الجمعيات الخيرية في تونس: الوجه الآخر من الأزمة !
هبات، هدايا، مساعدات، إعانات لأسر في شهر رمضان، صدقات، تبرعات، تتعدد الأسماء والمبدأ واحد، إطعام المحتاجين ومساعدتهم في شهر رمضان الفضيل ، هكذا اختارت بعض الجمعيات الخيرية مساعدة الناس في شهر الرحمة خاصة الجمعيات الممولة من الأشقاء العرب وتحديدا بلدان الخليج، إذ يقدم المشرفون على هذه الجمعيات لإخوانهم إعانات، في عدّة مناسبات على مدار السنة، في فصل الشتاء يقدمون المعاطف يبنون المساكن أحيانا، يساعدون المكفوفين واليتامى، ينظمون قوافل للعلاج وفي شهر رمضان يختارون تقديم مساعدات في شكل مأكولات ويوزعون المؤونة في الجهات.
تواترت خلال الأيام القليلة الماضية صور لإعانات متكونة من مأكولات وغيرها من المستلزمات قدمتها جمعيات خيرية ذات تمويل خليجي وتركي وقامت بتوزيعها بعدد من أنحاء البلاد خاصة في الجهات الداخلية وفي الأحياء الشعبية.
صور أثارت حفيظة العديد من نشطاء المجتمع المدني، والسياسيين والمواطنين وغيرهم، وهناك أيضا من استحسن الأمر واعتبره إعانة لاسيّما سكان المناطق الداخلية والأحياء الشعبية الذين اعتبروه عطف الأجانب عليهم الذين أغدقوا عليهم بالإعانات وبعطفهم أكثر من بلدهم.
ارتفع عدد الجمعيات في تونس بعد الثورة بفعل الانتعاشة التي وهبتها الثورة لحرية تكوين الأحزاب والجمعيات والاجتماعات ونص الدستور في فصله 35 على حرية تكوين الجمعيات وتم ضبط عملها من خلال المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات الذي نص في فصله الرابع على أنه يحجر على الجمعية آن تعتمد في نظامها الأساسي أو في بيانها أو في برامجها أو في نشاطها الدعوة إلى العنف والكراهية والتعصب والتمييز على أسس دينية أو جنسية أو جهوية.
كما حجر أيضا أن تمارس الجمعية الأعمال التجارية لغرض توزيع الأموال على أعضائها للمنفعة الشخصية أو استغلال الجمعية لغرض التهرب الضريبي إضافة لمنع جمع الأموال بهدف دعم أحزاب سياسية أو مرشحين مستقلين وضمن الفضل الخامس من المرسوم حق الجمعيات في التحصل على المعلومات.
أما بالنسبة للتبرعات والهبات والوصايا فيحجر القانون تلقي هبات أو تبرعات من دول لا تربطها بتونس علاقات ديبلوماسية أو عن منظمات تدافع عن مصالح دول لا تربطها علاقات بتونس.
وكانت الجمعيات التي قدمت المساعدات مؤخرا لتونس هي جمعية الإغاثة التركية وجمعية العون الكويتية ووقع تداول صور المساعدات على مواقع التواصل الاجتماعي في شكل اعتبره كثيرون مهينا واستعراضيا ويمس من هيبة تونس وتطاولا على سيادتها.
وكان وزير الخارجية خميس الجهيناوي قد صرح بأن المساعدات مرت بالتنسيق مع السفراء ودون المرور بالقنوات الرسمية للدولة، مؤكدا أن الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي هو الجهة الوحيدة المخول لها لتلقي هذه المساعدات وتوزيعها لاحقا، وأن دور وزارة الشؤون الخارجية يكمن في التنسيق بين مختلف الجهات المانحة لتصل المساعدات لأصحابها.
تصريح أثار موجة من الاستنكار واعتبره كثيرون تطاولا من جمعيات ومن ورائها دول على سيادة البلاد وهيبتها.
لعل تصريحات الوزير في جو مشحون من السخط الشعبي لصور المساعدات التي اعتبرها العديد مهينة زادت من تعكر الأجواء خاصة في قوله أنها مرت دون المرور بالقنوات الرسمية وهو أمر يدعو للقلق.
واعتبر النائب بالبرلمان الناشط بكثافة على المواقع الاجتماعية الصحبي بن فرج أن صورة الإعانات التي صدمت التونسيين هي صادمة ومهينة فعلا.
واعتبر في تدوينة له آن الدولة أخفقت منذ فجر الاستقلال من خلال ما وصفه بالدولة المتدخلة أو ما يعرف بالمصطلح العلمي التقني L’Etat Interventionnisme في إيجاد بدائل'' للمودال الاقتصادي'' والذي سيقود حتما إلى الإفلاس.
واعتبر بن فرج أن هذه الصدمة ستتجلى في الانتخابات القادمة حيث سينضاف للخطاب الشعبوي والايديولوجي والماضوي خطاب جمعياتي متحيّل''
يبدو أن العمل الجمعياتي في تونس يثير الريبة وخاصة في الآونة الأخيرة مع توالي الأحداث ذات الصلة والتجاوزات، ولعل تصريح بن فرج يعزز القول بأن العمل الجمعياتي أضحى يقلق السياسيين أكثر في هذه الفترة، خاصة في خضم سنة انتخابية وقوله صراحة بأن الخطاب الجمعياتي المتحيّل سيكون رقما في السباق الانتخابي.
ولا يُخفى على أحد أن عديد الجمعيات تُبطن غير ما تُظهر وتحمل أجندات كثيرة تحت يافطة العمل الإنساني ويلوح الطابع السياسي والأجنداتي الأجنبي منها.
أولا لا يمكن أن ننكر ما جنته علينا الجمعيات الخيرية بعد الثورة في حوادث التسفير ودمغجة الشباب وإرسالهم إلى بؤر التوتر في الفترة ما بين 2012 و 2013 ، وقام في تلك الفترة تنظيم أنصار الشريعة الذي يعرف بنشاطاته الخيرية المكثفة بالتواجد في عدّة أحياء شعبية بالعاصمة وخاصة الأحياء التي تتميز بالكثافة السكانية على غرار حي التضامن ونظموا هناك قوافل طبية وقدموا خدمات صحية ومساعدات من ملابس وأغذية للفقراء خاصة في شهر رمضان، وعيدي الفطر والأضحى وكانوا إلى جانب الأهالي خلال العودة المدرسية.
ولوحظ التمويل الكبير لأنشطتها، وتمكنت التنظيم آنذاك من ربط علاقات ودّ وصداقة مع الناس، وانتصبت الخيام الدعوية ووقع توزيع المعلقات الدينية والأقراص المضغوطة وكانت تلك السنة السوداء في تاريخ تونس والتي شهدت أكبر عمليات تسفير لبؤر التوتر والاغتيالات السياسية. وتمكن السلفيين من التغلغل في أعماق الأحياء الشعبية أين الفقر والخصاصة كانوا عوامل سهلة وحاضنة للفكر المتطرف.
وأعادت الحادثة الأخيرة الجدل حول المصالح الأجنبية والأجندات والتدخل السياسي في عمل الجمعيات ودعم الأحزاب.
وكانت جمعية العون الكويتية أحد الجمعيات التي أثارت الجدل بعد توزيعها للمساعدات قد طالبت بفتح تحقيق في حادثة مشاركة أعضاء من حركة النهضة بتطاوين في عملية توزيع المساعدات الغذائية التي نظمتها وأكدت انه سيتم محاسبة المتسببين في هذه الحادثة الخطيرة أي المنضويين تحت راية الجمعية والمنسقين الجهوين لها.
وبالإضافة للجمعيات ذات الأجندات الأجنبية، توجد جمعيات تونسية خيرية براغماتية، تكون جمعيات لمساعدة الفقراء ظاهرا ثم تشتري أصواتهم لاحقا ، ولعل جمعية خليل تونس التي انساقت منذ مدة في الدعاية لصاحبها نبيل القروي صاحب قناة نسمة الذي تحول في وقت وجيز ألي حامي حمى الفقراء والمساكين ولاحظنا ذلك العطف الغير مسبوق معه ومع قناته والفيديوهات التي انتشرت من مجموعة من الناس المتعاطفة معه اثر غلق نسمة خير دليل على الربح المعنوي للجمعية التي تمكن من صاحبها أن يكسب قاعدة شعبية لا يستهان بها دون أدنى عمل حزبي وسياسي .
وزادت شعبيته خلال سبر الآراء التالي وقفز إلى الصفوف الأمامية وصُنف في مواقع مهمة وفي صدارة نوايا التصويت حتى في الانتخابات التشريعية دون أن يكون له حتى حزب سياسي.
يبدو جليّا أن الأعمال الخيرية والإنسانية قادرة على شراء أصوات الفقراء وشراء مشاعرهم وأفكارهم وحتى ذممهم.
وتُشكّل بعض الجمعيات خطرا على المعطيات الشخصية للمواطنين، لا سيّما بعد ما وقع أثارته في الأيام القليلة الماضية بخصوص استغلال جمعية ما يعرف ب ''عيش تونسي'' لمعطيات تخّص المواطنين، وهي التي تمكنت في ظرف قياسي من تشكيل شبكة واسعة من البيانات والمعلومات حول التونسيين، والاتصال دوريا بهم، وعرفت هذه الجمعية نفسها عند انطلاقها بأنها جمعية غير مسيسة ويشرف عليها مستقلون، وتحولت هذه الجمعية إلى حركة سياسية وأعلنت العضو المؤسس ألفة تراس أن من حقها الترشح للانتخابات الرئاسية.
هذه الجمعية التي تحوم حولها شبهات حول تمويلها وقاعدة بياناتها الكبيرة التي استطاعت تكوينها تنشط كثيرا وأثارت بلبلة مؤخرا بعد نفي رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية شوقي قداس الترخيص لهذه الجمعية لمعالجة معطيات ومعلومات تخص التونسيين.
عديد الجمعيات في تونس، تفوح منها الشبهات، بين جمعيات ذات أجندات أجنبية تكفيرية تنفق المال لدمغجة العقول ولغرس الفكر التكفيري في المجتمع وجمعيات تخفي قضايا تهرب ضريبي وتبييض أموال، وبين جمعيات تخفي الطابع السياسي والمصلحي للظفر بأصوات فقراء العقول بعد أن اشترت كرامتهم.
وهناك جمعيات تمس من كرامة الدول وتحبط مواطنيها ولا يمكن لتونسي أن ينسى '' مائة ريال قطري تمنح الدفء لتونس''
ملف الجمعيات في تونس تحوم حوله الشبهات، طبعا لا يمكن أن ننكر أن عديد الجمعيات تعمل في أطر قانونية لكن الشبهات موجودة ويقع التستر بالقانون، وبقوة المجتمع المدني الذي يمثل قوة مجتمعية مؤثرة، ويعتبر المساس بأحد هياكله مساسا بالحقوق الدستورية وبالحريات الأساسية، وحق تنظيم الاجتماعات والتظاهرات، وتكوين الجمعيات وغيرها، وبمختلف هذه التجاوزات نتيقن بأن هذه الجمعيات الخيرية تمثل وجها آخرا من الأزمة التي نعيشها على كل المستويات، اذ أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمّر بها البلاد تمثل مكسبا لدى البعض الآخر ليتاجر بمآسي الناس لأغراض اما شخصية أواجنبية، فهناك من يستثمر في الأزمات التي ستشتدّ تداعياتها أكثر باقتراب الانتخابات.
والدولة مطالبة بالحفاظ عن هيبتها ورفع المهانة التي يمكن أن تتأتى من عديد الدول تحت الغطاء الجمعياتي ، ومطالبة بتنظيم هذا القطاع، حتى لا يحد ولا ينحرف عن أهدافه الإنسانية والاجتماعية التي تأسس من أجلها.
سناء عدوني
تعليقك
Commentaires