حوار قيس سعيد: حضور مبهم ومضمون فضفاض..
أوّل ظهور إعلامي لقيس سعيّد وما تبعه من ردود أفعال
قيس سعيّد: أنا لا أتنافس مع أحد وكنت أفضّل أن يكون القروي حرّا طليقا
قيس سعيد رفض عضوية المجلس الاسلامي الأعلى في 2013
في أول ظهور مباشر للمترشح للدور الثاني من الرئاسية السابقة لأوانها، قيس سعيد، رأسا - في وسيلة اعلام تونسية وطنية، أصابنا الارتباك ولم نستطع تحديد ماهية الرجل.. هل هو طوباوي حالم بعيد عن الواقع، أم ميكيافلي وبراغماتي، هل هو شديد السذاجة – أم شديد الذكاء..
ترك اللقاء جوّا من القلق وعدم الثقة وفي كل الحالات، يوجد رائحة تحيّـل! هذا مالا يسّـرُ في شكل ومضمون خطابِ المترشح، حسب رأينا.
أولا، يوجد خطأ ما في هذه المقابلة التلفزية الأولى التي قدمتها القناة الوطنية الأولى، وسلية اعلام عمومية. مرد الازعاج الذي خلفه هذا الحوار، أن التلفزة الوطنية المرفق العمومي الذي يحكمه خط تحريري يقتضي المصلحة العامة، قد قام بحوار مع مترشح للرئاسية في دورها الثاني في خضم فترة الحملة التشريعية وقبل انطلاق/ تحديد تاريخ الحملة الرئاسية الثانية، وبينما المرشح الثاني وراء قضبان السجن.
للمرفق التزام قانوني بموجب القانون الانتخابي و اتفاقيته مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري – صاحبة السلطة على الاعلام، باحترام مبدأ تكافؤ الفرص. المرفق ذاته الذي استضاف، قبل ثلاثة أسابيع، أول مناظرة متلفزة في العالم العربي بين المرشحين للرئاسة في الجولة الأولى.
اذا كان المرشح نبيل القروي مازال قيد الايقاف -لأسباب مثيرة للجدل والانتقاد- ومادام تاريخ انطلاق الحملة الثانية للرئاسية، فهناك سبب جلي للتساؤل حول مرد هذه الرغبة والاصرار على دعوة مرشح رئاسي للحوار عبر منبر عمومي، في منتصف الحملة التشريعية، وحتى قبل انطلاق مناظرات هذه الأخيرة. لقد تم انتهاك مبدأ تكافؤ الفرص بشكل بديهي في هذه الجولة الرئاسية 2019، في الدور الاول اساسا ولكن الانتهاك مستمر بتواطؤ من المرفق العام الذي من المفترض أن يكون في خدمة الدولة وليس في خدمة التلفوة التونسية تشعر بالقلق إزاء مسألة تكافؤ الفرص، و بالتالي ستعمل لضمان استفادة المرشح نبيل القروي أيضًا من نفس الوقت لحوار فور خروجه. الحجة غير مقبولة، عندما يعلم المرء أن المرشح موجود في السجن بالفعل وأن القضاء رفض مشاركته في مناظرة تلفزيونية مباشرة.
هناك شيء آخر مقلق في هذه اللقاء الصحفي وهو يتعلق بالمرشح نفسه أخلاقه القانونية. كيف يمكن لرجل قانون، واستاذ قانون دستوري أن يقبل إجراء مقابلة صحفية في المرفق العام في انتهاك تام لمبدأ المساواة في حين يجب أن يكون هناك نقاش ثنائي/ مناظرة بين المرشحين النهائيين، كما هو الحال في جميع الديمقراطيات؟ رجل القانون الحقيقي سيرفض من البداية الدخول في هذا النوع من السرديات المغلوطة غير القانونية وغير الأخلاقية.
يدعي قيس سعيد أنه لا يتنافس مع أي شخص، من السخف تماما الادلاء بتصريح كهذا، الانتخابات الرئاسية هي سباق في حد ذاتها ولا علاقة فيها بين المترشحين سوى التتافس.
أما على مستوى محتوى الحوار التلفزي، وتصريحات سعيد، قمنا بتحديد أوجه التضارب واللاتناسق، الإجابات المراوغة والمعومة، واللغة الخشبية. لنقل اننا لم نجد في ذالك الحوار الفضفاض نقطة واحدة ذات مصداقية، او اجراء واحدا قابلا للتطبيق في اطار صلاحيات رئيس الجمهورية.
البرنامج الانتخابي
في بداية المقابلة، يقول قيس سعيد إنه ليس لديه برنامج وأنه "موجود للاستماع إلى الشباب وتلبية احتياجاتهم." هذه المرة الأولى في العالم السياسي حيث يوجد مرشح يقدم نفسه دون برنامج ، بحجة أنه لا يريد "بيع أوهام". لنقل، أن السياسة في تعريفها البدائي هي حمل رؤية أو مشروع. ومن يلج السياسة دون مشروع، كربان سفينة دون أشرعة، سيسير الى المجهول.
الشباب
أكد قيس سعيد إنه يستمع إلى الشباب. أي لشباب؟ شباب الأحياء الراقية أم المهمشة؟ الخريجين الذين ليس لديهم ما يكفي من المعرفة والمعرفة للعثور على وظيفة أو أولئك الذين تركوا المدرسة في وقت مبكر؟ إن استخدام الكلمة في شموليتها كان الشباب كائن هلامي ما، وتعميمها بشكل فضفاض من قبل مرشح للرئاسة هو في أحسن الأحوال، غوغائية ، وفي أسوأ الأحوال، تلاعب وقح.
الهوية
بين قيس سعيد أن مشكلة التونسي ليست هووية (الهوية)، بل مشكلة اجتماعية-اقتصادية بالأساس. صحيح في مجمله، لكن من الخطأ أن نقول أن المشكل الوحيد الذي شغل الفضاء العام منذ 2011 هو الهوية. الثورة اساسا قامت على أسباب اقتصاديةن لكن مسائل الهوية والحريات الفردية كانت ولازالت مطروحة. لا يمكن حصر مشاكل التونسي في سيطرة موضوع واحد على النقاش العام، لأن كل المسائل على نفس القدر من الاهمية والأولوية في هذه الفترة خاصة علاقة "هوية الدولة" بمقاربة الحريات الفردية، لأنه في حالة سيطرة هوية ما، ستكون جل الحريات مهددة.
علاقته مع الاسلاميين
تجاهل سعيد هذا السؤال بوضوح رغم اصرار الصحقي على ابراز دعم الاسلاميين وبعض الوجوه المتطرفة المحيطة بقيس سعيد. الرجل أصر انه ليس يمينيا او يسارسا او اسلاميا او علمانيا وأن هذه التصنيفات لا تعني شيئا مشددا ان تونس عليها ان تكون مستقلة من جميع التصنيفات. تصريح غريب من رجل قرر دخول غمار السياسية، التي تقتضي حسب التعاريف والتاريخ والمنطق وجود عائلات فكرية وسياسية، انكار ذلك، والذهاب لقول ان التصنيفات لا تعنيه هو امر مثير للريبة. سعيد بين ان التفاف العديد من الاطراف حوله مرده ايمانهم بمشروعه، مشروع لانعرف عنه شيئا. اما عن دعم بعض الأحزاب، فقد بين المترشح انه "لم يطلب اي دعم".
احترام الدستور
محل التضاد في هذه المسألة هو اصرار سعيد على التصريح أنه سيحترم الدستور التونسي، لكن برنامجه يقوم اساسا على تعديل نظام الحكم الذي جاء به دستور 2014 من برلماني الى محلي وجهوي. كما أن سعيد لا يؤمن بالمساواة التي نص عليها الدستور بين الرجل والمرأة، كونه يرفض قانون المساواة في الميراث.
مواقع التواصل الاجتماعي
أكد سعيد أنه لا يملك أي صفحة على منصات التواصل الاجتماعي بما في ذلك فايسبوك وانه لا يستعمل الانترنت الا للبحوث والقراءات. بهذا التصريح، ينفي سعيد وجود اي صفحة رسمية له ناكرا جهور هذه الصفحات في صناعة الرئيس افتراضيا وتجييش الناخبين. رغم ذلك، لا يفوتنا ان نؤكد انه يوجد ضمن فريق حملة قيس سعيد شخص مختص في التسويق عبر الفايسبوم وادارة الصفحات، تصريح يمكن اعتباره مغالطة.
العلاقة مع وسائل الاعلام
أكد سعيد انه قد تجنب الحضور الاعلامي في الفترة السابقة نظرا لوجود منافسه في السجن. تصريح مجانب للصواب لان الرجل ظهر في اكثر من قناة عربية ودولية ومواقع اعلامية وغيرهن بالاضافة الى هذا الحوار في مرفق عمومي قبل انطلاق الحملة. ونلحظ انه لم يتطرق الى موضوع حرية التعبير والاعلام.
الحملة الانتخابية
قيس سعيد بين انه لم يكن له حملة انتخابية بل حملة تفسيرية قادها مجموعة من الشباب والطلبة بأموالهم الخاصة والمتواضعة التي ساهموا بها تطوعا لانشاء صفحات (أنكر وجودها سابقا) كما ان الشباب تولوا النزول للشارع للتواصل مع المواطنين.
الحريات
يرى المرشح ان مسالة الحريات ثانوية وليست من أولويات الشعب، أي شعب يتحدث عنه سعيد، لا ندري. بالنسبة للمساواة في الميراث يتبنى سعيد نموذجا رجعيا يكون فيه الرجل المنفق على الاسرة وبالتالي يحق له ان يرث اكثر من الكرأة، مختبئا وراء الشريعة والعرف سقط سعيد في فخ المحافظ الذي يذعن للمجتمع و اعرافع عوضا عن التقدمية والقانون.
لاحظنا كذلك، أن سعيد قام خلال هذا الحوار بتتفيه مسألة المثلية الجنسية مازحا بشأنها مما يعد تعديا على الاقليات الجنسية التي تعد جزءا من الشعب الذي يترشح لقيادته. سعيد يؤمن ان الفضاء العام يجب أن يبقى محافظا على توازن اجتماعي معين رافضا ادخال ثقافة دخيلة. مقاربة مغلوطة، يتجاهل فيها سعيد كونية حقوق الانسان والحريات. في محاولة منه لانقاذ ما يمكن انقاذه، قال سعيد في خاتمة اجابته انه لا يمكن الرجوع للوراء في مسألة الحريات.
الحوكمة
اعترف سعيد أخيرا ان مشروعه للحوكمة المحلية صعب التطبيق ومرتهن بقبول نواب مجلس الشعب، شأنه شأن تعديل الدستور. لم قد يقترح سعيد برنامجا غير واقعي وهو يعلم انه صعب المنال، ورغم ذلك يستمر في جمع الشباب حول هذا المشروع بحثا عن الدعم.. هل يتهرب من مسؤولية تطبيق هذا المشروع، في حال رفضه المجلس ..
استقلالية القضاء
بدا سعيد واثقا وكان خطابه مطمئنا في هذه النقطة لانه شدد مرارا على ضرورة استقلال القضاء مؤكدا أن القضاء المستقل افضل من الف دستور. ولكن الاقتراح الغريب والخطير في ان هو اقتراح ان يكون المجلس الاعلى للقضاء حكرا على القضاة المتاقعدين والممارسين عوض ان يتكون من قضاة ومحامين واعضاء محاكم وغيره، مما يفتح البا بحو دكتاتورية القضاة ويثير مسألة عدم استقلالية هذا المجلس الذي يكون تحت عهدة رئيس الجمهورية الضامن حسب الدستور لاستقلالية القضاء.
تعويض لعلائلات الشهداء
اقترح سعيد تعويضا شهريا لعائلات الشهداء من الامن والجيش الوطنيين مدى الحياة حفظا لكرامتهم. الغريب ان هذه المنحة موجودة بالفعل، عار ان كان مرشح للرئاسية لا يعلم هذا، وعار ان كان يعلم هذا ويسخر من الناخبين.
حالة الطوارئ
يرفض سعيد حالة الطوارئ الحالية ويقول انها مخالفة للدستور ةيجب تغيير القانون المنظم لها وتعويضه بقانون جديد ملائم للوضع الحالي. سعيد يريد الغاء حالة الطوارئ التي ينصها كل شهر رئيس الجكهورية القائد الأعلى للقوات المسلجة، ماذا نفعل اذا عند الغاء هذا القانون في ظل تهديد ارهابي.. يعود سعيد ليؤكد انه مع تطبيق حالة الطوارئ لكن مع تغيير القانون المنظم لها. موقفان في بضع دقائق.. غريب.
الوضع الاقتصادي
لا يملك سعيد اي حل للوضع الاقتصادي الحالين فقد يكتفي يتشخيص الوضعية الحالية منذ 2011 وهو امر نعلمه جميعا ولا يحتاج تشخيصا. نلاحظ ان المترشح يتجنب الأسئلة الاقتصادية ويحاول ان يكون سفسطائيا في هذه المسألة عبر تقديم اجابات عمومية جدا.
أموال وممتلكات الطرابلسية
يساهم سعيد من موقعه في تغذية هذه الكذبة التي استخدمها قبله المرزوقي والترويكا. يقول انه سيقوم باسترجاع هذه الاموال واستثمارها في المناطق الداخلية، استراجعها من اين ومن عند من، لا ندري طبعا. يواصل سعيد شعبويته عبر تصريحات معومة، قد تنطلي على عامة الشعب..
العلاقة مع الحكومة
لم يجب سعيد عن هذا السؤال عبر طرح استراتجية واضحة للعمل المشترك مع الحكومة، فقط اكتفى بالحديث عن المحصلحة المطنية والمصلحة العامة واقصاء المصالح الحزبية. شعارات جميلة، لكن العمل السياسي التطبيقي شيء اخر يتطلب خطة واضحة النعالم يبدو ان الرجل لا يفكر ولم يفكر في اعدادها.
العلاقة مع الخارج
يواصل سعيد الخوض في الشعارات والعموميات الفضفاضة. في المسألة الليبية تحدث عن وضع حل للنزاع لان مصالحنا مشتركة وامننا مشترك دون ادنى قرار عملي. في المسألة السورية تحدث عن علاقة مع الدولة لا علاقة مع النظام دون ايضاح الفرق بين الدولة والنظام. اما عن الجزائر، فكرر سعيد نفس الخطاب النمطي الذي قدمه في المناظرة عن القرب والفخر والاخوة، معان جميلة طبعا لكنها ليست مشاريعا او سياسيات حقيقة ..
نزار بهلول – ترجمة عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires