تونس : بين الازمة الصحية و الازمة السياسية يبقى الشعب التونسي الخاسر الاكبر
شهدت أيام العيد أجواء مشحونة بعد اعلان الوزير المعفى فوزي المهدي يوم الاثنين 19 جويلية 2021 عن أيام مفتوحة للتلقيح بمناسبة عيد الفطر ، هذا القرار الذي أدى الى اعفائه من مهامه في أول أيام العيد . هذا القرار الذي لم يكن خاطئ في جوهره تسبب في حالة من الفوضى و الاكتظاظ بسبب سوء التنظيم و التنسيق بين الجهات المعنية ، حيث كان بالإمكان التحضير لهذه الأيام منذ فترة بعد التداول و التشاور بين وزارة الصحة و الوزارات المعنية للتثبت و التنسيق حول جدواه و حول سبل و اليات تنظيمه المحكم.
وزير الصحة المعفى فوزي المهدي الذي أجرى ندوة صحفية يوم الاثنين 19 جويلية 2021 للإعلان عن الأيام المفتوحة أكد اعلامه لوزارة الداخلية بهذا الحدث في الوقت الذي انكر رئيس الحكومة هشام المشيشي نفى علمه بهذا الحدث الذي وصفه بالقرار الشعبوي و الاجرامي لتنطلق موجة من تبادل الاتهامات و التسريبات أيضا حيث انتشرت ليلة امس الأربعاء المراسلة التي أرسلتها وزارة الصحة الى وزارة الداخلية لتعلمها بتنظيم الأيام المفتوحة و تطلب منها تأمين الحدث و هي مراسلة تتعارض مع ما صرح به رئيس الحكومة هشام المشيشي خلال لقاء جمعه بإطارات وزارة الصحة يوم الثلاثاء 20 جويلية و الذي أكد فيه انه لم يكن على علم بتنظيم هذه الأيام و أنه اكتشف ذلك عبر وسائل الاعلام.
و في رد غير مباشر على مراسلة وزارة الصحة تم تسريب الظرف الخارجي للمراسلة و الذي تحصلت بيزنس نيوز على نسخة منه و مع تسريب هذا الظرف تحصلنا على معطيات جديدة من مصدر حكومي ، فأولا وزارة الصحة لم ترسل الاعلام عن طريق البريد الإلكتروني أو الفاكس و فضلت ارساله عبر البريد السريع من أجل استجابة أفضل للخدمات ، ثانيا تبين لنا ان المراسلة لم ترسل إلى وزارة الداخلية بل إلى وزارة الخارجية ، كما يتضح من الغلاف الخارجي، و لم تدرك وزارة الخارجية أنها تلقت مراسلة لا تخصها ، و تفطنت الوزارة الى الخطأ بعد وقت طويل و قامت اثر ذلك بتصحيح الخطأ وإرسال الاعلام إلى وزارة الداخلية ، لكن المراسلة التي وصلت أخيرا إلى وزارة الداخلية ولم تودع في مكتب الضبط ، بل تسلمها ضابط الأمن الذي كان يتواجد أمام وزارة الداخلية و على الرغم من طابعه الملح ، والمختوم على الظرف الخارجي ، ظل البريد لدى الضابط حتى اليوم التالي ، يوم العيد.
لكن هذا الظرف المسرب و هذه الرواية التي اعتمدتها رئاسة الحكومة لا تكفي لإقناع الرأي العام بجهل رئيس الحكومة و وزير الداخلية بالنيابة هشام المشيشي بهذا الحدث فوزير الصحة المعفى قام بندوة صحفية للإعلان عن الأيام المفتوحة و الولاة من مختلف الجمهورية على علم بذلك و نشروا مراسلة وزارة الصحة على صفحاتهم قبل يوم من الحدث ، ثم و في صورة رفضه لتنظيم أيام مفتوحة للتلقيح كان بإمكان رئيس الحكومة التدخل منذ الإعلان على ذلك في وسائل الاعلام لإيقافها وله جميع الصلاحيات و الإمكانيات للقيام بذلك ، فلماذا انتظر حتى اليوم الأول من العيد و حتى وقوع الفوضى و الاكتظاظ في مراكز التلقيح حتى يتخذ قراره بالإيقاف الفوري و اعفاء الوزير من منصبه.
و عموما ما وقع أول أيام العيد من فوضى تتحمله الحكومة في مرحلة أولى و يتحمله المواطنون في مرحلة ثانية اذ كان من الاجدر احترام التباعد الجسدي و البروتوكول الصحي بدل التدافع امام مراكز الاقتراع ، فاقتحام مركز الاقتراع برادس و تهشيم المعدات الطبية قام به المواطنون الذي لم يحترموا الإجراءات ليحلوا أيام التطيعم الى أيام نشر العدوى.
في نفس الوقت قرار رئيس الحكومة هشام المشيشي إعفاء وزير الصحة فوزي المهدي لم يكن مفاجئ ، فلطالما كانت العلاقة بينهما متشنجة منذ أشهر و لم يخفي رئيس الحكومة غضبه و انتقاداته لأداء الوزير فهو الذي وصف في اجتماع خلية الازمة السبت 17 جويلية أزمة الاكسيجين و تضارب التصريحات داخل وزارة الصحة :" بالسيرك " محملا المسؤولية كاملة لوزير الصحة حينها ، و انتقاد وزير الصحة لم يقتصر على رئيس الحكومة فقط بل هو موقف حزامه السياسي داخل البرلمان فمنذ أيام وصف القيادي في حركة النهضة عماد الخميري أداء وزير الصحة :" بالسلبي و دون المستوى " مطالبا بتغييره ، و هو ما تم فعلا منذ التحوير الوزاري الذي رفض رئيس الجمهورية ختمه ليبقى القرار معلقا لحد هذا اليوم.
و لم يكن موقف رئيس الجمهورية قيس سعيد مفاجئ أيضا اذ حرص على دعوة وزير الصحة المعفى فوزي المهدي الى قصر قرطاج بعد مرور 24 ساعة من قرار اعفاء وهو ما يبين طبيعة العلاقة التي تجمعهما ، وحرص في هذا الاطار على انتقاد قرار الأيام المفتوحة :" ما وقع عمل اجرامي وهي عملية مدبرة " و استنكر قيس سعيد حالة الفوضى التي شهدتها مراكز الاقتراع متهما خصومه السياسيين بالوقوف وراء هذه الاحداث :" كيف يوجهون الدعوة للجميع في نفس التوقيت ؟ سياسة الدولة تقوم على التباعد و لا تقوم على الاكتظاظ و الذي وقع لم يكن طبيعيا و كان مقصودا " ، لكنه في الأخير كان قرار وزير الصحة المعفى.
لقد اثبتت الاحداث التي وقعت خلال ال 48 ساعة الأخيرة حالة الاحتقان و التشنج التي تعيشها الطبقة السياسية في تونس و التي أثرت على الشارع التونسي و على إدارة الازمة الصحية و هو ما حذرت منه عمادة الأطباء التي نشرت بلاغ اليوم الخميس لتعبر عن انشغالها من الطريقة التي تدار بها جائحة كورونا و لتحذر من تأثير الصراعات السياسية على أداء الأطباء ، من جهتها وصفت نقابة الأطباء و الصيادلة و أطباء الاسنان الاستشفائيين الجامعيين قرارات الحكومة بالفاشلة وحملت رئيس الحكومة هشام المشيشي المسؤولية كاملة ، و أمام هذه التجاذبات و الصراعات السياسية يبقى الخاسر الأكبر هو الشعب التونسي و هو ضحية الطبقة السياسية لكنه أيضا جزء من الازمة أيضا فهو من افرز هذه الطبقة السياسية عن طريق صناديق الاقتراع .
رباب علوي
تعليقك
Commentaires