نقلت المجلّة الأمريكيّة المختصة في السياسة والشؤون الخارجية، The National Interest، مقال رأي للديبلوماسيّ والسفير السابق للولايات المتحدة في تونس غودرن غراي، بعُنوان " بعد ديسمبر الكارثي لسعيد، العلاقات الأمريكية التونسية الي أين ؟".  تهتم هذه المجلة بالعلاقات الدوليّة، ولها تأثير كبير في الولايات المتحدة حيث يعد جمهورها من السياسيين والديبلوماسيين.

يعددّ غوردن غراي عبر هذا المقال إخفاقات الرئيس التونسيّ الأخيرة بعد انقلاب 25 جويلية وتهديده للعلاقات الثنائية بين تونس والولايات المتحدة. خلال المقال، يذكرُ غراي بعض الخطوات التصعيديّة التي يمكن لادارة الرئيس الأمريكيّ جو بايدن اتخاذها للضغط علي سعيد.

يدعو السفير السابق إدارة بايدن الى استخدام نفوذها على المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي لفرض شروط على تونس للإصلاح الاقتصادي و الإصلاح السياسي. كما يدعو وزارة الخارجية الأمريكية إلى تشديد تصريحاتها حول المسار غير الديمقراطي في تونس، بالإضافة الى رفض المضي في منح تونس قرضا بـ 498 مليون دولار من قبل مؤسسة تحدي الألفية، الا حين  "تعود "بوضوح إلى المسار الديمقراطي".

اليكم الترجمة العربية لهذا المقال، الموجود بنسخته الأصلية على هذا الرابط.

"بالنسبة للرئيس التونسي قيس سعيد، تحول شهر ديسمبر من سيئ إلى أسوأ. بدأت الانتكاسات الكبرى مع زيارته الأولى على الإطلاق إلى واشنطن العاصمة لحضور قمة القادة الأمريكيين الأفارقة واستمرت في التراكم.

أولاً ، أجّل صندوق النقد الدولي في 14 ديسمبر النظر في ملف تونس المقدم للتحصل على تمويل بـ 1.9 مليار دولار ، وهي في أمس الحاجة إليه. كان مقررا في الأصل في 19 ديسمبر، تأجيل المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي النظر إلى أجل غير مسمى لأن تونس قدمت تفاصيل غير كافية حول حزمة الإصلاح الاقتصادي.

ثانيًا ، يبدو أن لقاء سعيد في 14 ديسمبر مع وزير الخارجية أنطوني بلينكين لم يسير على ما يرام. كما يظهر مقطع الفيديو لوزارة الخارجية للثلاث عشرة دقيقة الأولى من الاجتماع ، قدم بلينكين ملاحظات تمهيدية قصيرة بينما كان الرئيس التونسي يتنقل باستمرار من موضوع الى اخر ، حيث فشلت محاولاته الضعيفة في الفكاهة وكانت تعليقاته دفاعية.

ثالثًا ، كان اجتماع سعيد مع هيئة تحرير صحيفة واشنطن بوست في وقت لاحق من نفس اليوم كارثة علاقات عامة. ذكرت صحيفة واشنطن بوست ، وهي مؤيد قوي لتونس وديمقراطيتها الوليدة بعد الإطاحة ببن علي ، أن سعيد لجأ إلى الأسلوب البالي المتمثل في إلقاء اللوم على الغرباء: القوى و "القوات الأجنبية" المعلنة مجهولة الهوية التي قال إنها تحاول إثارة المعارضة لحكمه ".

كانت الأحداث بعد عودة سعيد إلى تونس أسوأ. قلة من الناخبين كلفوا أنفسهم عناء التصويت في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 17 ديسمبر بسبب مزيج من اللامبالاة مع الناخبين ومقاطعة المعارضة. كما غرد زيد العلي (مؤلف كتاب الدستورية العربية) في اليوم التالي ، "كانت نسبة المشاركة في انتخابات تونس 2022 أقل من انتخابات 2019 في أفغانستان". شهدت الانتخابات معدلًا قياسيًا منخفضًا لمشاركة الناخبين: إما 8.8٪ (التقرير الأولي) أو 11.2٪ (الرقم المعدل لاحقًا ، والذي أثار شكوكًا كبيرة لأن الهيئة الانتخابية لم تعد مستقلة). لا يشير أي من الرقمين إلى أن سعيد يتمتع بثقة التصويت أو الشرعية السياسية.

حتى 25 جويلية 2021 ، كانت تونس والولايات المتحدة تتمتعان بعلاقات ودية منذ فترة طويلة. في ديسمبر 1805 ، أقام توماس جيفرسون أول إفطار (وجبة الإفطار في رمضان) في البيت الأبيض تكريما لمبعوث تونسي زائر. خلال الحرب العالمية الثانية ، حصل القنصل الأمريكي في تونس - هوكر دوليتل - على امتنان وصداقة الحبيب بورقيبة ، أحد قادة حركة الاستقلال التونسية وأول رئيس للجمهورية. (يحمل شارع في وسط تونس اسمه ، مما يجعله الأمريكي الوحيد الذي تم تكريمه في تونس). خدم ما يقرب من 2500 أمريكي في جميع أنحاء تونس في فيلق السلام من 1962 إلى 1996.

ازدهرت العلاقات الثنائية في العقد الذي أعقب الإطاحة ببن علي حتى علق سعيد البرلمان في 25 جويلية2021. وندد بلينكن "بتآكل مفزع للمعايير الديمقراطية" و "تعليق الحكم الدستوري ، وتوطيد السلطة التنفيذية ، وإضعاف المؤسسات المستقلة. في بيانه الصادر في 28 جويلية 2022 حول الاستفتاء الدستوري في تونس قبل ثلاثة أيام ، وانخفضت مستويات المساعدة الأمريكية لتونس ، مما يعكس رفض السلطة التنفيذية والكونغرس لتصرفات سعيد.

بالنظر إلى العلاقات التاريخية الجيدة بين البلدين واهتمام الولايات المتحدة القوي برؤية الديمقراطية التونسية على قيد الحياة في وقت انتعاش استبدادي عالمي ، فماذا يجب أن تفعل إدارة بايدن؟

في حين يبدو أن سعيّد لا يسمع النصيحة حتى من الأصدقاء، يجب على إدارة بايدن أن تسعى إلى كبح جماحه من خلال استخدام نفوذها على المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي لفرض شروط ليس فقط للإصلاح الاقتصادي ولكن أيضًا للإصلاح السياسي. إلى أن يحرز سعيد تقدمًا في استعادة الديمقراطية في تونس ، ينبغي على الولايات المتحدة دعوة أعضاء المجتمع المدني التونسي (لكن ليس ممثلين عن الحكومة التونسية) لحضور القمة الثانية للديمقراطية ، التي ستُعقد في الفترة من 29 إلى 30 مارس 2023.

تحتاج وزارة الخارجية الأمريكية أيضا إلى تشديد تصريحاتها العامة. كان من الصعب على المتحدث الرسمي نيد برايس أن يبدأ بيانه في 18 ديسمبر بالقول إن الانتخابات البرلمانية كانت "خطوة أولية أساسية نحو استعادة المسار الديمقراطي للبلاد". هذا بعيد كل البعد عن الحقيقة، وقد قرأ العديد من التونسيين البيان على أنه تأييد أمريكي لأعمال سعيد غير الدستورية. هذا التفسير غير الدقيق للانتخابات البرلمانية قلّل من أهم تأكيد في البيان على الحاجة إلى "إصلاحات شاملة وشفافة ، بما في ذلك تمكين هيئة تشريعية منتخبة ، وإنشاء المحكمة الدستورية ، وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع التونسيين".

إلى أن تعود تونس بوضوح إلى المسار الديمقراطي، لا يمكن لمؤسسة تحدي الألفية (MCC) المضي قدمًا في الاتفاق المقترح الذي تبلغ قيمته 498 مليون دولار من أجل "جعل التجارة مع تونس أسهل وأقل تكلفة من خلال الاستثمار في إدارة وتوسيع ورقمنة التجارة مع تونس عبر ميناء رادس ". هذا هو بالضبط نوع المساعدة التي تحتاجها تونس ، لأن التجارة الخارجية ستعزز فرص العمل. يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تستمر في إبقاء ميثاق مؤسسة تحدي الألفية على الطاولة، كحافز للإصلاح الديمقراطي."

ع.ق