريد بخطاب "لا إقصائي" أن يكون مرشح "جميع التونسيين". كذلك سيف الدين مخلوف، الذي ينتظر أصوات الاسلاميين- الثوريين، وقيس سعيّد الذي بيّن عبر مواقفه الأخيرة أن محله أقرب الى اليمين الاسلامي المتمسك بالشريعة ورفض المساواة والحقوق الفردية.
ترشح مورو هو بصفة آلية تهديد لحظوظ المستقلين القريبين من التيار الإسلامي، والقادمين من الحكومة، ودعاة الوسطيّة، لأن ناخبيه المحتملين كانوا سيواجهون معضلة تشتت الأصوات. ومع دخوله الصورة فالكفة في صالحه، خاصة مع دعم ماكينة النهضة إتصاليا. مورو سيجمعُ شتات الطيف الوسطي، الذي وإن كان فيه معارضة للنهضة، فإن لا معارضة لهم لشخصِ عبد الفتاح مورو. عبير موسي من جهة أخرى، لا مشترك لها مع مورو، فهي مرشحة الدساترة الذين ينوون إقصاء الإسلاميين، لذلك ستبقى في موقعِ المنافسة الجديّة. الى جانب نبيل القروي مرشح قلب تونس، الذي يقوم خزانه الانتخابي على من استجدى عطفهم من خلال جمعيته خليل تونس، فئة مغايرة لجمهور مورو المستهدف. منافسة أخرى لمورو، هم مرشحو اليسار واليسار الإجتماعي، ثلاثة أسماء لعلها ليست أرقاما صعبة، لكنها لا تتوجه بذات خطاب مورو ولا تستهدف خزانه الانتخابي؛ حمة الهمامي عن الجبهة الشعبية، منجي الرحوي عن حزب الجبهة الشعبية، وعبيد البريكي عن الإتحاد الديمقراطي الإجتماعي. في إنتظار بقية الأسماء التي ستعلن ترشحها، مورو هو المرشح الأكثر حظّا، يملك أفضل مافي الجهتين؛ دعم النهضة لأنه ينتمي لها، ودعم من خارج النهضة ممّـن يرون أنه يُشبه التونسيين، بطرافته، ولسانه العربي الأنيق، وجبّته الأصيلة التي لاتفارقه.
فرادة مورو، تتمثّل في أنه زيتونيّ لكنه قاضٍ، شعبيّ، لكنه من النخبة. خطيب جدّي، لكنه جليس مازح ومرح. متعصب للعربية، لكنه يتحدث الألمانية بطلاقة. كان ينظّم اجتماعات سريّة للطلبة الإسلاميين، لكنه في نفس الوقت درس التمثيل والموسيقى. الرجل جمع من المتضادات، أو مايعتقد الرأي السائد أنها متضادات، هو الرافد التونسي بين أوجه تسعى للأسلمةِ بأي ثمن. هو تونسيّ.. لكنه نهضاوي أيضا.. استقبل في ماض غير بعيد، الداعية المتطرف، وجدي غنيم.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires