alexametrics
أفكار

النهوض بالتظاهرات التجارية : دراسة مقارنة

مدّة القراءة : 17 دقيقة
النهوض بالتظاهرات التجارية : دراسة مقارنة

 

بقلم فوزي عبيدي*

   

عند تناول أي ظاهرة اقتصادية نلاحظ أنها لم تنشأ مصادفة بل مقترنة بزمان و مكان محدد ، وهذا نتاج للظروف التاريخية للمجتمع وسنن تطوره حيث يرجع ذلك لعدة عوامل اقتصادية ، اجتماعية ، سياسية و إنسانية ، هذه العوامل متداخلة و متصلة الأطوار ونسق تفاعلها يساهم في تطور الظاهرة الاقتصادية .

    هذا التطور في الظاهرة الاقتصادية يحتم علينا، ليس فقط صياغة وتطبيق قوانين ملائمة للمجتمع بل ضرورة تطوير هذه القوانين لأنها محدودة بينما الوقائع التي وضعت هذه النصوص لمواجهتها وتنظيمها في تغير وتطور دائم .

   لذا من الحتمي أن نطور النصوص القانونية لملائمة تطوّر المجتمع ليستطيع القانون أن يلعب دوره المناط بعهدته في تنظيم المجتمع منها النشاط الاقتصادي و التجاري وهو ما أشار إليه الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو : " إن القانون يجب أن يكون ملائما لحاجة الشعب الذي صنع من أجله ".

   هذا السياق التحليلي يحيلنا إلى ضرورة مراجعة أهم ظاهرة اقتصادية و تجارية التي تعكس مدى تطور و فاعلية العمل الرقابي للمراقبة الاقتصادية وهي ظاهرة التخفيضات الموسمية فنجاح موعدها السنوي سواء في الموسم الصيفي أو الشتوي يعد مقياس نجاح و تتويج لمدى فاعلية السياسات التجارية و العمل الرقابي و ارتباط ذلك بواقع المجتمع و تطوره وحماية المتدخلين الاقتصاديين إزاء ذلك. وسنلاحظ من خلال هذه الدارسة أن نجاح هذا الرهان هو هدف تسعى إليه جميع البلدان التي شملتها الدارسة حيث أن هذه البلدان تعتبر نجاح موسم التخفيضات بمثابة دليل على نجاح سياساتها التنظيمية في القطاع التجاري والاقتصادي. 

          I.       تجارب المقارنة :

1)   التجربة الإنقليزية :

      تعتبر المملكة المتحدة من أول الدول التي تم فيها تطبيق البيوعات بالتخفيض منذ سنة 1871 من خلال التظاهرة التجارية التي يطلق عليها "يوم الصناديق " أو ما يسمى بالإنقليزية " Boxing Day " وهو يوم عطلة رسمية تحتفل به المملكة المتحدة وكل الدول الناطقة بالإنجليزية ودول الكومنولث باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية وذلك في 26 ديسمبر من كل عام حيث تقوم المحلات التجارية في هذا اليوم ببيع المخزون الفائض بتخفيض كبير في الأسعار .

      بمرور الوقت و ترسخ هذا السلوك الاستهلاكي على نطاق واسع أصبح يوم الصناديق من الأهمية بمكان لتجارة التجزئة أنه يستمر لمدة أسابيع ونظرا لترسخ هذه الظاهرة فإن القوانين المنظمة للتخفيضات بالمملكة المتحدة ليست إجبارية بالنسبة للتجار بل مجعولة للإستئناس بها .و فترات التخفيض الموسمي التي تشمل جميع المحلات  محددة التاريخ صيفا   و شتاءا  حسب الأعراف التجارية و ليست بنص قانوني ، من جانب آخر للتجار الحرية الكاملة في القيام بالتخفيضات على منتوجاتهم حسب رغبتهم و حسب الفترة التي يريدونها على مدار العام أما بالنسبة للسعر المرجعي لعملية التخفيض  فهو يخص أقل ثمن للستة أشهر الأخيرة ووقع تطبيقه لمدة 28 يوم متتالية وهذا بطبيعة الحال منصوح به حسب التشاريع الإنقليزية وليس إجباريا حيث نجد في الواقع أن أغلبية التجار يطبقون السعر الأقصى المعمول به .      

 

 

2)   حوصلة لبعض التجارب الأخرى :

البلد

الخصائص

ألمانيا

-       فترات التخفيض الموسمي محددة التاريخ حسب الأعراف التجارية    و ليست بنص .

-       لا يوجد قانون منضم خاص بالتخفيض في الأسعار حيث تم إلغاءه منذ سنة 2001.

-       للتجار الحرية الكاملة في القيام بالتخفيضات على منتوجاتهم حسب رغبتهم وحسب الفترة التي يريدونها .

-      السعر المرجعي : يجب أن يكون لفترة كافية ويختلف حسب المنتوجات وهذا حسب القانون الألماني.

هولندا

-       فترات التخفيض الموسمي محددة التاريخ حسب الأعراف التجارية    و ليست بنص .

-       لا يوجد قانون منضم خاص بالتخفيض في الأسعار .

-       للتجار الحرية الكاملة في القيام بالتخفيضات على منتوجاتهم حسب رغبتهم وحسب الفترة التي يريدونها .

-       المعلومات الخاصة بالسعر المرجعي قبل التخفيض غير إجبارية بالنسبة للتجار.

 

بلجيكا

-       فترات التخفيض الموسمي محددة التاريخ حسب الأعراف التجارية    و ليست بنص .

-       لا يوجد قانون منضم خاص بالتخفيض في الأسعار .

-       للتجار الحرية الكاملة في القيام بالتخفيضات على منتوجاتهم حسب رغبتهم وحسب الفترة التي يريدونها .

-       السعر المرجعي : هو السعر الأدنى المطبق في الثلاثين يوم الأخيرة .

النمسا –السويد

-         فترات التخفيض الموسمي محددة التاريخ حسب الأعراف التجارية    و ليست بنص .

-       لا يوجد قانون منضم خاص بالتخفيض في الأسعار.

-       للتجار الحرية الكاملة في القيام بالتخفيضات على منتوجاتهم حسب رغبتهم وحسب الفترة التي يريدونها .

-       السعر المرجعي : غير محدد التعريف .

الدنمارك

-       فترات التخفيض الموسمي محددة التاريخ حسب الأعراف التجارية    و ليست بنص .

-       لا يوجد قانون منضم خاص بالتخفيض في الأسعار.

-       للتجار الحرية الكاملة في القيام بالتخفيضات على منتوجاتهم حسب رغبتهم وحسب الفترة التي يريدونها ولكن لا يمكن تجاوز الفترات الإجمالية للتخفيضات الموسمية ثلاثة أشهر في السنة و لا يمكن تجاوز فترة الشهرين لفترة التخفيض الموسمية الواحدة .

-       السعر المرجعي : غير محدد التعريف .

إيطاليا – إسبانيا

-       فترات التخفيض الموسمي تختلف من جهة لأخرى حيث تترك الحرية لكل جهة لتحديد التاريخ الخاص بها .

-       لا يوجد قانون منضم خاص بالتخفيض في الأسعار .

-       للتجار الحرية الكاملة في القيام بالتخفيضات على منتوجاتهم حسب رغبتهم وحسب الفترة التي يريدونها .

-       السعر المرجعي

  • إسبانيا :  السعر الأدنى خلال 30 يوم الأخيرة .
  • إيطاليا : السعر الأصلي أو السعر المطبق قبل التخفيض دون تحديد فترة.

 

 

3)   التجربة الفرنسية :

      عند تناول التجربة الفرنسية في التعاطي مع أشكال التخفيضات عموما وخاصة التخفيضات الموسمية نلاحظ تأثرا واضحا بالعقلية و المنهجية الفرنسية التي تميل أكثر إلى التقنين و تأطير كافة العمليات الإقتصادية بقوانين و أوامر ترتيبية فمقارنة مع التجارب الأخرى خاصة الأنجلوسكسونية التي تميل إلى التحرر من النصوص القانونية و الإستئناس بالعرف التجاري إعتمادا على تطور العقلية لدى جميع المتدخلين الإقتصاديين وخاصة تجذر ظاهرة الإستهلاك بينما العقلية الفرنسية في التنظيم تميل إلى التقيد بالنصوص القانونية ولكن هذا لم يمنع المشرع الفرنسي من القيام بالعديد من التنقيحات القانونية لغاية تجاوز العراقيل التي تعترض هذه التظاهرات التجارية ولم تكن هذه المراجعات إعتباطية بل مبنية على دراسات علمية شارك فيها جميع المتدخلين الإقتصاديين الممثلين للدولة ، المستهلكين والمتدخلين الإقتصاديين ومن هذه الدراسات نذكر على التوالي:

-       تقرير لجنة تحرير الإقتصاد الفرنسي برئاسة جاك أتالي ( Jacques Attali  )  ويعتبر الأخير من مهندسي الإصلاحات الجذرية التي شهدها الإقتصاد الفرنسي في العشرية الأخيرة ( سنة 2007).

-       تقرير مجموعة عمل متكونة من الخبراء حول آليات التخفيض في الأسعار تم إعدادها للسيدة Christine Lagarde  عندما كانت وزيرة الإقتصاد، الصناعة و التشغيل ( سنة 2008).

-       بحث مجرى من قبل مركز البحث لدراسة ومتابعة شروط الحياة يتعلق بالتخفيضات الإختيارية ( سنة 2012).

-        بحث مجرى من قبل مركز البحث لدراسة ومتابعة شروط الحياة يتعلق بتأثير التجارة الإلكترونية على التخفيضات الدورية و البيوعات التنموية ( سنة 2011).

عند دراسة تطور مختلف القوانين الفرنسية المنظمة للتخفيضات الممنوحة من قبل المهنيين للمستهلك خاصة التخفيضات الدورية نلاحظ عدة إيجابيات نسوق أبرزها :

-       ترسيخ الظاهرة الدورية للتخفيضات الموسمية بتحديد تواريخ محددة سواءا للتخفيضات الصيفية أو الشتوية وذلك بالتنصيص عليها بالمجلة التجارية بالفصل عدد 310-15 حيث تكون لمدة ستة أسابيع  التخفيضات الموسمية لفصل الشتاء بداية من يوم الإربعاء الثاني لشهر جانفي من كل سنة ويتم تقديم هذا التاريخ ليوم الإربعاء الأول من شهر جانفي إذا تجاوز التاريخ الأول يوم 12 جانفي من كل سنة .

أما التخفيضات الموسمية لفصل الصيف فتكون محددة لأخر يوم إربعاء من شهر جوان من كل سنة و يتم تقديمها إلى الإربعاء القبل الأخير في صورة تجاوز التاريخ الأول لـــــــ28 من نفس الشهر.

-       بالنسبة للبضاعة المعنية بالتخفيضات الموسمية تطرق المشرع لذلك في الفصل 310-16 حيث يتوجب أن تكون فترة مسك المنتوجات المعنية لمدة شهر فقط وذلك لصالح المستهلك حيث يضمن حد أدنى من جودة المنتوجات وكذلك لصالح التاجر حيث يستطيع التفويت في بضاعته لهذا الموسم لأنه بحكم التطور في نمط الإستهلاك سيصعب عليه التفويت فيها الموسم القادم .         

 

         II.  تشخيص التجربة التونسية :

    بصفة عامة التجربة التونسية في مجال التخفيضات في الأسعار بأنواعها كان لها تأثر واضح منذ بدايتها بالتجربة الفرنسية المبنية على عقلية التقنين لأغلب تفاصيل عمليات التخفيض في الأسعار مهما كان السبب و الدافع لذلك . لعلنا نجد له تبرير بحكم عدم تجذر ظاهرة الإستهلاك في المجتمع التونسي و إقتصاد ناشئ كالإقتصاد التونسي يتطلب تأطير قانوني لهذه العمليات التجارية حتى يتسنى حماية جميع الأطراف الإقتصادية المتدخلة لكن هذا لا يمنع وجود خصائص وفوارق بين التجربتين خاصة على مستوى تطور القوانين المنظمة لهذا المجال .

    أما بالنسبة لتشخيص واقع التجرية التونسية فنلاحظ عدم تطور الرؤية تجاه هذا المجال بالتوازي مع تطور أساليب التسويق التجاري مما خلق عديد الإشكاليات وكذلك عدم نضج وعي المستهلك و المهني تجاه هذا الحدث ، من جهة أخرى عدم ترسيخ ظاهرة التخفيضات الموسمية في السلوك الإستهلاكي للمواطن التونسي وكذلك ضعف إستعداد المهنيين لهذا الموسم يرجع بالأساس إلى عدم إعتماد موعد محدد و ثابت للتخفيضات الصيفية و الشتوية يرضي جميع الأطراف المعنية مما سبب إرباك خاصة للمهني للتحضير لهذه التظاهرة التجارية وكذلك بالنسبة للمستهلك حيث أن تذبذب التاريخ المحدد كل سنة يمنعه من برمجة ميزانيته الإستهلاكية مسبقا مما يحد من تجذر هذا السلوك الإستهلاكي لدى المواطن التونسي .

    من جانب آخر نلاحظ أن النسق المتسارع لتطور نمط الإستهلاك أثر بصورة واضحة على موسم التخفيضات السنوية بشكله الحالي خاصة فيما يتعلق بنوعية وجودة المنتوج مما يمثله من عائق يسبب عزوفا في إقبال المستهلكين وعدم قدرة التاجر على التفويت في منتوجاته لهذا الموسم بحكم أن الفترة الإجبارية لمسك المنتوجات المعنية أصبحت غير واقعية حيث حددها الفصل السادس من القانون عدد40 لسنة 1998 المؤرخ في 02 جوان 1998 المتعلق بطرق البيع و الإشهار التجاري وذلك بأن تكون المدة لا تقل عن ثلاثة أشهر .

     من حيث المشاركة القطاعية يرتكز موسم التخفيضات الموسمية أساسا على قطاع الملابس الجاهزة وهو ما مثل محدودية لهذه التظاهرة فالقطاعات الأخرى شهدت مشاركة محتشمة كقطاع الأثاث ، العطور ، الصحة البدنية ، النظارات بأنواعها وقطاعات أخرى مازالت لم تستوعب موسم التخفيضات الموسمية ضمن تقاليدها التجارية كقطاع المواد الكهرومنزلية بالمقارنة مع البلدان التي سبقتنا لهذه التقاليد نلاحظ أنها تعتمد بالأساس على المشاركة القطاعية لقطاع الملابس الجاهزة ولكن إمتدت أيضا لجميع القطاعات الأخرى خاصة القطاعات التصنيعية وكذلك الخدمات .

      ليكون التشخيص متعمقا أكثر حتى تكون أساليب التنظيم التي ستعتمدها سلطة الإشراف أكثر فاعلية يجب التمعن في التطور الحاصل في مجال التسويق التجاري المعتمد لدى المنتجين ، الشركات ، المساحات الكبرى و أصحاب العلامات التجارية الموزعين في تونس التي تعتبر مشاركتهم رافعة لنجاح التخفيضات الموسمية حيث أن التسويق التجاري أصبح يعتمد أكثر فأكثر على آليات (Marketing Relationnel  ) المبني على إقامة علاقة تجارية دائمة مع حرفاء يتم إختيارهم حسب السياسة التجارية المتبعة و الجدول التالي يبين لنا الأهداف و الآليات المتبعة لذلك :   

الأهداف

الآليات

معرفة و تشخيص الحرفاء 

قاعدة بيانات

التواصل

المجلات الإستهلاكية – بريد إلكتروني – موقع الواب – الإرساليات بالهاتف  

الإنصات للحرفاء

خدمة الحرفاء – مركز نداء – منصة إلكترونية

التعويض

بطاقات الوفاء التي تسند بالنقاط حسب قيمة المشتريات

تشاركية الحرفاء

نوادي الحرفاء – المنصات الإلكترونية للتصرف في العلاقة مع الحريف ) Customer Relationship Management )

 

 هذا التمشي المتسارع في التسويق التجاري للشركات و المساحات التجارية الكبرى وأصحاب العلامات الرائدة بهدف المحافظة على نوعية محددة من الحرفاء يتم تحديدها مسبقا من خلال الآليات المذكورة في الجدول السابق بغاية المحافظة على نسق أدنى للمبيعات يشكل في بعض الأحيان تناقضا مع الأهداف التنظيمية لتظاهرة التخفيضات الموسمية التي ترمي إلى أن تكون شاملة لأكثر عدد ممكن من المستهلكين وعدم تسليط في فترة التخفيضات أي نوع من التمييز بين المستهلكين سواءا بالمعلومة أو بوسائل وطرق البيع و التسويق التجاري كالإرساليات القصيرة عبر الهاتف التي تشمل نوعية معينة من المستهلكين يقع إختيارهم حسب المنصات الإلكترونية أو الطرق الأخرى للتصرف في العلاقة مع الحرفاء CRM[Costumer Relationship management ] ، وكذلك بطاقات الوفاء التي تسند للحرفاء بالنقاط حسب حجم المشتريات .

وفيما يلي رسم بياني يبين الفرق :

 

     III.  المقترحات :

     في البداية يجب الإشارة  عند إجراء تقييم شامل للتجربة التونسية في مجال التخفيضات المطبقة على الأسعار بصفة عامة وخاصة في تنظيم موسم التخفيضات الدورية ومقارنتها بالتجارب التي تم إستعراضها بوجود العديد من الإيجابيات التي يمكن البناء عليها وتطويرها .

  أولا، ملائمة التوجه الذي أعتمد منذ البداية بتنظيم التخفيضات المطبقة على الأسعار عبر قانون خاص بها وهو ما يتلاءم مع خصائص الإقتصاد التونسي حيث يعتبر إقتصاد في طور النمو و نسيجه التجاري يحتاج للمزيد من الدعم و التأطير وخاصة مازالت عادات الإستهلاك الرشيد غير متجذرة مما يحتم على الدولة حماية جميع المتدخلين الإقتصاديين في هذه العملية وكذلك هذا التوجه يتماشى مع مميزات العقلية التونسية المتعودة على التعامل مع التظاهرات التجارية أو غيرها في إطار قانون تنظيمي على عكس بعض البلدان التي سبقتنا كالبلدان الأنجلوسكسونية و التي تترك حرية التصرف كاملة للمتدخلين الإقتصاديين حسب الأعراف التجارية المتعامل بها وهذا بطبيعة الحال دون المس من الضوابط العامة خاصة الحيلولة دون أن تصبح آلية التخفيض في الأسعار آلية مخلة بقواعد المنافسة النزيهة ودون ذلك فهو مسموح به وهذه البلدان تعتمد في هذا التمشي على ماضيها العريق في تجذر ظاهرة الإستهلاك في مجتمعاتها ووعي المستهلكين حيث أن العرف التجاري يحتل دورا هاما في تنظيم العلاقات و التظاهرات التجارية ليحل محل القانون التنظيمي فمثلا التجربة الإنقليزية تمتد منذ سنة 1871 أي تتجاوز التجربة التونسية بأكثر من قرن .

    عند تناول القانون المنظم للتخفيضات في تونس ، القانون عدد40 لسنة 1998 المؤرخ في 02 جوان 1998 المتعلق بطرق البيع و الإشهار التجاري ، هناك عديد الإيجابيات بخصوص تأطير تخفيضات الأسعار التي تكون خارج إطار التخفيضات الدورية خاصة فيما يتعلق ببيوعات التصفية لما تحمله من خصائص من حيث التعريف القانوني والهدف التجاري لهذه العملية حيث هناك تشابه كبير في تناول هاتين النقطتين بين التشريع الفرنسي و التونسي فعند مقارنة الفصل 310-1 من المجلة التجارية الفرنسية و الفصل 09 من القانون عدد 40 لسنة 1998 نلاحظ تشابه في التعريف القانوني و الهدف التجاري من عملية البيع بالتصفية مع ملاحظة أن المشرع الفرنسي تطرق في الفصل 310-1 المذكور أعلاه إلى أن عملية البيع بالتصفية تكون مسبوقة أو مرفوقة بحملة إشهارية للتخفيض في السعر أما بالنسبة للقانون التونسي  فهناك مرونة أكثر  في الإجراءات الإدارية و التنظيمية المفروضة على القائم بعملية التصفية نظرا لأن عملية التصفية تكون غالبا نتيجة صعوبات قاهرة كالإفلاس أو التقادم التقني للمنتوج حيث يسمح له الفصل 12 من القانون المذكور أعلاه بإمكانية التمديد في مدة البيع بالتصفية المحددة بشهرين لشهر ثالث بناءا على طلب من المستفيد يقدم إلى مصالح الوزارة المكلفة بالتجارة قبل إنتهاء الفترة المحددة بالتصريح وهو ما لا نجده في التجربة الفرنسية حيث لا يمكن التمديد في فترة البيع بالتصفية بل هي محددة بشهرين كمدة قصوى حسب الفصل 310-5 من المجلة التجارية الفرنسية .

    بالنسبة لبيوعات التنمية التجارية فأغلب البلدان التي تمت دراسة تجاربها تعتبر كعملية تجارية تسويقية لمنتوجات وخدمات المؤسسات وهي وسيلة هامة لآليات التخفيض في الأسعار و التحكم في التضخم وقد أعطتها مرونة كاملة من حيث التطبيق فبالنسبة للبلدان الإسكندنافية و الأنجلوساكسونية فالتاجر أو المهني أو مسدي الخدمات له الحرية الكاملة في الوقت و المدة و طريقة القيام بهذه البيوعات شرط أن تكون غير مخلة  بالمنافسة أما بالنسبة للتجربة الفرنسية التي عادة ما يتأثر بها المشرع التونسي فلا نجد نص قانوني أو إفراد فصول معينة من المجلة التجارية خاصة بها بل تعرض لها بشكل غير مباشر في مجلة الإستهلاك الفرنسية بالفصل 121-1 عند تعريف عملية الإشهار التجاري المخادع وكذلك المقرر بتاريخ 11 مارس 2015 المتعلق بإعلان تخفيض الأسعار للمستهلك حيث تطرق المشرع الفرنسي إلى النقاط التالية :

  • أهمية وضوح السعر المرجعي لبيوعات التنمية التجارية و إثبات ذلك على عهدة العارض .
  • عملية الإشهار المرافقة يجب أن تحدد مدة العملية و بدايتها وكمية البضائع والتنصيص على " حتى إنتهاء المخزون " .
  • هذه الضوابط تطبق عند البيع داخل المحلات وكذلك عن بعد خاصة عن طريق وسائل الإتصال و المعلوماتية ( انترنات – مراكز النداء ...) .

     هذا التوجه من أغلبية بلدان العالم نحو الإرتكاز على بيوعات التنمية التجارية كوسيلة من وسائل التخفيض في الأسعار و الحد من التضخم ( دراسة خبير الإقتصاد الفرنسي  Jacques Attali   حول آليات تخفيض الأسعار ) يؤكد على ضرورة التوجه نحو إعطاء مرونة أكثر في الإجراءات المتبعة و المنظمة لعملية بيوعات التنمية التجارية و المنصوص عليها في القانون عدد 40 لسنة 1998 وذلك عبر   :

  • الحد من الفترة الإجبارية المحددة بأربعين يوم حسب الفصل 17 التي تفصل بين البيوعات التنموية و التخفيض الدوري .
  • كذلك عدم تحديد مدة إجبارية قصوى لهذه العروض التجارية مادامت تحترم كل التنصيصات الوجوبية الأخرى .

       في هذا الإطار تبقى أهم تظاهرة تتطلب النهوض بها و ينتظرها المستهلكين و التجار على حد السواء هي التخفيضات الدورية و التي يمثل نجاحها تتويج للمجهودات التنظيمية وهو ما يتطلب رؤية جديدة لهذا الحدث تستوعب التطورات الحاصلة في ميدان التسويق التجاري وكذلك إنجاح هذه التظاهرة ليس فقط عبر التخفيف من القيود القانونية بل كذلك عبر رؤية شاملة تتطرق إلى أبعاد أخرى مرافقة لهذه التظاهرة .

        في البداية يجب الإنطلاق من الإشكالية المتمثلة في عدم تعود المستهلكين و التجار على موعد ثابت للتخفيضات الموسمية مما شكل لهم إرباك للتحضير لهذا الموعد خاصة مع عدم تجذر هذه العادة الإستهلاكية مثل بقية البلدان التي سبقتنا بعقود كثيرة ، لذا وجب إعتماد فترة محددة سواءا بالنسبة للتخفيضات الصيفية أو الشتوية ويكون تحديد التاريخ منصوص عليه بالقانون المنظم بالتشاور مع جميع الهياكل الممثلة للمتدخلين بهذه التظاهرة وكذلك تحديد مدة التخفيضات بما يتناسب مع الواقع الإقتصادي التونسي مع العلم أن أغلب تجارب المقارنة تكون مدة التخفيضات ستة أسابيع .

     كما يمكن الإشارة في هذا الإتجاه لوجود دعوات لإقامة تخفيضات دورية إختيارية ( Les soldes flottants  ) وتكون خارج فترات التخفيض الموسمي الإعتيادية وحسب الإطلاع على التجارب الأخرى التي سبقتنا في هذا المجال لا يمكن التكهن بنجاحها وذلك لسببين مهمين : السبب الأول أن هذه التجربة هي بالأساس تجربة فرنسية فاشلة فقد تم التنصيص عليها بقانون تعصير الإقتصاد الفرنسي بتاريخ 04 أوت 2008 وتم تطبيقه لأول مرة سنة 2009 حيث يمكن للتاجر أو المهني أو قطاع معين القيام بإختيار بكل حرية لتاريخ التخفيضات على أن لا تتجاوز الأسبوعين و أن تكون قبل التخفيضات الموسمية السنوية بأكثر من شهر . لكن بعد الفشل الذريع لهذا التمشي تم إلغاء التخفيضات الدورية الإختيارية بداية من جانفي 2015 ويعود هذا الفشل لعدة أسباب أظهرتها دراسة قام بها مركز البحث الفرنسي لدراسة ورصد شروط الحياة سنة 2012 من أهمها الضرر الحاصل لقطاع النسيج و الملابس الجاهزة وهو القطاع الأول المستهدف بعمليات التخفيضات ، عدم الإقبال على موسم التخفيضات العادي وعدم تأقلم الموزعين مع تشتت تواريخ التخفيضات.

أما السبب الثاني فيرجع لعدم تناسب هذا التمشي مع واقع النسيج الإقتصادي و التجاري  التونسي فالتجربة التونسية مازالت على سكة التطور فالتخفيضات الموسمية العادية تعاني مشاكل كثيرة وعزوف متزايد في الإقبال من قبل التجار و المستهلكين لعدم ترسخ هذه الظاهرة في العادات الإستهلاكية فالأولى إذا هو دعم هذه المواسم العادية للتخفيضات وترسيخها في العقلية الإستهلاكية للمجتمع التونسي وعدم وضع فترات إختيارية تشتت المجهود المبذول في التخفيضات الدورية العادية .

     دعم نجاح أكبر لفترة التخفيضات الموسمية يكون كذلك عن طريق إدخال مرونة أكثر على التراتيب التنظيمية لهذه المناسبة بداية بالعائق الأهم وهو جودة المنتوجات مما يسبب عزوفا في إقبال المستهلكين لذلك يجب التخفيض في فترة مسك المنتوجات المعنية بالتخفيض و الفترة المحددة لتحديد السعر المرجعي إلى شهر فقط عوضا عن مدة ثلاثة أشهر المعمول بها حاليا حتى يستطيع التاجر التفويت في بضاعته لهذا الموسم لأنه بحكم التطور في نمط الإستهلاك ( التغير السريع للموضة و الأذواق ) سيصعب عليه التفويت فيها الموسم القادم .

     مع تطور التسويق التجاري وظهور ما يعبر عنه بالتسويق التواصلي مع الحرفاء ( Marketing Relationnel) و إعتماده على آليات جديدة في التواصل المباشر مع الحرفاء كما تم شرحه في أول هذه الدراسة ، يجب تطوير القانون لمجابهة ذلك وهذا عبر التنصيص على عدم القيام بعمليات تجارية فيها تخفيضات ضمنية أو إشهار لعمليات تخفيض قبل التخفيضات الموسمية بمدة شهر وذلك عبر وسائل تكنولوجية للمعلوماتية والتواصل ( Technologies d’information et communication  ) وفي غالبها تكون عبر التواصل الإلكتروني عن طريق المنصات الإلكترونية للتصرف في العلاقة مع الحريف ( CRM ) أو بطرق مباشرة عن طريق الإرساليات بالهاتف ، بطاقات الوفاء التي تسند تخفيضات حسب المشتريات ، مراكز النداء .... لذا وجب التنصيص على منع إستعمال هذه الوسائل لما تمثله من عدم تكافأ في الحصول على المعلومة من قبل المستهلكين وممارسة التمييز ضدهم كما أنها تشتت عملية التخفيض الموسمي .

     تبقى الإشارة إلى آلية مهمة وهي مقارنة الأسعار من قبل الخواص حيث تم تقنين هذه العملية في فرنسا منذ سنة 1992 عبر قانون 18 جانفي 1992 الذي أطر هذه العملية من خلال الإضافات التي جاء بها بالفصل 121-8 من مجلة الإستهلاك الفرنسية حيث عرف  عملية مقارنة الأسعار : " تكون لمواد وخدمات من نفس النوع لمنافسين آخرين "  وقد تم إضافة " كل عملية إشهار مرافقة " بتنقيح 30 أفريل 2000 استئناسا بالتوصية الأوروبية المؤرخة في 06 أكتوبر 1997 وهذا المقترح لو تم تطبيقه في تونس يمثل إضافة مهمة للمستهلك ولكن لا يكفي لوحده لعدة عوامل سيتم شرحها لاحقا .  

 

  1. IV.       الإجراءات المصاحبة :

1)   مقارنة الأسعار :

      بحكم تعدد المساحات الكبرى للبيع بالتفصيل و المحلات التجارية المتخصصة حسب الماركات فإن الإشهار الكامل لأسعار المواد المعروضة و ما يمثله من ضمانة لشفافية المعاملات لم يعد وحده كافيا لإرشاد المستهلك و إحاطته بالمعلومة كاملة حول إحتياجاته  الحقيقية من المواد المعروضة        و التكلفة المنجرة عنها و هذا للصعوبة و التعقيد المتزايد لنسق حياة المواطن العادي وذلك لعدة أسباب خاصة منها تكلفة الحصول على المعلومة فالمستهلك العادي لا يمكنه التنقل بين مختلف المحلات       و المغازات لمقارنة الأسعار بحكم ضغوطات الوقت و العمل .

      لذلك وجب القيام بمقارنة الأسعار ضمن قاعدة بيانات تكون في صيغة نشرية دورية أو موقع واب متخصص متاح لجميع المستهلكين وتكون هذه العملية تحت إشراف وزارة التجارة أو مؤسسة تابعة كالمعهد الوطني للإستهلاك الذي كانت له تجارب سابقة في هذا الصدد وهذه العملية كانت لها عديد الإيجابيات في بلدان قد سبقتنا كفرنسا حيث يتم الإشارة لمنهجية مقارنة الأسعار بفرنسا        بــــــــــــــ( comparateur public de prix  ) .

      بالنسبة لتونس لكي تكون هذه المنهجية المبنية على مقارنة الأسعار ناجحة فلا بد أن تكون العينة التي شملتها المقارنة شاملة أكثر ما يمكن لجميع المواد وجميع المحلات و خاصة المواد ذات الأولوية في إستهلاك العائلات التونسية و التي تلقى إستهلاك واسع حتى يتمكن المستهلك من تحديد خياراته مع توفر المعلومة كافية حول المواد المعروضة .

مقارنة الأسعار عندها جدوى أيضا في الحد من العمليات التجارية المخلة بالمنافسة حيث يمكن من رفع المؤشرات المخلة بالمنافسة الناتجة عن إتفاقيات ضمنية أو صريحة وهو ما يسهل عملية المراقبة و ردع المخالفين .

      بالنسبة للتجربة التونسية أصبح لزاما القيام بهذه العملية بصفة دائمة ودورية  على مستوى المساحات الكبرى للبيع بالتفصيل لتوفير المعلومة للمستهلك بصفة شاملة أكثر ما يمكن لأنه في موقف ضعف أمام التطور في التقنيات التجارية التي تعتمدها هذه المساحات الكبرى و التي كثيرا ما تكون هذه الأساليب التجارية ليست في مصلحة المستهلك النهائي .

      ثانيا ، على مستوى شبكة الإنترنيت وذلك بتأسيس موقع واب يكون مفتوح لجميع المتعاملين الإقتصاديين الذين يقومون بعمليات تجارية عن طريق  الإنترنيت حيث يمكن القيام بهذه العملية بالإستعانة بطرف متخصص كإدارة التجارة الإلكترونية وهذا ما يعطي مصداقية وحماية أكثر للمستهلك حيث أن أغلب مواقع الواب التي تتبع الخواص و التي تعتمد منهجية مقارنة  الأسعار تغيب عنها الشفافية وتكون مضللة للمستهلك .        

2)   موسم التخفيضات تظاهرة متعددة الأبعاد :

     للنهوض الفعلي بموسم التخفيضات الموسمية يجب أن لا ينظر إليه كحدث منفرد بل كتظاهرة متكاملة الأبعاد و أن تشترك في إنجاحه جميع الأطراف الأخرى و ليس فقط الوزارة المكلفة بالإشراف و التنظيم القانوني بل هناك البعد الثقافي و السياحي لهذه التظاهرة وهو ما أسس لنجاح العديد من التجارب الرائدة نذكر على سبيل المثال التجربة الماليزية حيث يتم تنظيم موسم التخفيضات السنوية بالتزامن مع مهرجان التسوق و إعطاءه بعد ثقافي و سياحي وذلك بالتعاون بين وزارتي التجارة و السياحة الماليزية و المجمعات و المراكز التجارية .

    يعتبر التسوق في موسم التخفيضات الرافد الثاني من روافد السياحة الماليزية بعد قطاع الفنادق وذلك نتيجة الإستراتيجية المتبعة بحيث يكون تزامن موسم التخفيضات مع مهرجان التسوق وكذلك عديد الفعاليات الثقافية المحلية وتعتمد على ركيزة أخرى وهي إمتداد التخفيضات لتشمل الخدمات المصرفية المقدمة للأجانب ، المنتجعات الصحية ، قطاع الإتصالات ، مراكز اللياقة البدنية ، شركات الطيران و السيارات ومراكز الخدمات العامة .مع الإشارة إلى أن ماليزيا تستقبل سنويا قرابة 25 مليون سائح بإيرادات بلغت حوالي 65 مليار دولار .

     هذا بالتالي يدفعنا لضرورة وضع إستراتيجية واضحة تكون بالإشتراك بين الأطراف المشرفة على التجارة ، السياحة و الثقافة حيث يكون هناك تكامل فعلي بين موسم التخفيضات الدورية و التنشيط السياحي و الجانب الثقافي متمثلا في المهرجانات الثقافية ( سواءا كانت سينمائية ، غنائية أو مسرحية ) ليعطي بعد شامل لنجاح هذه التظاهرة .

    لذا نجد عديد البلدان تسجل نجاح سنوي لهذه التخفيضات بالرغم من عدم وجود قانون خاص ينظم التخفيضات السنوية لأنها تعتمد إستراتيجية متكاملة الأبعاد وليس فقط على البعد القانوني وهناك توجه عام نحو التخفيف من القيود التنظيمية للتخفيضات الموسمية وذلك يرجع بالأساس لمحاولة هذه البلدان التغلب على مشكلة تراجع الإستهلاك خاصة على مستوى تجارة التوزيع و الحد من نسق تضخم الأسعار.

 

 

 * خبير في علوم المحاسبة

       المراجع :

-       القانون التونسي عدد40 لسنة 1998 المؤرخ في 02 جوان 1998 المتعلق بطرق البيع و الإشهار التجاري .

-       المجلة التجارية الفرنسية .

-       مجلة الإستهلاك الفرنسية .

-       تقرير لجنة تحرير الإقتصاد الفرنسي برئاسة جاك أتالي ( Jacques Attali  )  سنة 2007).

-       تقرير مجموعة عمل متكونة من الخبراء حول آليات التخفيض في الأسعار تم إعدادها للسيدة Christine Lagarde  عندما كانت وزيرة الإقتصاد، الصناعة و التشغيل ( سنة 2008).

-       بحث مجرى من قبل مركز البحث لدراسة ومتابعة شروط الحياة يتعلق بالتخفيضات الإختيارية ( سنة 2012).

-        بحث مجرى من قبل مركز البحث لدراسة ومتابعة شروط الحياة يتعلق بتأثير التجارة الإلكترونية على التخفيضات الدورية و البيوعات التنموية ( سنة 2011).

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter