أولى عثرات المسار الانتخابي .. تزكيات شعبية مزورة!
المحكمة الإدارية تتلقى 11 طعنا في الرئاسية و تسعة طعون في التشريعية
تزكية مترشحين - هيئة المعطيات الشخصية تدعو إلى رفع شكوى لوكيل الجمهورية
فاروق بوعسكر: لا يوجد في القانون الإنتخابي نصّ خاص بتزوير أو تدليس التزكيات
فلسفةُ التزكيات هي ضمان لجديّة الترشح للرئاسية، تستمدُ ضرورتها/أهميّتها من روح الدستور الذي يقر بأرضيةٍ من الشروط للتقدّم لهذا المنصبِ، وروح التشريعِ والقانون اللذان ينظّمان العملية الإنتخابية من ألفها إلى يائها . لدفعِ مترشح الى ساحةِ الرسمياتِ بعد المطالب الشكليّة، غايةُ شرط التزكية أساسًا إضفاء شرعيّـة على الترشح للمنصب الأول في الدولة، رئاسة الجمهوريّة. هي شرط ضروري أقرّه القانون الإنتخابي لقبول مطلب الترشح، إن شئتم، التزكياتُ إختبار أولّي للمترشح الذي يرى في نفسه ندّا، ودونها ترشحه عارٍ من أيّ قيمة فعلية.
15أوت 2019، بعد سويعاتٍ منذ فتح تطبيقة التثبت من تزكية مرشح ما من عدمها التي أعدتها الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات مئات المواطنين لاحظوا أن أسماءهم ومعلوماتهم الشخصية ارتبطت زُورا بتزكية مرشحين لم يقوموا بتزكيتهم واقعا. طفت شُبهة إستغلال المعلومات الشخصية على السطحِ مرّة أخرى، منذ الحديث عنها (دون جدوى) في رئاسياتِ 2014. بالتثبت من تقرير دائرة المحاسبات 2015، لاحظت بيزنس نيوز أن التقرير تضمّـن شبهات تدليس تزكيات في خانةِ الفساد الإنتخابي. إقرار علني من الدولةِ بوجود دواعٍ لإسقاطات ترشحات وإلغاء نتائج، تم التغاضي عنه وتجاوزه الشأن العامُ حين كان يعيش أحد أصعب فتراته على المستوى الأمني(العمليات الارهابية 2015). انتهى الحديث عن التقرير دون أن يبدأ، رغم خطورة ماجاء به من شبهاتِ فساد وتدليس لمن ارتئوا في أنفسهم قُدرة على إدارة الدولة و"محاربة الفساد."
لنعد بالوقت الى 2015، سنة بعد الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة التي كانت أول تحد فعلي للديمقراطية التونسية الفتية. صدر تقرير دائرة المحاسبات، كاشفا عن وجود شكاوي رسمية من مواطنين تم استغلال أسماءهم في تزكيات وهمية زائفة لمترشحين للسباق الرئاسي. ورد في تقرير الهيئة، "لضمان شفافية عملية التزكية بادرت الهيئة بوضع نظام يمكن الناخبين من التثبت من إدراج أسمائهم ضمن قائمات تزكية. وأسفرت هذه العملية عن تشك عدد منهم من خلال اعلام الهيئة أو رفع دعاوى لدى المحاكم العدلية" مختصر ماحمله تقرير دائرة المحاسبات أنه يوجد تشكيات، وشبهات، ودعاوي قضائية بتهمة التدليس، لكنه لم يتم النظر فيها وتم تجاهلها. هي مجرد "شكاوي"، تقدم بها "مواطنون"..
التقرير، تضمن أيضا تعليل الهيئة لعدم النظر في هذه الدعاوي. تعليل الهيئة الدستورية كان أن المسألة من اختصاص القضاء العدلي. التقرير أقر بصفة رسمية، أن هذه الوضعية أدت الى قبول ترشحات تم الطعن فيها لدى القضاء بخصوص تدليس واستغلال معطيات شخصية لكن الهيئة لم تتحصل على أحكام قضائية باتة مما أدى الى قبول الترشحات. اكتفت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتوصيات مستقبلية لتنقيح القانون الانتخابي، بشأن مسألة التزكيات. يبدو أن التعامل مع مسألة التدليس لم يرتقي الى اطلاعات المواطنين الذين أبلغوا الهيئة. طول المسار القضائي حال دون البت في المسألة بشكل قاطع واثبات حدوث جريمة التدليس. المشرع التونسي يشير الى أن التدليس يتضمن "صنع وثيقة مكذوبة أو تغيير متعمّد للحقيقة بأي وسيلة كانت في كل سند سواء كان ماديا أو غير مادي من وثيقة معلوماتية أو إلكترونية وميكروفيلم وميكروفيش ويكون موضوعه إثبات حق أو واقعة منتجة ﻵثار قانونية" ويعاقب على هذه الجريمة حسب الفصل 175 من القانون الجزائي ممارس التدليس بالسجن مدة خمسة عشر عاما وبخطية قدرها ثلاثمائة دينار. في قراءة عامة، كل من دلس تزكيات شعبية –لصعوبة تدليس تزكيات نواب من الشخصيات العامة ورؤساء بلديات- تسحب الهيئة ترشحه رسميا، مع التشهير بذلك، وعلاوة عن ذلك يحاكم بالسجن وخطية. مسألة حسم فيها القانون بعبارات جلية لا تأويل فيها، وضمنها عقوبات صريحة، وتعريفا واضحا لجرم التدليس. رغم ذلك، لم يحدث شيء في خصوص هذه المسألة التي أزيحت الى هامش الاهتمامات العامة والى خلفيات الأولويات الوطنية دون خاتمة أو حكم قضائي أو لائحة في أسماء المدلسين كي يمنعوا من الترشح مرة ثانية.
هنا والان، في 2019، المسألة عادت الى الواجهة وبغياب أولويات أخرى غير الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها. قام المواطنون الذين تفطنوا الى أنه تم استغلال أسمائهم باطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، أغلب الشهادات أظهرت تزكيات زائفة لحمة الهمامي، لطفي المرايحي، صافي سعيد، مهدي جمعة، ناجي جلول..
مسار الطعن في زيف التزكيات واستغلال المعطيات الشخصية، يكون عبر تقديم شكاية الى وكيل الجمهورية حصرا. الهيئة لا تتلقى الطعون مباشرة، كون الأمر (نفس المأزق في 2014) من اختصاص القضاء. الفرق أنه التشكيات الان، وبسبب الأفضلية الزمنية (انطلاق التطبيقة قبل شهر من الانتخابات) يمكن أن تؤدي الى نتيجة اذا تم الاسراع في تقديمها. حسب المسار القانوني، يحيل وكيل الجمهورية نسخا من الشكاوي الى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ، ثم تتم احالة الدعاوي قاضي نزاعات الترشح. وعند وصول المسألة الى أيادي القضاء وتتم عملية البحث والمكافحات، فان السلطة القضائية يمكن تلغي ملف ترشح من أثبت تدليسه لتزكيات وسرقة معطيات مواطنين.
منذ جويلية 2017 شرعت مصالح العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان بالتعاون مع الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية في إعداد مشروع قانون حماية المعطيات الشخصية، الذي لم يرى النور- بعد-، التباطؤ في مناقشة القانون في مجلس النواب بين اللجان المختصة، جعلنا ندخل انتخابات 2019 دون ضمانات قانونية لحماية المعلومات الشخصية للمواطنين من جهة، ثم ان التعارض بين فلسفة هيئة حماية المعطيات الشخصية وفلسفة هيئة النفاذ الى المعلومة سيشكل معضلة، الأولى تقوم على مبدأ السرية والثانية على مبدأ العلنية.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires