alexametrics
أفكار

حفتر يتقدّم وتونس تتأهّب والجزائر تراقب..

مدّة القراءة : 3 دقيقة
حفتر يتقدّم وتونس تتأهّب والجزائر تراقب..

 

إلى أمد بعيد ظلّ الصراع العسكري بين الجيش اللّيبي بقيادة المشير حفتر وحكومة الوفاق بقيادة السراج يراوح مكانه دون حسم واضح حول العاصمة اللّيبيّة طرابلس وأطرافها، وقد ساهم التدخّل الإقليمي في الحفاظ على موازين القوى بين الجهتين في غياب المبادرات السياسيّة من دول الجوار المنشغلة بأزماتها لتحقيق السلم وصمت القوى الدولية عن طرح أية مبادرة جديّة بين اللّيبيين، لكن خلال هذا الأسبوع بدت ملامح جديّة لحسم هذا الصراع عسكريّا لفائدة المشير حفتر المدعوم من قوى دولية وإقليميّة نافذة، فصدرت عدّة بيانات تتحدّث عن تقدّم قوات حفتر على عدّة محاور إستراتيجية لتزيد من عزلة حكومة الوفاق وخنقها.

 

يجب أن نشير أنّ مشروعيّة حكومة السراج لحظة ظهورها إرتبطت بالبحث عن الإستقرار في ليبيا في غياب الفاعل القوي، وتواطئت الأطراف الدولية مع التهاون السياسي والعسكري والقضائي من طرف حكومة السراج مع التنظيمات المسلحة المحسوبة على الإسلاميين، لكنّ بروز المشير حفتر ووعوده لبعض الشركات النفطية العالميّة جعل الكفّة تميح لصالحه وعطّلت كل قرارات الإدانة لهجومه على طرابلس، في حين أنّ بعض الدول الغربيّة التي ساندت المشير حفتر تراجعت قليلا لأنّه عجز عن حسم معركة طرابلس وخسر معركة غريان قبل شهر.. ويمكن أن يكون هذا التسخين هو تحسين شروط التفاوض مع المبعوث الأممي غسّان سلامة العاجز عن تقديم حل سياسي، أو ربّما يكون هذا التسخين تحضيرا لمعركة عسكريّة فاصلة وحاسمة.

 

في ظل هذه الأجواء العسكريّة والتخمين بإمكانية الحسم العسكري تبدو تونس أكثر الدول مؤهّلة للإضطرابات والإرتباك، فتونس التي تعيش أجواء سياسيّة مشحونة تتحرّك فيها الخلايا الإرهابية بين الحين والحين عبر عمليات إنتحارية جعل من وضعها الأمني هشّا وغير قادر على تحمّل تبعات معركة طرابلس في بعدها الإنساني وموجة اللجوء أو بعدها الأمني في هروب المقاتلين وتسلّل العائدين من بؤر التوتّر والذين يرابطون في طرابلس وما حولها.

 

يوم 23 جويلية لم يكن الحدث حاديا حين إخترقت طائرة حربية ليبيّة الأجواء التونسيّة ونزلت في طريق مدنية بمنطقة "مدنين"، وهي حادثة تبرز مدى خطورة الأوضاع في ليبيا، ولكنّها تثبت هشاشة المنظومة العسكريّة التونسية في حماية الأجواء، لأنّ وزير الدفاع التونسي صرّح تصريحا غريبا يتعلّق بعدم تحوّز الجيش التونسي لتجهيزات عسكرية تمارس الرقابة الجوية الحدودية بتعلّة ثمنها الباهض، ولسنا نعلم إن كان هذا التصريح من عدمه يبدو ملائما ولائقا، فماذا لو فكّر الإرهابيون في ليبيا بتنفيذ هجمات على تونس بطائرات حربيّة وهم يعلمون عدم تملّك أجهزة الرادار الجوية؟

 

على مدار السنتين الأخيرتين وبعد سقوط تنظيم داعش في المشرق ونحن نتحدّث عن مأزق العائدين من بؤر التوتّر، ولا أحد يستطيع أن يتكهّن بعددهم الحقيقي سوى أنّ الذين هاجروا للقتال بلغوا ثلاثة آلاف تونسي، ووفق التقديرات لعدد القتلى منهم والمساجين فأننا نفترض عددا مهمّا بصدد التفكير في العودة إنطلاقا من الأراضي اللّيبيّة التي وفرت لهم بعضا من الملجأ المؤقّت برعاية المليشيات المنتشرة في الغرب اللّيبي والجنوب الصحراوي، وهؤلاء الجهاديون وجودهم رهين وجود سلطة سياسيّة ضعيفة تحميها المليشيات وتبتزّها.

 

تبدو الجهة الشرقية للبلاد التونسيّة بوابة لكل المخاطر الأمنية ومنفذا لموجة هجمات إرهابيّة رغم إرث المقاومة الذي رسخته "معركة بن قردان" في الجنوب الشرقي، لكن لا ننسى أنّ ذلك الهجوم إفتقد للتخطيط والمدد البشري، ومع ذلك كلّف تونس خسائر كبيرة في الأرواح بالقياس لعدد المهاجمين، ولعلّ إعلان التأهب الأقصى في الجهة الشرقيّة بات من أولويات الحكومة التونسيّة التي صارت منشغلة أكثر بالإنتخابات التشريعية والرئاسية والبحث عن تشكيل المشهد السياسي القادم.

 

 لئن كانت تونس تعيش إرتباكا سياسيّا وصراعا محموما حول السلطة في ظل عجز تام لكل مراكز السيادة، فإنّ الجزائر التي مازالت تعيش زخم الحراك الشعبي تحت مراقبة مؤسسة عسكريّة قويّة متماسكة تنظر لما يحدث في ليبيا بحذر شديد، وتراقب مجريات الصراع العسكري، ولعلّ إهتمام تونس والجزائر بشأنهما الداخلي المرتبك هو الذي حرمهما من الضغط ولعب دور متقدّم من أجل إحلال السلم في ليبيا، وفي النهاية وحسب التقارير التي تتابع الجماعات الإرهابية وخاصة داعش حذّت من أطماع هذه التنظيمات في شمال إفريقيا بعد فشلها في المشرق، ولعلّ الوضع السياسي في شمال إفريقيا والمجال الجغرافي جنوب الصحراء يجعل هذا الفضاء الجغرافي مغريا بتجربة جهاديّة كبرى تحرّكها صراعات دولية من أجل نفط ليبيا والجزائر.

 

سوف يطول الصراع في ليبيا لأنها مجال جغراسياسي لم يعرف مفهوم الدولة في ظل حكم معمر القذّافي، وتفكيك ليبيا كان له دور جوهري في بث الخوف والرعب في شمال إفريقيا ومصر، وهذا الشعب الصغير في تعداده السكاني صار عاجزا عن إدارة شأنه العام، لأن خيرات ليبيا تسيل لعاب كل القوى الدولية والإقليمية، وستظل البوّابة الشرقية لتونس مصدرا لكل خطر داهم محتمل، ولا نظنّ السياسيين في تونس على على وعي بما يحدث هناك وأنّ قدراتنا الأمنية والعسكريّة إن لم تكن مسنودة بإستقرار سياسي فهي عاجزة عن التصدّي للخلايا النائمة في تونس أو لموجة العائدين أو المقاتلين الهاربين.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter