alexametrics
الأولى

الخطوط الجوية التونسية: التحديات الكبرى ومساعي الإصلاح

مدّة القراءة : 6 دقيقة
الخطوط الجوية التونسية: التحديات الكبرى ومساعي الإصلاح

 

في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس والتي رمت بظلالها على أكبر الشركات التونسية العمومية خاصة مؤسسات الخدمات والشركات التجارية، كانت الخطوط الجوية التونسية الأكثر تأثرا منذ الثورة، حيث خسرت المؤسسة على مدار الثماني سنوات الأخيرة عائدات كبيرة تضاف إليها مشاكل تقنية ولوجيستية وتقنية.

وتكبدت الشركة خسائر مالية كبيرة منذ الثورة إضافة لخسارة السوق الليبية التي كانت تمثل حوالي ربع النشاط التجاري للمؤسسة ووصل العجز المالي خلال سنة 2017 إلى 165 مليون دينار مرورا ب 145 مليون دينارا في 2016 .

 

وتعود أسباب هذا العجر، حسب مصادر رسمية إلى ارتفاع عدد الموظفين والأعوان الذين يمثلون عبئا إضافيا نظرا لارتفاع كلفة الأجور، خاصة اثر التعيينات العشوائية والانتدابات الكبيرة التي شهدتها المؤسسة في عهد حكومة الترويكا غداة الثورة، وأكد الرئيس المدير العام للمؤسسة إلياس المنكبي أن ارتفاع كتلة الأجور وارتفاع عدد الموظفين يمثل عائقا أمام كل التوجهات الإصلاحية، إضافة إلى تراجع سعر صرف الدينار باعتبار أن معاملات الشركة تتم بالعملة الصعبة.

 

كما أن ما يشهده أسطول النقل الجوي من مشاكل تقنية، يمثل بدوره عائقا كبيرا على تأمين الرحلات فتواترت كثيرا حوادث تأخير الرحلات بسبب شجار بين الطيار والتقني وتتالت حوادث تأجيل الرحلات وسرقة الأمتعة من مطار تونس قرطاج وتواترت الإضرابات وزاد امتعاض المسافرين القادمين من شتى البلدان وارتفع غضب التونسيين وسخطهم على تدهور خدمات الشركة التي كانت تمثل أحد أبرز ركائز السياحة التونسية ووجدت نفسها في ظرفية صعبة تدفع ثمن الانتدابات العشوائية ونقص الأسطول والإضرابات وحتى قلّة وعي مسافريها التي أضرت بصورة الشركة وبسمعتها.

 

ودعا عديد الخبراء إلى بيع المؤسسة لتكون أكثر تنافسية وأمام هذه الحالة، تفاقمت المخاوف من خوصصة الشركة، الذي يعني طرد عشرات الآلاف من الموظفين وما يعنيه ذلك من تبعات اجتماعية و نقابية.

وعبر اتحاد الشغل في مناسبات عديدة رفضه للتوجهات نحو الخوصصة والتفويت في كل المؤسسات العمومية .

وأعلنت الخطوط التونسية عن مخطط إعادة الهيكلة للضغط على التكلفة وإعادة تنظيم الشركة وتعزيز الأسطول وتحسين جودة الخدمات خاصة على مستوى التموين وهو ما دعا إليه الرئيس المدير العام إلياس المنكبي الذي أقر بضرورة تسريح 1700 موظف بالشركة لتجاوز الأزمة خلال الاستماع إليه لدى لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة بالبرلمان في 2017.

لعل المشاكل التي تعيشها الشركة، لما كانت لتكون بهذه الشدّة والصعوبة لو كانت المؤسسات العمومية الأخرى في حالة مستقرة، حيث أن المؤسسات العمومية الأخرى التي كانت تساعدها تعيش بدورها وضعا مماثلا خاصة الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه ''صوناد''، والشركة التونسية للكهرباء والغار ''الستاغ''، والوكالة الوطنية لللتبغ والوقيد وشركة فسفاط قفصة، التي تتكبد جميعها خسائر بالجملة.

 

وأعلنت وزارة النقل عن حوار وطني حول النقل بالاشتراك مع رئاسة الحكومة في أوائل شهر ماي الجاري  للوقوف على كل إشكاليات القطاع ولبلورة مجموعة من التوصيات للخروج من الأزمة الكامنة في كل مجالات النقل البري والبحري والجوي وتمّ تنظيم حوارات جهوية في كل الولايات.

 

وتمّ رصد مجموعة من التوصيات والمقترحات للإنقاذ الخطوط التونسية ولإنقاذ الموسم السياحي، وأعلنت وزارة النقل يوم أمس عن انطلاقها في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني اثر مجلس وزاري مضيّق بإشراف رئيس الحكومة يوسف الشاهد وتركيز اجراءات عاجلة، حيث تقرر على المدى العاجل وضع مساعدة مالية في شكل ضمان دولة لإصلاح الطائرات لتلافي تأخر السفرات بالنسبة لخطوط الجوية التونسية وكراء طائرات إضافية لتأمين وإنجاح الموسم السياحي وعودة التونسيين بالخارج بأسعار تفاضلية ومدروسة واعتماد برنامج لتنظيم الخطوط الجوية السريعة لحسن تأمين السفرات الداخلية على المدى المتوسط والطويل والمصادقة على إعادة هيكلة وتنظيم شركة الخطوط الجوية التونسية على مستوى الاجتماعي والتجاري والمالي بالشراكة مع جميع الأطراف المتدخلة و تركيز برنامج" يمتد على خمس سنوات يشمل الجانب التجاري والاجتماعي والإداري للشركة مع وضع استراتيجية تجارية متكاملة للأعوام القادمة.

 

ونفى وزير النقل في هذا السياق وجود أي نية للتفويت أو تخصيص شركة الخطوط التونسية، مؤكدا أنها تبقى ناقلة كل التونسيين ويبقى الهاجس الأبرز هو توفير خدمات ذات جودة عالية للتونسيين والأجانب.

وصرح الوزير هشام بن أحمد في تصريح اعلامي اليوم الثلاثاء أن الدولة ضمنت قرضا لصالح الخطوط الجويّة التونسيّة يقدّر ب 50 مليون دينار، من أجل تحسين الأسطول الجوّي وإعادة هيكلة وكراء الطائرات، اضافة للمساهمة في تسهيل المعاملات للشركة  لكراء طائرتين لتسهيل عودة المواطنين بالخارج، واقتناء ثلاثة طائرات جديدة تابعة للخطوط الجويّة السريعة.

 

وأفاد الوزير كذلك إن عمليّة التسريح ستشمل قرابة 1200 عامل على امتداد 3 سنوات بطريقة مدروسة، لافتا إلى أن مشكلة الشركة تتمثّل في نقص الثّقة بينها وبين المزوّدين لها بقطع إصلاح الطائرات.

 

يبدو أن التوجه نحو هذا الإصلاحات يأتي في إطار تأهب تونس لخوض غمار مجازفة اتفاق السماوات المفتوحة مع الاتحاد الأوروبي، والذي سيجعل الشركة في منافسة قوية مع شركات الطيران الأجنبية.

 

وأفاد وزير النقل هشام بن أحمد اليوم في تصريح إعلامي أن هناك عمل كبير لحث الإتحاد الأوروبي للتسريع في الردّ إيجابيا فيما يخص “اتفاقية السماوات المفتوحة ” من أجل الانطلاق في تطبيقها وتفعيلها بعد أن وقع الإمضاء عليها منذ 12 ديسمبر 2017

 

وتتطلع الناقلة التونسية للتوسع في إفريقيا، وحيث تستعد لتحرير مجالها الجوي أمام الشركات الأوروبية مما سيضعها في منافسة محتدمة مع نظيراتها الأوروبية لديها عديد الإشكاليات التي عليها تجاوزها حتى تضمن استمرارية المؤسسة ، كما أن عليها وضع ضمانات لنجاح هذه الخطوة التي رحب بها مهنيو السياحة ورفضها اتحاد الشغل واعتبرها ستنتهي بخوصصة المؤسسة.

والمنافسة لن تكون هينة  خاصة بهيمنة شركات الأسعار المنخفضة وخسارة بعض الأسواق التي خسرتها تونس ومنها السوق الليبية وتعنت مشغلي الخدمات السياحية علاوة على افتقاد المطارات الجهوية والغير رئيسية للخدمات المناسبة .

 

وستكمن هذه الاتفاقية بفعل تحرير المجال الجوي من ترفيع عدد السياح في وقت تستعد فيه تونس إلى استقبال حوالي 9 ملايين سائح وفق ما أصدرته وزارة السياحة، لكن ذلك لا يخفي المخاوف من الفشل والإضرار بالناقلة الوطنية أمام منافسة كبيرة وحسب الاتفاقية ، ستبدأ تونس في مرحلة أولى بفتح المجالات الجوية أمام الطيران الأوروبي على أن يشمل ذلك كل شركات الطيران العالمية في مرحلة لاحقة ، وتتيح اتفاقية السماوات المفتوحة التنقل لشركات الطيران بجميع أنواعها بين تونس ودول الاتحاد الأوروبي وباقي الدول الموقعة عليها.

وأمام هذه الحالة التي تعيشها الخطوط الجوية التونسية بين وقع الأزمة والتحديات ومساعي الإصلاح والمشاكل المتوالية بمطار تونس قرطاج، يبدو أن خوض هذه المغامرة يمثل مجازفة كبيرة وسبق وأكدت وزارة السياحة أن الاتفاقية لن تشمل المطار لمدّة خمس سنوات إلى حين استكمال الإصلاحات المطلوبة.

 

وحسب بعض المؤشرات فإن كل الأسطول يتطلب إجراء تغييرات جذرية ليلائم المعايير والمواصفات الدولية وليضمن النجاح النسبي لهذه الخطوة خاصة أن أية مجازفة من شأنها أن تساهم في تعميق الأزمة أكثر وقبل التفكير في جلب عدد كبير من السياح يجب إدراك أن هذه المجازفة من شأنها أن تساهم في انهيار الناقلة الوطنية، فالتفاؤل لا يجب أن يُخفي التشاؤم واستقراء كل العواقب والاستعداد الكلّي لها خاصة في ظل منافسة ستكون شديدة مع شركات الطيران الأوروبية التي تفوق تونس زادا ومعدات وتقنيات وخدمات. 

 

سناء عدوني

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter