الفرق بين الإقالة و الإستقالة.. هو من يعلنها أولا !
إعفاء وزير الخارجيّة من مهامه: خميّس الجهيناوي صاحب القرار
إعفاء عبد الكريم الزبيدي وخميس الجيهناوي وحاتم الفرجاني من مهامهم
لم يتمّ إعفاء عبد الكريم الزبيدي من مهامه .. هو من قدّم إستقالته
أول محددات الانتصار، حتى في أكثر المعارك هامشية، هو التوقيت. التاريخ والرأي العام على حد سواء لا يعترفان بالوقائع، بقدر ما يعترفان بمن يقدمها أولا، وبمن له الشرعية الكبرى في تقديمها.
صبيحة اليوم 29 جانفي 2019 انتقل الراي العام- أو جزء منه من ضديد الى ضديد، السخط على الدولة ومؤسساتها بسبب هشاشة البنية التحتية، الى التهليل بقرار اعفاء وزيري الدفاع والشؤون الخارجية من مهامهما. في السياسية طبعا، الانطباع أهم من التصريح، والتصريح أهم من الحدث، والتوقيت أهم منهم جميعا. ان ما جعل اعفاء عبد الكريم الزبيدي وخميس الجهيناوي انتصارا صغيرا يتردد على ألسنة معجبي الرئيس الجديد قيس سعيد، هو أنه أول"قرار" فعلي في تمثلاتهم للرجل الذي وعدهم بكنس المنظومة القديمة، فخيل لهم أن عملية الكنس بدأت، وأن قيس سعيد هو بطل هذه القصة. لكن الواقع أن لكل قصة روايتان! ثم ان ما رتب هذا الحدث في أذهان الرأي العام –الذي يُسهل خداعه- على أنه فعل اقالة هو أن الانطباع الاولي الذي رسخ هو اللبس بين مهام رئيس الدولة ومهام رئيس الحكومة. هذا الاعلان له دلالاتان، أولا أن الفعل صادر عن رئاسة الجمهورية، وثانيا أن الاعفاء يصبح أكثر شرعية وجدية لأن مصدره رئاسة الجمهورية- أعلى سلطة في الدولة، وأحدث سلطة منتخبة، والسلطة التي لها علاقة مباشرة بالشؤون الخارجية والدفاع في صلاحياتها المباشرة. كان هذا الانطباع الاول الذي سيصعب ازاحته وتعويضه – أن قيس سعيد هو المتحكم بجميع الخيوط، اما أنه كان وراء القالة من خلف الستار أو أنه هو نفسه من قرر اعفائهما من الحقائب الوزارية.. كانت هذه "الحقيقة" في الساعات الاولى من حدث اليوم.
في قراءة أخرى، تم التصديق بأن التخلي عن الجهيناوي والزبيدي هو اقالة واعفاء من المهام بطلب من رئيس الحكومة يوسف الشاهد، نظرا للخصومة التاريخية بين الشاهد وعبد الكريم الزبيدي من جهة، اذ أن نص الاعفاء دل على أن القرار تم بالتشاور بين رأسي السلطة التنفيذية. الزبيدي كان غائبا عن أغلب الجلسات الوزارية مابعد الانتخابات الرئاسية التي تنافس فيها مع يوسف الشاهد. هذا الأخير، كان قد دعا الزبيدي الى تجاوز الماضي والمضي قدما لتوحيد العائلة الديمقراطية، لكنه رفض ومن هنا تأكدت الخصومة لدى الرأي العام فكان قرار الاقالة في اعتبار الجميع نوعا من الانتقام البارد الذي يشتهر به الشاهد، وهكذا كان رئيس الحكومة بطل القصة، اما أنه أقر الاعفاء بنفسه أو أنه اقترحه على رئيس الجمهورية. من جهة أخرى، أوردت بيزنس نيوز أنها لاحظت أمس غياب وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي عن لقاء نظيره الألماني هايكو ماس. أوردنا في مقال الأمس أن مصدر أكد لنا أن غياب الجهيناوي يخرق البرتوكول والعادات الديبلوماسية للدولة التونسية، وهو أمر مريب، خاصة أن الرجل متواجد في تونس وليس له أي عذر اخر للتغيب. من هنا بدأت الشكوك فعلا.
وبعد أن انطلق مهرجان التحليل والتساؤل عن اسباب الاعفاء الحقيقية، وماقد فعله الوزيران لاغضاب الرئاسات، اتضح أن كلا من الزبيدي والجهيناوي بادرا بتقديم استقالاتهما، وأنهما القائمان بالفعل وليسا "المفعول فيه" في تعريب هذه الجملة. بعد التثبت، أوردت بيزنس نيوز أنه تمّ تسريب وثيقة تُفيد أنّ الجهيناوي تقدّم بمطلب إستقالته من مهامه إلى رئيس الحكومة طوعيا وانّه صاحب القرار اذ توجّه الجهيناوي برسالة إستقالته بتاريخ اليوم 29 أكتوبر 2019، إلى رئيس الحكومة، وثيقة بخط يده وتحمل توقيعه أفاد فيها أنّه قرّر الإستقالة من مهامه كوزير الشؤون الخارجيّة، و بسبب إستحالة مواصلته لمهامه على رأس الوزارة حسب ما تقتضيه الأعراف الديبلوماسيّة وما يتطلّبه ذلك من إنسجام بين مؤسّسات الدّولة خدمة لمصالح تونس وإشعاعها على السّاحة الدّوليّة.
لاحقا، تثبتت بيزنس نيوز من وضعية وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي لنجد أن وزير الدّفاع قدّم استقالته في المرّة الأولى لرئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي يوم 20 مارس 2019، وتمّ رفضها، وتقدّم بها مرّة ثانية إلى محمد الناصر في 9 أوت 2019 ، ورفضها بدوره، إلى حين إيجاد من يعوّض مكانه. وفقًا لمصادرنا، فإنّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد، استقبل صباح اليوم الثلاثاء 29 أكتوبر 2019، وزير الدّفاع عبد الكريم الزبيدي، وطلب الزبيدي من سعيّد أن يمضي على استقالته.
وفق هذه المعطيات، يتحول فعل الاقالة /الى استقالة. لكن، أولا ماذا نعني بلفظة "الاعفاء"؟ الاعفاء الذي ورد في بلاغ رئاسة الحكومة لا يحمل اي احالة الى الاقالة بما أنه لا يحمل سببا واضحا في نص القرار لأن الاعفاء هو الاستغناء عن الخدمات وليس الطرد أو التنحية أو الاقالة. اذن، لا تعارض فعلي بين استقالات الوزراء وبين لفظة اعفاء. بحيث أن بيان رئاسة الحكومة ليس تحيلا بالمعنى القانوني لكنه تحيل بالمعنى السياسي الهادف الى نسب الفعل الى الشاهد أو سعيد بدل نسبه الى الجهيناوي والزبيدي، مع فارق توقيت الاعلان عن مغادرة الوزيرين مناصبهما والجهة التي تعلن عن ذلك.
لا يمكن أن يحتسب هذا انتصارا سياسيا لقيس سعيد، لسبب بسيط، هو أن الفصلين 89 و 92 من الدستور التونسي لا يمنحان الفضل لرئيس الجمهورية في قرار الاعفاء بل لرئيس الحكومة، حضور رئيس الدولة في هذا الفعل لا يتعدى كونه حضورا تشاوريا، وبالتالي لا يمكن أن يكون هذا قراره، وعلى معجبيه أن يهدؤوا قليلا. ينص الفصل 89 على أن الحكومة تتكون من رئيس ووزراءَ وكتّاب دولة يختارهم رئيس الحكومة وبالتشاور مع رئيس الجمهورية بالنسبة لوزارتيْ الخارجية والدفاع. ينص الفصل 92 على أن رئيس الحكومة يختص بإقالة عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة أو البت في استقالته، وذلك بالتشاور مع رئيس الجمهورية إذا تعلق الأمر بوزير الخارجية أو وزير الدفاع. النص القانوني واضع، الفعل (المهمة) ينسب الى رئيس الحكومة، أما رئيس الجمهورية فيذكر في هذه الفصول عبر لفظة التشاور حصرا ولا ينص المبدأ الدستوري أنه صاحب/جهة القرار (المهمة) بل يكون حاضرا للنقاش في القرار في حالتين فقط هما وزارتا السيادة الخارجية والدفاع.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires