حظوظ حكومة هشام المشيشي في نيل ثقة الكتل البرلمانية
بقي يوم فقط يفصل هشام المشيشي عن الآجال القانونية لتقديم حكومته، 25 أوت 2020، حكومة في سابقة أولى من نوعها غامضة الملامح والتركيبة إلى حدود اليوم ولا أحد يعلم كيف سيكون مآلها وإن كانت ستنال ثقة الأحزاب في البرلمان أم أنّه سيتمّ إسقاطها وتدخل البلاد في أزمة حادة بعد أن يقوم رئيس الجمهوريّة قيس سعيد دستوريا بحلّ البرلمان والمرور لإنتخابات سابقة لأوانها.
من المُعتاد أن يتمّ تشكيل القائمة الأوّليّة لتركيبة الحكومة وطرحها على الأحزاب للمشاورات والنقاش حول مدى موافقتهم على الأسماء، إلاّ أنّ هشام المشيشي الذي عيّنه قيس سعيّد خيّر اعتماد السريّة في تركيبة حكومته والعمل في صمت وأخذ رأي الأحزاب في البرامج والإصلاحات الإقتصادية والإجتماعية التي تهمّ مصلحة البلاد رفقة المنظمات الوطنيةّ.
هذا التمشي لم يُعجب الكثيرين، خاصّة الحزب الأوّل في البلاد، الحركة الإسلامية النهضة صاحبة 54 مقعدا في البرلمان، الذي خسر فرصته في تشكيل حكومة على مقاسه ''حكومة الحبيب الجملي'' التي سقطت ثمّ أسلوبه الغير الواضح في حكومة إلياس الفخفاخ وتعمّده تكوين حزام سياسي للحكومة كما يشاء عصف بحكومة الفخفاخ التي سقطت واستقال رئيسها بعد شُبهة تضارب المصالح التي تورّط فيها وزادت أزمة البلاد تعقّيدا. حركة النهضة لم تُعجبها طريقة إدارة هشام المشيشي للمشاورات واعتبر قياداتها أنّه لا يُقدّر قيمة ووزن الحزب الأوّل في البلاد وإلى حدود هذه اللّحظة لم تُحدّد بعد الحركة الإسلامية موقفها من حكومة المشيشي التي وصفتها بحكومة الضرورة ولم تُعلن بعد عن إمكانية منحها الثقة من عدمها.
رئيس الحركة الإسلامية راشد الغنوشي أكّد أنّ الموقف المبدئي لحركة النهضة هو رفض حكومة الكفاءات المستقلة مُعتبرا أنّ عدم تشكيل حكومة سياسية حزبيّة يتضارب مع مبدأ الديمقراطية مشدّدا على أنّ الديمقراطية هي حكم الأحزاب والمجالس. في حين، صرّح النائب والقيادي بحركة النهضة سمير ديلو أنّ الأراء داخل قيادات الحركة ليست موحّدة بشأن منح الثقة من عدمها لحكومة المشيشي حيث عبّر بعضهم عن رفضهم منح الثقة لها والبعض الآخر منهم مع منح الثقة للحكومة ليس اقتناعا منهم بالحكومة بل بسبب الظروف التي تمرّ بها البلاد والخوف من الدخول في انتخابات سابقة لأوانها.
ائتلاف الكرامة صاحب 19 مقعدا في البرلمان، أكّد بوضوح تامّ عدم منحه الثقة لحكومة المشيشي والتي لقّبها بحكومة الرئيس الثانية، حيث أفاد عضو مجلس نواب الشعب والقيادي في الإئتلاف الإسلامي يسري الدالي أنّ الائتلاف لن يمنح الثقة لحكومة هشام المشيشي المنتظرة وسيقف صدا منيعا ضدها من أجل حماية الديمقراطية مشيرا أنّ الإئتلاف لا يخشى سيناريو إعادة الانتخابات عكس بعض النواب من كتل أخرى. من جانبه عبّر رئيس كتلة ائتلاف الكرامة في البرلمان سيف الدين مخلوف عن استغرابه من كيفيّة منح بعض الأحزاب لثقتهم في حكومة غامضة الملامح والتركيبة مؤكّدا أنّ الإئتلاف مبدئيا رافض لحكومة التكنوقراط في انتظار الاطلاع على تركيبتها من أجل الدعوة لاجتماع وتحديد موقف رسمي من الحكومة المقترحة.
حركة الشعب صاحبة 15 مقعدا في مجلس نواب الشعب، أبدت موافقتها على منح الثقة لحكومة الكفاءات المستقلّة وفق تصريح عضو المكتب السياسي المكلف بالإعلام في الحركة أسامة عويدات الذي أشار أنّ الحركة في انتظار التعرف على برنامج حكومة المشيشي والذي يجب أن يستجيب للتوجه الاجتماعي للحزب والتعرف على الأسماء المكونة لها و التثبت من عدم تعلق شبهات فساد بأحد أعضائها. القيادي في الحركة والنائب في البرلمان عن الكتلة الديمقراطية، هيكل المكي، أفاد أنّ المجلس الوطني لحركة الشعب قرّر مبدئيا منح الثقة لحكومة هشام المشيشي موضّحا أنّه إذا اكتشفت الحركة أنّ الحكومة الجديدة في برنامجها غير المعلن هي معادية لتطلعات الشعب وأنّه في حال تبيّن أنّ هناك شخصيات في تركيبة الحكومة من هو تابع لأحزاب أخرى أو مُطبّع أو فاسد فإن حركة الشعب لن تمنح أصوات نوابها لحكومة المشيشي. كما أكّد النائب عن حركة الشعب خالد الكريشي أنّ حزبه يتجه الى منح الثقة لحكومة المشيشي رغم تحفظه على طريقة المشاورات التي اعتمدها رئيس الحكومة المكلف.
التيار الديمقراطي صاحب 23 مقعدا في البرلمان، أعلن أنّه لن يمنح ثقته لحكومة المشيشي وفق ما أكّده النائب عن التيار الديمقراطي نبيل حجي الذي اعتبر أنّ المشيشي لا يعنيه نيل ثقة حقيقية ودائمة، بل فقط عملية التصويت وبالنسبة للانتقادات التي توجهت للتيار بسبب قراره عدم منح الثقة للحكومة، تسائل نبيل حجي قائلا " أعطونا سببا وجيها واحدا يجعلنا نمنحها ثقتنا''. كما دعا وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية والتجهيز بالنيابة والقيادي في حزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، إلى المرور إلى انتخابات مبكرة عوض المغامرة بحكومة دون هوية معتبرا أنّ حكومة التكنوقراط مهما كانت الخلفيات التي تقودها في ظل الوضع المتردي الحالي ستزيد من تعميق الأزمات التي تمر بها تونس وستواجه معارضة الجميع وقد تتسبب في انفجار اجتماعي و إفلاس اقتصادي و انفلات أمني يأتي على الأخضر واليابس وينسف مسار الانتقال الديمقراطي برمته.
موقف حزب قلب تونس صاحب 27 مقعدا في البرلمان لم يُحسم بعد، حيث أكّد القيادي ورئيس الكتلة في المجلس أسامة الخليفي اليوم الاثنين أنّ قلب تونس سيكون له موقفا من تشكيلة حكومة المشيشي يُحافظ على مؤسسات الدولة ويُنهي مرحلة حكومة تضارب المصالح، مشيرا أنّه الحزب في انتظار الإعلان عن التشكيلة النهائيّة للحكومة لإعلان موقفه بخصوص التصويت لها من عدمه. الخليفي أوضح أنّ المجلس الوطني للحزب سينعقد وسط الأسبوع الجاري لإعلان موقفه من التصويت على تشكيلة الحكومة التي لم يطّلع على قائمتها النهائيّة بعد والذي سيتحدّد أيضا على ضوء ملامح البرنامج الحكومي وتوجهاته، وكان رئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي قد أكّد يوم 11 أوت الحالي أن حزبه يدعم خيار تشكيل حكومة توافقية بكفاءات حزبية أو مستقلة تحظى بحزام سياسي موسع. أسامة الخليفي لم يتوان في تحديد موقفه من الحكومة واعتبرها حكومة الرئيس مشيرا أنّ أسلوب هشام المشيشي في المشاورات استفزازي محمّلا المسؤولية لرئيس الدولة قيس سعيد الذي عيّن المشيشي مؤكّدا أنّ مرور حكومة مستقلّة هي بمثابة الضغط على الأحزاب التي ستضطرّ لمنحها الثقة خوفا من أن يقوم قيس سعيد بحلّ البرلمان.
حركة تحيا تونس صاحبة 10 مقاعد في البرلمان عبّر رئيسها يوسف الشاهد عن دعم حزبه لحكومة المشيشي وأنّه سيعمل على توفير مناخ مناسب لها للعمل مؤكّدا أنّه يحترم توجّه المكلف بتشكيل الحكومة في تكوين حكومة كفاءات لأن الوضع يقتضي ذلك مشيرا أنّ الانتخابات التشريعية المبكرة ليست في مصلحة تونس وأنّ هذا السيناريو كارثي ولا يخدم تونس بأي شكل من الأشكال.
بالنسبة لكتلة الإصلاح الوطني والتي تتكوّن من 16 نائبا، عبّرت عن دعمها لحكومة هشام المشيشي حيث اعتبر حسونة الناصفي رئيس الكتلة أنهم تفاعلوا إيجابيا مع تمشي المشيشي معتبرا أنّ المشهد داخل البرلمان مُشتت لا يسمح بتوفير أغلبية مريحة للحكومة وفي حال تمّ رفض طريقة تمشي المشيشي يجب الذهاب إلى الخيار الدستوري من خلال انتخابات مبكرة. بالنسبة للكتلة الوطنية صاحبة 11 مقعدا في المجلس، قال حاتم المليكي رئيس الكتلة إنهم تفاعلوا ايجابيا مع مسار تشكيل الحكومة من طرف هشام المشيشي في انتظار إعلانه عن تركيبة حكومته وأنّ التصويت سيكون بعد عرض التركيبة على الكتلة لاتخاذ موقف موحّد وأعرب عن دعم كتلته لتوجه المكلف بتشكيل الحكومة هشام المشيشي في الإعتماد على حكومة كفاءات مستقلة وبين أنه يأمل في أن لا يختار كفاءات في تركيبة حكومته على أساس المحاصصة الحزبية وإنما على أساس احتياجاته وهيكلته وبرنامج حكومته وتصورها.
كتلة المستقبل التي تتكوّن من 9 نواب في البرلمان، أعلن رئيسها عصام البرقوقي أنّه حاول إقناع المشيشي بالتوجه نحو حكومة سياسية من أجل إيجاد حزام سياسي وبرلماني واسع لها يضمن استمرارها ويساعدها على تمرير مشاريع القوانين في البرلمان، وأكّد أنّ كتلة المستقبل ستنتظر الإعلان عن القائمة النهائية لحكومة المشيشي لتحديد موقفها من التصويت لها من عدمه. كتلة المستقبل لا يبتعد موقفها عن موقف ائتلاف الكرامة وحركة النهضة ومن المتوقّع أن لا تمنح ثقتها لحكومة المشيشي.
الحزب الدستوري الحر صاحب 16 نائبا في البرلمان، قرّر التفاعل ايجابيا مع تكوين الحكومة وذلك إثر اعتماد المشيشي توجه تكوين حكومة كفاءات مستقلة تماما، كما أكّد القيادي في الحزب الدستوري الحر وسام الشعري يوم أمس الأحد 23 أوت، أن الموقف النهائي والرسمي للحزب من حكومة هشام المشيشي سيتحدد بعد الإطلاع على تركيبة الحكومة مشيرا أنّ موقف الحزب من الحكومة المنتظرة وإمكانية منحها الثقة كان مشروطا منذ الأول بضرورة عدم تضمنها لأسماء محسوبة على حركة النهضة.
مواقف الأحزاب تُبيّن أنّ حظوظ حكومة هشام المشيشي ذات الكفاءات المستقلّة في نيْل الثقة من البرلمان غير واضحة إلى حدود اليوم، إلى حدّ اللّحظة وليس بصفة نهائية تتمتّع حكومة المشيشي بثقة حركة الشعب والإصلاح الوطني وتحيا تونس والكتلة الوطنيّة أيّ 52 صوتا، في حين أنّ نيلها الثقة يتطلّب الحصول على أغلبية مطلقة لا تقل عن 109 صوت وهو الأمر الغير مؤكّد بعد.
تعليقك
Commentaires