أزمة الصراعات والتجاذبات تعصف بديوان رئيس الجمهورية
يتّسم المشهد السياسي اليوم في تونس بالضبابيّة وتسودُه الصراعات على مستوى أهمّ ثلاث مؤسّسات كبرى في الدولة، انحطاط وتردّي في مستوى التعامل داخل البرلمان بين النواب وتجاذبات وصراعات على مستوى تشكيل الحكومة وحرب باردة داخل مؤسسة رئاسة الجمهوريّة.
يوم الأربعاء 30 أكتوبر 2019، اختار رئيس الجمهوريّة قيس سعيد فريق ديوانه الجديد حسب معايير الكفاءة والثقة، حيث قام بتعيّين طارق بالطيّب مكلف بتسيير الديوان الرئاسي لمدّة محددة، وكلّف عبد الرؤوف بالطبيب وزيرا مستشارا لدى رئيس الجمهورية، وعيّن رشيدة النّيفر مستشارة لشؤون الإعلام والاتّصال.
تولّت رشيدة النّيفر مهمة المكلفة بالإعلام والإتصال لدى ديوان رئيس الجمهورية خلفا لفراس قفراش، وهي صحافية سابقة في جريدة الصحافة - La Presse وأستاذة في معهد الصحافة وعلوم الإخبار. شهدت مؤسّسة رئاسة الجمهوريّة منذ تعيّينها أخطاء اتّصاليّة بالجملة، حتى أنّ رئيس الدولة قيس سعيد صرّح في حواره يوم الخميس 30 جانفي بعد مرور 99 يوم من تقلّده منصبه، أنّه يمكن أن تكون وقعت بعض الأخطاء في ديوانه مشيرا إلى أنّ هناك وجود لوجهات نظر مختلفة وهو أمر طبيعي.
بيانات وبلاغات رئاسة الجمهوريّة منذ تقلّد رشيدة النّيفر مهمّة المكلفة بالإعلام والإتصال لدى ديوان رئيس الجمهورية، اتّسمت بالأخطاء الكثيرة خاصّة على مستوى اللّغة العربيّة التي يقدّسها الرئيس سعيد ولا يتكلّم إلا بها. تُنشر البلاغات دون تثبّت وإعادة قراءتها لمرّة ثانية دون إعطاء قيمة واعتبار لهيبة رئاسة الجمهوريّة في صفحتها وكأنّها صفحة عاديّة. رشيدة النّيفر بعيدة كلّ البعد عن أنّ تكون جديرة بخطّة مكلّفة بالإعلام والإتّصال نظرا لأنّها لم تمتهن هذا الإختصاص منذ سنوات. المرّة الوحيدة التي ظهرت فيها النّيفر هي أثناء إجرائها حوار إعلامي مع جريدة لابراس ونشر لها مقالا يوم 16 أكتوبر 2019، يلمّع صورتها ومسيرتها الإعلاميّة وبيّن علاقة الصداقة التي تربطها بالرئيس قيس سعيد أيام الجامعة وعدّدت هي امتيازات سعيد، كان ذلك سببا رئيسيا يجعلها تحفل بمنصبها الآن.
''رفقا باللّغة العربيّة'' كانت رسالة الصحفي والمستشار الإعلامي السابق برئاسة الحكومة عبد السلام الزبيدي يوم الإثنين 25 نوفمبر 2019، إلى مكتب الإعلام والإتّصال برئاسة الجمهورية. هذه الرسالة كانت تنديدا بالأخطاء اللّغويّة الكثيرة والمتعدّدة في بلاغ رئاسة الجمهوريّة بمناسبة إشراف قيس سعيد على إحياء الذكرى الرابعة لاستشهاد أعوان الأمن الرئاسي يوم 24 نوفمبر 2019. قام الزبيدي بنشر البلاغ على صفحته وإحاطة الأخطاء اللّغوية الفادحة باللّون الأحمر واعتبرها أخطاء لغوية غير مقبولة من مؤسسة ذات سيادة، خاصّة وأنّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد عُرف بعشقه للغة الضاد. كما مثّلت الزيارة الفجئيّة للرئيس التركي رجب طيّب أردوغان إلى تونس يوم الأربعاء 25 ديسمبر 2019، أكبر دليل على ضعف سياسة الإتّصال والإعلام برئاسة الجمهوريّة. هذه زيارة اضطررنا في بيزنس نيوز نقلها عن وسائل إعلام أجنبية، علمت بالأمر قبل أعلى سلطة في البلاد. الرئيس التركي وصل إلى تونس في زيارة عمل غير معلنة من قبل رئاسة الجمهورية إلا بعد نشرها من قبل وسائل الإعلام التركية، كما تمّ فيها منع الصحفيين من تغطية الزيارة. يوم الأربعاء 29 جانفي، نشرت رئاسة الجمهوريّة تدوينة مفادها أنّ الرئيس قيس سعيد قام بإهداء لوحة فنيّة تتضمّن الحروف الأبجدية بخطّ تونسي إلى الأمينة العامّة للمنظمة الدولية للفرنكوفونية لويز موشيكيوابو. الرئيس الذي يتعمّد الكلام دائما في لقاءاته وحواراته باللّغة العربيّة الفصحى، لم ينتبه إلى أخطاء مصالح الإعلام برئاسة الجمهوريّة في التدوينة.
الأخطاء التي ترتكبها مصالح الإعلام والإتصال في الديوان الرئاسي تدلّ على أنّها زلاّت مبتدئين، إضافة إلى الأخطاء المتكرّرة، تتعمّد المؤسسة الاستخفاف بالجانب التواصلي المهم مع الصحفيّين. في الكثير من المناسبات، تغلق هواتف المكلفين بالاتصال ونادرا ما يردّون، كما تمّ تحرير محاضر أمنية لصحفيين حاولوا التصوير وافتكاك بطاقات حرفية وتمييز في اختيار المؤسسات الاعلامية التي بإمكانها الحضور دون تفسير مقنع. التعتيم الإعلامي لا يليق بمؤسّسة الجمهوريّة التي يجب أن تكون مصدر المعلومة السليمة والصحيحة للشعب، المواطن التونسي بمجرّد دخوله للموقع الرسمي الخاصّ بالرئاسة الأمريكيّة أو الفرنسيّة بإمكانه الإطلاع على جدول أعمال الرؤساء بينما في تونس لا شيء يذكر. أبسط الأمثلة على التعتيم الإعلامي وغياب المعلومة، كلّ المواقع الإلكترونية والصحف نشرت خبر تعيّين نادية عكاشة مستشارة مكلفة بالشؤون القانونية لدى ديوان رئيس الجمهورية قيس سعيد، يوم 30 أكتوبر 2019، ولكنّ مصالح الإتصال برئاسة الجمهوريّة لم تعلن ذلك.
رشيدة النيفر التي كانت من أوّل الأعضاء المؤسّسين للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري – الهايكا، لم تكلّف نفسها جهد العناء لأخذ موعد للهايكا مع الرئيس قيس سعيد. عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري هشام السنوسي وصف يوم الثلاثاء 7 جانفي تصريحات النيفر ''بالغير مسؤولة'' قائلا ''يبدو أن جراحها لم تندمل من الهايكا" معبّرا عن استيائه من تجاهل رئاسة الجمهورية للهايكا بعدم توجيه الدعوة لها للقاء الرئيس بالرغم من استقباله لمختلف الهيئات والمنظمات الأخرى. وكانت رشيدة النيفر أخبرته أنه بإمكانهم التقدم بطلب إذا ما أرادوا لقاء رئيس الجمهورية. السنوسي اعتبر أنه من الضروري إعادة خطة الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية مشيرا أنه من الخطأ عدم وضع هذه الوظيفة وذلك لسد الفراغ الاتصالي الحاصل داخل الرئاسة.
لم تقف المشاكل داخل مؤسّسة رئاسة الجمهوريّة عند هذا الحدّ من أخطاء المكلفة بالإعلام، بل إنّ دخان الحرب الباردة بين أعضاء الديوان الرئاسي تصاعدت وآتت أُكلها تحديدا بين رشيدة النّيفر والمستشار السياسي لدى رئيس الجمهورية عبد الرؤوف بالطبيّب. عُرف بالصديق المقرّب من قيس سعيد وقيل عنه أنّه رجل الظلّ للرئيس والعقل المفكّر والناصح له في حملته الإنتخابية وحتى في توليه منصب الرئاسة، بالطبيّب حاول تقديم إستقالته من منصبه خلال شهر جانفي ولكنّ الرئيس قيس سعيد رفض ذلك، ولكنّه إستقال رسميا يوم الثلاثاء 4 فيفري من منصبه ولم يقبل أن يُفصح عن أسباب إستقالته ولم يجب حتى على اتصالات الصحفيّين. إلى حدود ليلة البارحة، الأربعاء 5 فيفري، في اتّصال هاتفي له بموزاييك أف أم، تبيّن للرأي العام عُمق الخلاف الحاصل بينه وبين النّيفر والذي لم يعد هو يتحمّله. عبد الرؤوف بالطبيّب أكّد أنّ هناك تقصير من مصالح الإعلام والإتّصال بقرطاج وتعمّد بثّ مغالطات، وأشار أنّ رشيدة النيفر مسّت من قيمة البلاد لأنّها بثّت أخبارا زائفة مثل وقوفه هو وراء زيارة أردوغان إلى تونس وتحميله مسؤوليّة وفاة شهيد الثورة طارق الدزيري، كما أنّها اتّهمته بالتقصير. وأكّد أنّه سيخرج عن صمته وسيكشف أسباب استقالته إن لم تكُف المكلفة بالإعلام والإتصال في رئاسة الجمهورية، رشيدة النيفر عن قذفه بالتقصير وبالأداء الضعيف.
في تصريح إعلامي لها اليوم الخميس، أكدت المستشارة الأولى والمكلّفة بالإعلام والإتصال في ديوان رئيس الجمهورية رشيدة النّيفر، أنّ لا خلاف لها مع أيّ شخص في الديوان الرئاسي وأنّ ميدان عملها مختلف عن ميدان الوزير المستشار لدى رئيس الجمهورية المستقيل عبد الرؤوف بالطبيّب، قائلة ''غادر ويلقى الخير''. وقالت ''مافمّة حتى طنجرة تغلي في الديوان'' وأنّه يوما بعد يوم يدعّم صرحه بكفاءات جديدة مشيرة إلى وجود ثلاث نساء في الديوان معتبرة هذا من خيارات رئيس الجمهوريّة. واعتبرت أنّ الإستقالات داخل الديوان ''عاديّة جدا'' لأنّه بصدد التدعيم، كما أنّ تقسيم المهام واضح وأنّ الديوان الرئاسي يعمل في انسجام كبير في شكل فريق واحد بشكل يومي. ووعدت أنّها ستحسّن الأداء على مستوى الإتصال والإعلام خدمة لمشروع رئيس الجمهوريّة ومن أجل تونس.
بات من الواضح أنّ مؤسّسة رئاسة الجمهوريّة تعاني من صراعات داخل الديوان الرئاسي للرئيس قيس سعيّد، ولكن لا ذنب لتونس وشعبها في تلك الأخطاء والمناورات التي تُحاك في كلّ مكان. على مصالح الإعلام والإتصال الرئاسي أن تؤدي مهامها بكلّ حرفيّة وأن تحترم كلّ الصحفيّين والمؤسّسات الإعلاميّة دون تميّيز.
تعليقك
Commentaires