اخفاقات قيس سعيد في باريس
قيس سعيد من باريس : أكررها أمام العالم، التطبيع خيانة عظمى!
يتمّ بثه اليوم: قيس سعيد أجرى حوارا تلفزيا مع قناة فرانس 24
من فرنسا: قيس سعيد يدعو إلى شطب ديون الدول الفقيرة
لا تمرّ زيارة للخارج دون أن يقوم رئيس الجمهورية بزلّة اتصاليّة تمحو كل الايجابيات التي جاءت قبلها ان وُجدت، لغياب منصب مستشار اعلاميّ يؤطر الرئيس وعفويّته الساذجة وحماسه المفرط، ويقدّم له النصح بشأن العثرات الاتصالية التي لا يجب أن يسقط فيها مسؤول سام يمثّل دولته في الخارج، خصوصا خلال المُقابلات الاعلامية والخطابات الرسمية.
أخفق رئيس الجمهورية على مراحل طيلة زياته الى باريس، الأولى حين اختار مخاطبة شعبه من وسيلة اعلام خارجيّة في شأن داخلي وهو موجود خارج أرض الوطن- قد يكون هذا الأمر عادي فالعديد من الرؤساء يجرون حوارات مع قنوات أجنبية لكن غيرُ العادي في هذه الحالة هو المقاطعة الاعلامية لقيس سعيد للاعلام الوطني والعمومي التونسي فالرجل يتحجّب عن اعلام وصحفيي بلده وتُهرسلهم قرطاج من أجل الحصول على المعلومات الشافية في ظل غياب منسق اعلامي او ناطق رسمي. لم يظهر الرئيس في أي حوار صحفي مع أي وسيلة اعلامية تونسية لمدّة سنتين فيما لا يمكن وصفه سوى بالتعتيم والتحقير ضد وسائل الاعلام الوطني التي اضحت تحلل خُطب رئيسها من منصات فرنسية حتى تضمن للمواطنين حقهم في المعلومة بشأن تصريحات رئيس دولتهم.
تعاملُ الرئاسة مع الاعلام كان مريبا منذ الأيام الاولى لوصول الرئيس لكرسي الحُكم، وقد ضمّنت نقابة الصحفيين التونسيين رئاسة الجمهورية في تقريرها عنأعداء حريةالاعلام في تونس كما نددت منظمة مراسلون بلا حدود بتعامل الرئاسة الفوقي مع الصحفيين وتعطيلات الولوج الى المعلومات مما سبّب -الى جانب مؤثرات أخرى- في تراجع حرية الصحافة في تونس.
المستوى الثاني من الاخفاق هو تغييب وزير المالية عن هذه القمة ذات الصبغة الاقتصاديّة والتي كان من المفترض أن تقدم تونس خلالها تصورات وسياسيات مالية تُسهم في بلورة نتائج لهذا الملتقى، أو على الأقل خوض نقاشات مع القيادات الافريقيةالحاضرة بشأن زيارات قادمة لتونس ومشاريع تونسية افريقية مشتركة، كان من الأحرى تخصيص فريق من المختصين لربط العلاقات والتفاوض واستغلال القمّة لبناء افاق نحو السوق الافريقية.
اكتفى سعيد خلال كلمته في القمّة بحديث مُعوّم حول القارة الافرقية وتصورات حول المقاربة الانسانية للوضع المالي في افريقية التي يعتبر صراحة بتعميم مقلق أنها "دول فقيرة"، وتحتاج الى تطبيق المواثيق الدولية المتعلقة بالحق في الصحة، تغاضى الرئيس عن الحديث عن الاقار المدمرة للجائحة على الاقتصاد التونسي والافريقي واكتفى بخطاب عام وغير دقيق ينم بصراحة عن عدم المامه بالجانب الاقتصادي، كان عليه على الأقل أن يلتقي رئيس الحكومة هشام المشيشي أو وزير المالية والاستثمار علي الكعلي ليحيطاه علما بالتفاصيل ويقدما لها الخطوط العامة التي يجب أن يذكرها ويتحدث عنها وايجابات التجرة التونسية في محاولات التعافي من الأزمة حتى لا يظهر للعالم تونس بذلك الثوب السوداوي وكأننا سنعلن افلاسنا غدا.
من الواضح جدا اختلاف الخطاب بين الرئاسة والقصبة فخطاب سعيد في باريس مخالف تماما لخطاب الكعلي في نيويورك مما سيظهر عدم تناسق على مستوى صورة الدولة وتناقضا بين تصريحات المسؤولين لا ينم الا عن قطيعة داخلية وازمة سياسية كبرى وهشاشة قد تهدد بعدم تحصل تونس على قروض اضافية من المؤؤسات المانحة التي تشترط حلا سياسيا وهدنة بين الفاعلين السياسيين في تونس.
في اخر جزء من حواره مع قناة فرنس 24، حوّل الرئيس الحوار من المنحى العام الى تسجيل نقاط ضد خصومه السياسيين وخرق واجب التحفّظ مشيرا الى أنه يوجد من يسعى لافشال قمة الفرنكوفونية في تونس من أجل حسابات خاصة، موزعا هنا وهناك الاتهامات بالخيانة،والفشل، والتواطئ، والتخطيط في الغرف المظلمة وغيرها من ألفاظ نظرية المؤامرة المهووس بها، أمام العالم، كانت صورته كرئيس "معارض" الجميع ضده ويحاول الجميع تهديده واخافته وتعطيله... وهو ضد الجميع الذين يعتبرهم فاسدين دون استثناء، ملمّحا بين الاتهام والاخر الى أنه مشروعه السياسي سيرقى بتونس من هذه العطالة السياسية المقرفة، لأنه يعتبر أن المواطن هو الأساس الذي يوكل للسياسي مشروعية من أجل تحقيق مصالح الشعب، وعلى السياسي وفق قيس سعيد، أن يكون كفؤا وأن يرتقي لهذه المسؤولية أو فانّ الشعب سيسحب منه الوكالة.
مرر الرئيس رسائل عن مشروعه الفكري القائم على الديمقراطية المباشرة مذكرا جمهوره الأساسي، الشباب، بأن السياسيين الحاليين لا يرونهم الا في شكل أصوات انتخابية بينما يراهم هو في شكل ثروة تحتاجها تونس. ما يقوم به الرئيس ليس عبثيّا، لكنه مؤطر بشكل سيء وحمال أوجه وقراءات مختلفة، بعضها يقول أن الرئيس محقّ ولا يجب أن يكذب ويزيف الوقائع ويعضها يذهب الى اتهام الرئيس بالتحريض ضد الطبقة السياسية والتمهيد لانقلاب ناعم سبق وأن أكّده عبر تصريحه أنه "القائد الأعلى للقوات المسلحة" نازعا الشرعية عن بقية السلط التي ل تعني له شيئا.
النقطة الأخيرة والتي أثارت الجدل، هي حديثُ رئيس الدولة عن الاستعمار واعتباره أن مناخ تونس غير مناسب للاستثمار. التصريح ليس بتلك البساطة، وللأمانة فان سياقه لم يكن تشويه صورة تونس بل التفاعل مع سؤال توفيق مجيد والذي لم يكن سؤوالا مفتوحا يمكن الافلات منه فهو سؤال يحتمل اما الاجابة بنعم أو لا، نعم المناخ تونس مناسب للاستثمار ولا المناخ عير مناسب، الرئيس وقع في الورطة واختار الاجابة الثاني ةمستعرضا حججه عن الأزمة السياسية في تونس والاستثمارات السابقة التي تم نهبها وسوء التصرف فيها ليصل في الأخير الى استنتاج هو أن تعطل الاستثمار في تونس سببه الأساسي هو الفساد، ومن هذه النقطة انطلق الرئيس في اطلاق التهم التي تدين الفعلين السياسيين السابقين والحاليين الذي فشلوا في ادارة الشأن العام والتصرف في المال العام... زلّة اتصالة اعتبرت خطيرة لأنها تهدد مباشرة مصالح تونس، وتنفر المستثميرن عوضا أن تجلبهم في تضاد مطلق مع هدف هذه القمة الاقتصادية وعدم اعتبار للفترة الدقيقة التي تعيشها تونس، التي تحاول بكلّ الطرق جلب قروض لا للانطلاق في مشاريع جديدة، بل لتعبة موادر الدولة، حتى تتمكن من الاستمرار...
تعليقك
Commentaires