المشيشي يُؤسّس لثورة جِياع بالزيادات في الأسعار
لم يكتفي رئيس الحكومة هشام المشيشي بالصراعات السياسية التي زادت الطينة بلّة وعمّقت أزمات البلاد المالية والإقتصادية والصحية ولم يكتفي بصراعاته مع رئيس الدولة قيس سعيد، بل قام مطلع شهر جوان الجاري بتأليب الشعب التونسي ضدّه وكأنّه بقرارات الزيادة في الترفيع في الأسعار يُريد أن يخلق ثورة الجياع التي تُعدّ سهلة بالنسبة لشعب استنزفته الطبقة الحاكمة على امتداد عشرة سنوات.
حكومة المشيشي أقرّت زيادة في مادة السكر، بـ 250 مليم في أسعار السكر السائب الموجه للإستهلاك العائلي ليصبح سعر الكيلوغرام الواحد من هذه المادة 1400 مليم بعد أن كان 1150 مليم، وزيادة في خدمات المقاهي، زيادة في تعريفة الماء الصالح للشراب، زيادة في مادة الحليب، وزيادة في تعريفة النقل العمومي حيث عدّلت الشركة التونسية للنقل في تسعيرة 10 تعريفات لنقل المسافرين على متن الحافلات والمترو بشكل أتاح رفع البعض منها وتخفيض أسعار البعض الآخر. بالإضافة إلى الزيادة في أسعار الحديد، وزيادة أخرى مرتقبة في المحروقات، هذه الزيادات زادت على كاهل المقدرة الشرائية للمواطن التونسي واستقبلها التونسيون بغضب كبير في ظلّ وضع وبائي خطير ساهم في إحالة الكثيرين على البطالة وغلق العديد من مواطن الشغل.
العديد من الأحزاب عبّرت عن استغرابها من هذه الزيادات، حيث صرّح رئيس كتلة حركة النهضة عماد الخميري أن رئيس الحكومة هشام المشيشي لم يستشر حركة النهضة أو كتلتها البرلمانية، كجزء من الحزام البرلماني الداعم للحكومة، حول هذه الزيادات في الأسعار واعتبر أنّه كان من الأجدر على الحكومة العودة إلى الحزام السياسي والبرلماني والتشاور معه في مثل هذه الإجراءات التي لها انعكاس مباشر على الوضع الإجتماعي للمواطن على غرار إقرار زيادة في الأسعار مشيرا أنّ النهضة طالبت بلقاءً المشيشي للتداول في الزيادات الأخيرة في الأسعار.
حركة الشعب وصفت حكومة المشيشي بحكومة '' الفشل واللوبيات'' لإتّخاذها قرارات تزيد في تدهور المقدرة الشرائية لعموم المواطنين المتضررين أصلا من تداعيات الأزمة الصحية التي تعيش على وقعها البلاد للسنة الثانية على التوالي فضلا عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية التي تسببت فيها الحكومات المتعاقبة منذ 2011. واعتبرت حركة الشعب أنّ حكومة المشيشي قامت بارتهان سافر للوبيات المال والأعمال وبارونات الفساد على حساب قدرة الشعب الشرائية وحياة عموم المواطنين وخاصة الفئات الهشة التي استهدفتها الزيادات الأخيرة بشكل فج وعدواني خاصة في ظل تفشي البطالة وتعطل اشغال شرائح واسعة من العمال العرضيين وأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة وعبّرت عن رفضها المطلق لهذه الزيادات العدوانية وأكّدت أنّ حكومة المشيشي بحزامها البرلماني تعمل على قيادة البلاد نحو انفجار اجتماعي غير مسبوق خاصة في ظل حالة العطالة السياسية التي تعاني منها تونس بسبب اندفاع الحزام البرلماني الداعم للحكومة نحو فرض أمر واقع يتعارض مع تطلعات وانتظارات عموم المواطنين.
وأشارت حركة الشعب كما أعلن الجميع، إلى أنّ التركيز على خدمات النقل وقطاع المحروقات والمواد الغذائية الأساسية بمثل هذه الزيادات المشطة يعني إعلان حرب على أوسع شريحة من المواطنين لصالح نفس الفئة المتمعشة من الأزمات والمحمية من الأطراف السياسية التي تعودت سلوك السمسرة والزبونية وصياغة القوانين حسب الطلب وارتأت أنّه من حق المواطنين المتضررين من هذه الزيادات المشطة والعدوانية أن يعبروا عن رفضهم واحتجاجهم على حكومة لم يروا منها سوى الفشل والإستعداد للتضحية بالأغلبية المفقرة لصالح لوبيات المال وبارونات الفساد.
بدوره اعتبر حزب العمال اعتبر أنّ الترفيعات الجديدة تأتي في إطار حزمة الإجراءات التي التزمت الحكومة بتنفيذها صاغرة أمام صندوق النقد الدولي وعلى رأسها إلغاء منظومة الدعم و"العودة إلى حقيقة الأسعار" التي لن تلحق مزيد الضرر إلاّ بالطبقات الكادحة والشعبية التي تتجرع يوميا مرارة العيش خاصة في هذا الظرف الذي يشتد فيه وباء الكورونا في غياب أيّ خطة لمواجهتها وإنقاذ حياة التونسيات والتونسيين. وأدان حزب العمال هذه الزيادات واعتبرها اعتداء جديد وخطير على قوت الشعب ووصف الزيادات بالخيارات اللاّوطنيّة واللاّشعبية المتّبعة من قبل مجمل المنظومة الطبقية والسياسية المتنفذة والتي لن تجلب للبلاد وللشعب سوى مزيد من التبعية والتفقير الذي تتصاعد درجاته أكثر من أيّ وقت مضى. ودعا الشعب التونسي إلى رفض هذه الإجراءات وتحميل فاتورة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية للمتسبّبين الفعليّين فيها وهم عصابة الحكم المتربّعة على البلاد مسنودة بالمافيا والمهرّبين والمتهرّبين الحاكمين الحقيقيّين لبلادنا، كما دعا القوى التقدمية من أحزاب ونقابات وجمعيات إلى توحيد المجهودات للتصدي لمنظومة النهب وتنظيم الحراك الشعبي وتطويره وتجذيره حتى يحقق أهدافه في كنس المنظومة لحساب خيارات جديدة وطنية وشعبية وتقدمية.
كما عبّر التيار الديمقراطي عن رفضه القاطع لقرارات الحكومة في هذه الزيادات الغير مدروسة، ووصف التيار هذه القرارات بالأحدية والخطيرة وطالب الحكومة بالتراجع الفوري عنها وحمّلها مسؤولية التداعيات على السلم الإجتماعي. وأكّد التيار أنّ الوضع الإقتصادي الصعب يستوجب مراجعة فعلية لمنوال التنمية وأنّ التضحيات لا يجب أن تقدّمها الطبقات الفقيرة والمتوسطة وحدها لكن ايضا الطبقة الميسورة وعلى الحكومة أن توجّه بوصلتها في ذلك الإتجاه بدءًا بمحاربة الإقتصاد الريعي والتصدي للتهرّب الضريبي وإصلاح المنظومة الجبائية وتكثيف الرّقابة على الصفقات العمومية ومراقبة مسالك الإنتاج والتوزيع لتعديل الأسعار ووضع حدّ لتغوّل لوبيات الإحتكار والفساد. كما اعتبر أنّ التحرّر من تأثيرات لوبيات وقوى الفساد والإفساد الداخلي ومن التعاقدات الخفية مع صندوق النقد الدولي هو السبيل الوحيد لإخراج البلاد من أزمتها وضمان سيادة القرار الوطني وإلتفاف واسع حول مشروع وطني حقيقي ودعا التيار الديمقراطي القوى الوطنية والإجتماعية لتوحيد صفوفها والتشاور من أجل تحديد الخطوات العملية للتصدي لخيارات وسياسات الإئتلاف الحاكم الموغلة في الليبرالية.
كانت هذه ردود أفعال بعض الأحزاب، في حين أنّ لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام بالبرلمان كان ردّها وموقها أكبر إذ صرّح بدر الدين القمودي رئيس هذه اللجنة أنّ اللجنة قرّرت رفع قضية ضدّ رئيس الحكومة هشام المشيشي ووزير التجارة بعد إقراره تلك الزيادات واعتبر أنّ هذه الزيادات هي مجرّد إجراءات '' إحمائية لحكومة متحيلة على شعبها وعلى قوانين الدولة''، كما اعتبر أنّ حكومة المشيشي تلاعبت بآلية التعديل الآلي لسعر المحروقات مُذكّرا بإقرار زيادة في سعر المحروقات خارج السقف المتاح. وأوضح القمود أنّ القضية التي سترفعها اللجنة ضدّ الحكومة أمام المحكمة الإدارية وذلك لإبطال قرار الزيادة ولخرقه نص قانون واضح ولتجاوزه سقف التفويض الممنوح. الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان له يوم أمس الخميس، رفض تلك الزيادات واعتبرها بمثابة تدمير للمقدرة الشرائية للمواطنين، وهي خطوة من تنفيذ برامج صندوق النقد الدولي وحمّل حكومة المشيشي ما سينجرّ عن سياستها من مزيد التداين مقابل صمتها من جهة أخرى على تنامي التهريب والاحتكار وتستّرها على التجارة الموازية. وطالب الهيكلُ النقابي، بالتعجيل بتطبيق الاتفاق الحاصل مع الحكومة لفتح مفاوضات اجتماعية في الوظيفة العمومية والقطاع العام وإصراره على الشروع في مراجعة الأجور في القطاع الخاص وتطبيق الاتفاق الممضى حول مراجعة قيمة الدرجة
من جانبه، اعتبر الاستشاري في استراتيجيات الاستثمار الصادق جبنون في تصريح إعلامي له يوم الثلاثاء أنّ الزيادات الأخيرة التي أقرتها حكومة المشيشي في أسعار بعض المواد الأساسية والاستهلاكية جاء جزء منها نتيجة تفاقم العجز في ميزانية الدولة الذي تجاوز 10 فاصل 5 بالمائة ، فيما كان جانب آخر منها مبرمجا وهيكليا. وأوضح جبنون أنّ الحكومة لها اتفاق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإعادة هيكلة صندوق الدعم نظرا لعدم استفادة المواطنين بشكل مباشر من عديد المواد، بل أصبحت تصنف في خانة المواد الكمالية على غرار مادة السكر التي شهدت ارتفاعا في سعرها بأكثر من 20 بالمائة، باعتبار استعمالها في غير الاستعمالات العائلية. وحول تعديل أسعار تذاكر النقل، اعتبر جبنون أن الحكومة أقرت هذه الزيادة بسبب العجز الهيكلي الذي تُعاني منه عديد مؤسسات النقل العمومي ولا بد من التحكم في هذا النزيف وقال جبنون إن الزيادات الأخيرة في جانب منها تم الاتفاق عليها بين الحكومة التونسية والبنك الدولي الذي قدم مقابل ذلك 300 مليون دينار، موضحا أن هذا الاتفاق يشمل إمكانية الزيادة في الأجور أو المنح الاجتماعية المباشرة للفئات الاجتماعية الهشة وهو ما يستدعي التعجيل ببطاقة الأمان الاجتماعي حتى يقع ضبط قائمة المستحقين للدعم.
كما أنّ رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، لطفي الرياحي، حذّر من عواقب الزيادة في مادّة السكر وما سينجر عنها من ارتفاع في كافة المواد المتعلقة به على غرار الحلويات والياغورت لتنعكس بطريقة غير مباشرة على الترفيع في كلفة الخدمات. وتوقع الرياحي، في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء، انفجارا وشيكا للوضع الاجتماعي، جرّاء هذه الزيادة إضافة الزيادات الأخيرة في أسعار الحليب والنقل العمومي والماء. وقال إنّ الفترة القادمة ستشهد ارتفاعا في أسعار العديد من المواد الأخرى، مستغربا من عدم وضوح توجه الحكومة وعدم إقرارها أي تعويضات للطبقة المتوسطة والصغرى
أسبوع مُفتتح شهر جانفي كان حافلا بالزيادات في الأسعار التي فاجئت التونسيّين وحتى السياسيين ورؤساء الأحزاب، هذه الزيادات خيارات أحادية من قبل المشيشي وُصفت باللاّوطنيّة واللاّشعبية والتي لن تجلب للبلاد وللشعب سوى مزيد من التبعية والتفقير والمشيشي بهذه الزيادات يُساهم في تأليب الشعب ضدّ الحكومة ويؤسس لثورة جياع.
تعليقك
Commentaires