alexametrics
أفكار

الاتصال السياسي للقصر: le silence risqué

مدّة القراءة : 4 دقيقة
الاتصال السياسي للقصر: le silence risqué

تبنى السياسة الحديثة ونشاط مؤسسات الدولة في جزئها الأكبر على الإتصال و التواصل. هذا التزامن بين السياسة و الإعلام هو تزامن تاريخي بغض النظر عن طبيعة الحكم او شكله. أهمية التواصل يشترك فيها كل مكونات المجتمع سواء كانت سياسية، مدنية او غيرها. في مجتمع المعرفة و المعلومة المحينة، تهميش او عدم إيلائ أهمية كبرى للتصرف و بناء المعلومة la gestion de l’information على شاكلة Alastair Campbell ، يدفع بمؤسسات الدولة الحديثة الى الهامش و يجعل الفضاءالعام الذي اصبح في جزء منه "افتراضيا" مفتوحا للتأويلات و المعلومة الغير الرسمية في الداخل و تزداد خطورة في الخارج اذ ان غياب المعلومة الرسمية يقزم او يغيب الديبلوماسية في حد ذاتها.

في الوقت الذي أطلقت فيه معظم الدول الإقليمية فضائيات و إذاعات و مراكز بحث و طورت الاتصال السياسي الرقمي على منصات التواصل الاجتماعي  لدعم العمل الديبلوماسي و التسويق لسياستها الخارجية، نجد ان "رؤية" الإعلامية لمؤسسة الرئاسة بقرطاج لم ترقى بعد الى مستوى الحديث عن خطة او سياسة إعلامية . يتكثف الجهد او الحشد الإعلامي زمن الأزمات الداخلية (مؤسساتية او غيرها) او الإقليمية لاعتبارات جيوستراتيجية منها الأمن القومي(la sécurité nationale) و الدفاع عن المصالح الحيوية (les intérêts nationaux ) ) و تجند (برفع الدال) لهذا الجهد اكبر شركات العلاقات العامة PRو Spin Doctors و Opinion leaders و غيرها من الخبرات في علوم الاتصال االا ان النشاط الرئاسي منذ تنصيب قيس سعيد لم يعكس هذا التوجه بالرغم من وجود الأستاذة الجامعية في علوم الصحافة كمستشارة إعلامية لقرطاج.

لم نلتمس سياسة استباقية préventive و لا احتوائية infotainment بالرغم من تزامن التأخر في تشكيل الحكومة (نعلم جيدا ان الدستور لا يمنح الرئيس كثيرا من الصلاحيات ) بالرغم من تواتر للأحداث أليمة . تفاقم هذا الفشل الإعلامي اثر تسريب لصور الاجتماع السري لمدير شؤون الرئاسة مع عدد محدود من زعماء القبائل الليبية و بحضور رئيس حزب التحرير رضا بالحاج. هذا التسريب ورط مؤسسة الرئاسة في الاعتباطية و الديبلوماسية الموازية بمن لا صفة قانونية له مما يقلص من مصداقية الفريق الرئاسي و يجعل إعادة تسويق صورة الرئيس كمدافع عن علوية القانون و حام للجمهورية بالمسالة الصعبة. ديبلوماسيا،  تناقض تصريحات الرئيس اثناء الانتخابات و يوم تنصيبه مع استقباله لرئيس حكومة الغرب بطرابلس، فائز السراج، كشفت عدم حيادية الرئيس في الملف الليبي. هذا العجز الإعلامي تدعم بعد إصدار مجلس القبائل الليبية لبيان تداول بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي دون ردة فعل إعلامية من مسؤولي الرئاسة. هذا السكوت المريب (risqué  ) تعددت مظاهره مع الزيارة " الفجئية" للرئيس التركي حسب ما صرحت به المسؤولة الإعلامية النفير التي أوضحت ان الرئاسة لم تكن على علم بالزيارة و انها تلقت الخبر من وكالة الأناضول ثم تواصل التعتيم حول أهداف الزيارة و عدم تمكن الرئيس من بناء خطاب متناسق مع اللحظة الديبلوماسية. فشل الرئيس و اردوغان في التسويق للزيارة في تونس و المنطقة المغاربية.

هذا البناء الإعلامي للزيارة انقسم الى جزئين لكن القاسم المشترك بينهما هو "التعاون" الاقتصادي و الجيوستراتيجي. حضور وزير الدفاع التركي و رئيس المخابرات التركية أجهض بناء الخبر و تسويقه اذا ان الرأي العام لم يستسغ كيفية إيجاد حلول اقتصادية تونسية في غياب وزراء اقتصاد و تعاون دولي و رجال اعمالنا الوفد التركي و غياب حكومة تونسية و لجان مشتركة للتحضير لبرام اتفاقيات مشتركة بل ان بعض المصطلحات المستعملة من اردوغان تدل على العبثية حيث سيوكل مهمة تسويق زيت الزيتون و التمور التونسية لبعض "التجار" الاتراك (للتذكير فان تركيا أصبحت منتجة لزيت الزيتون اَي انها أصبحت منافسا). هذا الخطابي العبثي ترجم لدى الرأي العام التونسي بالإهانة و المقايضة من اجل استعمال الأراضي التونسية للدخول الى ليبيا. 

فشل قيس سعيد في بناء خطاب يدافع إعلاميا عن مفهوم الأمن القومي و أولوية تونس في لعب دور محوري لحل الأزمة الليبية عمق عزلة الرئيس التونسي و ديبلوماسيته بعد ان عزل نفسه عن التنسيق مع مصر بدافع "المبدأ الثوري" و الجزائر لدوافع قد تكون نفسها.  هذا العزل الديبلوماسي يتعزز بغياب تونس عن مؤتمر برلين لبحث الأزمة الليبية. فالغياب الديبلوماسي تواصل منذ سقوط النظام الليبي و استقبلت تونس اللاجئين و تحملت تبعات ذلك الانهيار دون التسويق الإعلامي و ما قد يكسبها رصيد عاطفي و انساني يستغل لدعم الحضور الإعلامي لدى الرأي العام الغربي . الفشل الإعلامي في التسويق لا يغيب (برفع الياء) تونس فقط بل يجعل منها الحلقة الأضعف و ينحصر دورها في الجانب الأمني يقتصر اما على استيعاب تبعات الصراع في ليبيا او منع عبور المهاجرين للضفة الشمالية من المتوسط.

بدلًا من إيجاد منهج إعلامي علمي، استدركت الرئيس ضعفه الإعلامي بتصريح اضطر له بدافع الرد عن خطاب اردوغان أمام البرلمان التركي ليوضح ان تونس تحافظ على سياسة الحياد بل استغ اردوغان الصمت الرسمي لقرطاج و صرح باتفاقه مع تونس على دعم حكومة السراج. هذا التصريح تداولته وسائل الإعلام الغربية بغض النظر عن مدى صحته و استطاع اردوغان ان يفرض حضور خطابه و قدرة تركيا الديبلوماسية على إدارة أزمة يفصلها عنها المتوسط. هذا التصريح جعل من اردوغان طرفًا أساسيًا و جعل من الديبلوماسية التونسية تابعا لا يقدر على إسماع صوته

. ضرورة التناسقla synchronisation  بين الخطاب و الرؤية السياسة يستوجب استدعاء جميع الأطراف المتداخلة في الملف الليبي حتى تحفظ تونس اَي ارتدادات غير متوقعة. فالاستدراك الإعلامي للرئيس بني في جزء منه على نظرية المؤامرة حيث نسب الى بعض الأطراف التونسية موجة التفاعل و الذي هو بالأساس وليد فشل الاتصال السياسي للرئاسة. تفاعل المجتمع المدني و مستعملي المنصات الاجتماعية لا يرقى الى المؤامرة التي لا تتوفر مقوماتها أمام حجم الفراغ و غياب للمادة الإعلامية . قد يفهم من مصطلح المؤامرة عداوة العلاقة مع وسائل الإعلام الخاصة او حتى الوطنية التي دابت على ادراج النشاط الرئاسي في ثنايا الأخبار عوض البدأ به. الا ان هذه العداوة يعود بالأساس الى مسؤولية الرئاسة التي لم تنجح في إيجاد البديل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي كما فعل ترامب او توخي سياسة الاحتواء للسلطة الرابعة (الاحتواء لا يكون بالزجر او الابتزاز). 

تحافظ الرئاسة على توجدها في الإعلام البديل( خاصة فيسبوك)  من خلال ما توارثته عن من سبق قيس سعيد في قرطاج. هذا التواجد لا يعد الا جزءا من السياسة الإعلامية التي تتطلب تحيين لا الركود او النمطية.

 من خلال تحليل الخطاب ( رئيس يعيد نفسه و خطاب بالعربية الفصحة قد لا يطمئن و لا يكون شاملًا لكل التونسيين ولا يحي بالتلقائية ) يتبين جليًا ان قيس سعيد لا يعير اهتماما كبيرا لعلوم التواصل مما يأشر اما لعدم الإنصات لمستشاريه او عدم كفاءتهم . و في الحالتين سيتواصل بناء الخطابي لدور الريئس على نظرية المؤامرة او التقسيم clivage . ضرورة تبني سياسة إعلامية كفيل بجعل الرئيس جامعا للتونسيين حسب ما حدده الدستور ( ان أراد ان يدافع عن الجمهورية و قوانينها) و مدافعا عن مصالح تونس و أمنها القومي، ماعدا ذلك سيبقى التعاطي الإعلامي الرسمي اعتباطا و لا يؤسس لمجتمع القانون.

 

      جعفر بوزميطة 

أستاذ باحث في الإعلام السياسي   

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter