تونس : من سيب صالح لسيب الشهرية

تفاجأ عدد من الموظفين نهاية شهر جانفي 2022 ، بتأخر صرف أجورهم على غير العادة حيث جرت العادة أن يتم صرف الاجور بين التاسع عشر و الثاني و العشرون من كل شهر بحسب السلك  . الامر الذي أدى الى موجة استنكار و تنديد وصلت الى حدود تنظيم وقفات احتجاجية و تهديد بالتصعيد . و لعل أبرز سلك تأثر بهذا التأخير هو سلك التعليم الذي لم  يتحصل فيه جميع موظفيه على رواتبهم الى حد هذه الساعة . 

واستنكر الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي في كلمة القاها في اطار  مؤتمر الاتحاد الجهوي للشغل بمدنين ، تأخّر صرف أجور شهر جانفي و حذر في كلمته من اثار هذا التأخير على أداءات وفوائض تقتطعها البنوك من الأجور بسبب التّأخير في صرفها . ونظم عدد من المعلمين وقفة احتجاجية نهاية الاسبوع امام  المسرح البلدي تنديدا بهذا التأخير ، فيما قام مجموعة من الاساتذة بجامعة منوبة بالاحتجاج ببهو الجامعة ، فيما لجأ بعض الاساتذة و المعلمين الى وسائل التواصل الاجتماعي وأطلقوا هاشتاغ #سيب_الشهرية  .

و تجدر الاشارة الى وزارة المالية تقوم بصرف الأجور وفق رزنامة محددة مسبقا و على سبيل المثال و بخصوص صرف اجور شهر جانفي تمت العملية كالتالي  : البداية من   وزارة الداخلية ووزارة الدفاع الوطني و رئاسة الجمهورية  24 جانفي 2022 ، رئاسة الحكومة ، وزارة العدل المجلس الاعلى للقضاء محكمة المحاسبات ، وزارة الصحة الجزء الاول يوم 25 جانفي ، وزارة الصحة الجزء الثاني ، مجلس نواب الشعب ، وزارة الشؤون الخارجية ، وزارة الشؤون الاجتماعية وزارة المالية 26 جانفي . 

وزارة الفلاحة ، وزارة التجهيز ، وزارة شؤون الشباب و الرياضة ، وزارة التجارة ، وزارة أملاك الدولة ، وزارة التعليم العالي و البحث العلمي الجزء الاول يوم 27 جانفي . وزارة الاسرة و المرأة و الطفولة ، وزارة الصناعة و الطاقة و المناجم ، وزارة النقل ، وزارة السياحة ، وزارة تكنولوجيات الاتصال ، وزارة البيئة ، وزارة الإقتصاد والتخطيط ، وزارة الشؤون الثقافية ، وزارة الشؤون الدينية ، وزارة التشغيل والتكوين المهني يوم 28 جانفي . و في الاخير وزارة التربية و مستحقات النواب يوم 31 جانفي 2022. 

و تأتي الموارد المالية الخاصة بأجور شهر جانفي من 2.7 مليار دينار عائدات ضريبية و 115 مليون دينار قروض بنكية و 0.7 مليار دينار قروض بريدية و  القرض الجزائري البالغ 300 مليون دولار.

تأخر صرف الجرايات يكشف عن مأزق مالي تعيشه الحكومة اليوم و في الوقت الذي قد تتمكن فيه من صرف أجور شهر جانفي كاملة سيكون من الصعب عليها صرف أجور شهر فيفري لنقص الموارد و السيولة ، وسط تداول أنباء حول قيام الحكومة بطباعة الاوراق المالية ، الامر الذي نفته المديرة العامة للدين و التعاون المالي كوثر بابية في تصريح اعلامي ، لكن يبقى السؤال كيف ستتمكن الدولة من صرف الاجور وسط أزمة اقتصادية خانقة ألقت بظلالها على جميع الميادين و لم يسلم منها أحد .  و قد تلجأ الحكومة الى الضغط على البنوك الخاصة من أجل الاقتراض الامر الذي سيؤدي الى مأزق آخر وهو تضاعف الديون الداخلية وهو ما سيؤثر على البنوك التي سيصعب عليها تمويل حرفائها . 

و تحتاج خزينة الدولة الى تمويل بـ 18673 مليون دينار وحاجيات خرينة بـ1310 مليون دينار، الامر الذي يدفعها الى تعبئة حاجيات الاقتراض إلى حدود 19983 مليون دينار منها 12652 م.د اقتراض خارجي و 7381 م.د اقتراض داخلي . 

و وجب التذكير بأن نسبة الدين العام ارتفعت من 39 بالمائة من إجمالي الناتج الداخلي الخام  في عام 2010 الى حدود  81،52 بالمائة  في جوان 2021 بقيمة  99،3 مليار ، و  توقع قانون المالية لسنة 2021 أن يصل الدين العام الى  حوالي 90،13 من الناتج الداخلي الخام بقيمة  109 مليار دينار . 

تأخر صرف الأجور يكشف عن أزمة اقتصادية خانقة نتيجة تراكمات و قرارات خاطئة و رغم تحذيرات المختصين في الشأن الاقتصادي منذ سنوات لم تعر الحكومات المتعاقبة اهتماما للجانب الاقتصادي و فضلت الاصلاحات السياسية على الاصلاحات الاقتصادية ، مما أدى الى هذا الوضع الدقيق الذي يعيشه الاقتصاد التونسي اليوم و الذي تفاقم بسبب جائحة كورونا 

رباب علوي