alexametrics
أفكار

ما عساه أن يفعل الرئيس قيس سعيد بدستور ومنظومة حكم لا يتلائمان مع رؤيته وطموحاته؟

مدّة القراءة : 5 دقيقة
ما عساه أن يفعل الرئيس قيس سعيد بدستور ومنظومة حكم لا يتلائمان مع رؤيته وطموحاته؟

 


لم أدل بصوتي وامتنعت عن أداء واجبي خلال الإستحقاقات الإنتخابية بالنظر إلى الحصيلة المزرية للولاية الرئاسية والتشريعية المنقضية و"التوافق" المغشوش الذي حكم تلك الحقبة من تاريخ بلادنا، والذي تبين أنه لم يكن سوى خديعة كبرى للتحيل على التونسيين بكل صفاقة في سبيل اقتسام مراكز النفوذ بين الفصيلين الرئيسيين الفائزيْن في انتخابات 2014 من أجل ضمان استقرار زائف لمنظومة الحكم والتحكم في مفاصل الدولة ومؤسساتها في خدمة أحزاب السلطة واللوبيات الخفية المؤيدة لها في الداخل والخارج.


لم أدل بصوتي في غياب مشروع قادر على جمع شتات التونسيين وتحفيزهم على العمل والتضحية لتنمية اقتصاد البلاد وتطوير مؤسساتها بما يلبي طموحات شعبها في تحقيق العدالة والأمن والرخاء. ولم أر في المشهد الوطني خلال الحملة الإنتخابية ما يبشر بأن السنوات الخمس المقبلة ستكون أفضل من سابقاتها في معالجة المعضلات المزمنة التي تكبل قدرات التونسيين على البناء والإصلاح والتقدم. 


لم أدل بصوتي في ظل قانون أحزاب أفقد المشهد السياسي أي مصداقية وحوله الى مهزلة بوجود أكثر من 220 حزبا مرخصا لها وتمتنع عن الكشف عن مصادر تمويلها الحقيقية وعدد منخرطيها وارتباطاتها الخارجية... في بلد حَكَمَهُ حزبان فقط وأقل من 10 من تلك الأحزاب ممثلة في مجلس النواب! 


لم أدل بصوتي لأن معظم أطياف النخبة السياسية التي تولت مقاليد الحكم منذ 2011 فشلت فشلا ذريعا في تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية والعائلية والحسابات الشخصية وهي تعاني من قصور فادح في الرؤية غير عابئة بالتحديات المفصلية التي تواجهها البلاد والأخطار الجسيمة المحدقة بها داخليا وخارجيا، وهي عاجزة عن التغيير والإبتكار ولا تملك حتى الحد الأدنى من الخصال والمؤهلات التي تخولها خدمة المجموعة الوطنية بكل كفاءة واقتدار والتزام. 


لم أدلِ بصوتي لأن القناعة ترسخت لديّ بأن الذين وضعوا النظام الإنتخابي النسبي على أساس القوائم الحزبية كانوا يهدفون مع سبق الإصرار إلى تشتيت أصوات الناخبين وتكريس نظام الحسابات السياسوية المعروفة نتائجها سلفا. فمن المعلوم أنه باستثناء حزب حركة النهضة، لا يوجد اليوم في المشهد السياسي حزب واحد له مخزون انتخابي مستقر في كافة جهات البلاد يتراوح بين 20 و25 بالمائة من أصوات الناخبين يضمن له على الدوام بفضل النظام النسبي زهاء ثلث مقاعد مجلس نواب الشعب.


لم أدل بصوتي لأن منظومة المحاصصة الحزبية التي فرضتها علينا الترويكا ومن وقف إلى جانبها خلال الحقبة التأسيسية أورثتنا نظاما سياسيا هجينا وغير ملائم لطبيعة مجتمعنا وتقاليده السياسية والثقافية. فهو نظام المنزلة  بين منزلتين لا رئاسي ولا برلماني إنكشف سريعا أن ذريعة الخوف من "التغول" وقطع دابر الإستبداد التي تحصنوا بها وصدَّعوا بها آذاننا عند إقرار صلاحيات السلطة التنفيذية في الدستور الجديد لم تكن سوى بعبع لتخويف التونسيين فابتلع بعضهم الطُعم وانطلت عليهم الحيلة.  


لم أدل بصوتي لأن رئيس الجمهورية المنتخب بالاقتراع الشعبي المباشر في بلدي والذي يُفترضُ أنه يحظى بشرعية سياسية وشعبية لا يضاهيه فيها أحد لأنه المؤتمن على الوحدة الوطنية واحترام الدستور ومؤسسات الدولة وحماية الأمن القومي والفصل بين السلطات وهو القائد العام للقوات المسلحة  والممثل الأعلى للبلاد في المحافل الدولية ... لا يملك حتى صلاحية عرض مبادرة تعديل دستوري على الإستفتاء الشعبي إلا بعد المصادقة عليها من ثلثيْ أعضاء مجلس النواب. 

مما يعني اليوم أن رئيس الجمهورية المُنتخَب من قبل حوالي 3 ملايين ناخب بنسبة  تناهز 73 بالمائة  من الأصوات مُكَبَّلٌ في مبادراته بمصادقة أغلبية برلمانية معظم النواب فيها مُنتَخبون بما يُسمى "أكبر البقايا" في النظام  النسبي، والتي لا يتجاوز عدد أصواتها بضع آلاف وفي أغلب الأحيان بضع مئات إن لم تكن بضع عشرات من أصوات الناخبين!  


لم أدل بصوتي لأنه مهما كانت النتائج التي تفرزها الانتخابات وفق نظام القوائم النسبية، فإن السلطة الحقيقية باقية بأيدي الحزب المتحكم في الحزام السياسي الداعم للحكومة والأحزاب الموالية له والتي يتغير وزنها ونفوذها بتغير عدد النواب القادمين إلى كتلها البرلمانية أو المغادرين لها  بفضل ما تمنحه "السياحة الحزبية" للنواب من حرية مخزية في المتاجرة بذممهم والتلاعب بأصواتهم والعبث بثقة ناخبيهم. 

 

لم أدل بصوتي لأنني على يقين أن منظومة المحاصصة الحزبية لا يهمها من السلطة سوى الاستحواذ على غنائمها والبقاء فيها وتوظيفها لخدمة المصالح الخاصة والفئوية، وأن تلك المنظومة ستؤدي ببلادنا إلى هاوية ما دام هؤلاء السماسرة وتجار النخاسة السياسية جاثمين على صدورنا يتلاعبون بحاضرنا ويعبثون بمستقبلنا، ولا أستثني هنا أحدا من الأطياف السياسية المهيمنة على الساحة إلا من رحم ربي.


لم أدل بصوتي بعد أن قرأت كتاب الدكتور منصف وناس" الشخصية التونسية: محاولة في فهم الشخصية العربية " الذي صدر في موفى 2010  ويقول فيه: "إن الشخصية التونسية لا تملك المبادرة ولا الجرأة ولا هي قادرة على التغيير والخلق ...إن هذه الشخصية منجحرة بالأساس ولا تواجه المشاكل بطريقة مباشرة ... ولا تفضل على الأرجح ممارسة المواطنة بشكل واضح ومشروع، وتلجأ إلى إستراتيجية السلوك الالتفافي والتوسط وحتى التحايل من أجل قضاء أبسط الشؤون اليومية..."


لم أدل بصوتي بعد أن استرجعت ذاكرتي ما قاله الوزير الأكبر خير الدين باشا في كتابه "أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك" الذي نُشِر عام 1867 وما زال يمثل مرجعا تاريخيا ثمينا لمعرفة الحال الذي كانت عليه الدولة التونسية قبل سنوات قليلة من إذعان محمد الصادق باي للوزير الفاجر مصطفى بن اسماعيل وتوقيع اتفاقية باردو التي كرست استعمار تونس: "إن العدل والحرية هما ركنا الدولة، وإن الذين يقفون في وجه الإصلاح إما جهلة لا يعرفون كيف تقدم العالم وكيف اصلح عيوبه وأسس نظمه (...) وإما قوم يعلمون وجوه الإصلاح ومزاياه، ولكنهم يرون أنها تسلبهم منافعهم الشخصية التي تتوافر لهم بالاستبداد والفوضى ولا تتوافر بالنظام...".


لم أدل بصوتي لأن تونس في غنى عن ولاية تشريعية زائفة أخرى على غرار التي سبقتها ما دامت الوجوه هي نفسها والممارسات والأفكار هي نفسها والأحزاب هي نفسها، والأدوات الدستورية السائدة هي نفسها والخزعبلات والألاعيب والدسائس هي نفسها...لأن ذلك سيقود البلاد إلى التهلكة. 


لم تبق أمامنا إذن خيارات كثيرة، لا بل إن الخيار الوحيد المتوفر اليوم أمام التونسيين للخروج من النفق بالوسائل القانونية والسلمية ليس متاحا إلا لرئيس الجمهورية قيس سعيد. فهو الوحيد في المشهد الوطني الذي يملك شرعية سياسية وشعبية لا يجادله فيها أحد، وهو الذي استأمنه ملايين التونسيين على وحدة البلاد ومناعتها وأوكلوا له مهمة إصلاح ما أفسدته حكومات تقاسم الغنائم وبرلمان المحاصصة والتجاذبات السياسية العقيمة التي لا يبدو أنها ستغيب عن المجلس الجديد، وهو يعلم جيدا أن الإبقاء على النظام السياسي الحالي يمثل تكريسا للجمود والرداءة والعجز وأن التوافق يمثل أحيانا أسوأ الخيارات للإبقاء على وضع متعفن.


إن التونسيين يريدون رئيسا قويا فاعلا منصتا لمواطنيه واثقا من شرعيته وقدرته على إصلاح  أدوات العمل السياسي المهترئة التي ورثناها عن الحقبة التأسيسية. فالرئيس قيس سعيد، بحكم اختصاصه ومسيرته الأكاديمية، يعلم أن دستور 2014 لم يكن "أفضل دستور في العالم"، وأن النظام السياسي الذي أفرزه هو مجرد نظام محاصصة حزبية وتقاسم بذيء للسلطة ومراكز النفوذ، وهو يحتاج إلى مراجعة وتعديل سيما من حيث ضرورة تغيير النظام الإنتخابي و اعتماد الترشيحات الفردية في الانتخابات التشريعية في دورتين وتحديد طبيعة النظام السياسي من أجل إقرار نظام حكم رئاسي أو  برلماني أو نظام ينطلق من المحل إلى المركز وفق رؤية ألأستاذ سعيد. فهو من عبر يوم 22 أفريل 2017 لصحيفة "الجمهورية" عن امتعاضه من البناء الدستوري في صيغته الحالية عندما قال :

"اليوم أثبتت الأحداث أن هذا البناء الدستوري والسياسي الذي قدموه على أنه بناء جديد هو في الواقع تواصل للبناء القديم.. يحمل الدستور الجديد تاريخا جديدا ولكن لم تتغير الأوضاع ولم يتغير الفكر السياسي الذي مازال سائدا عند الكثيرين..وكثيرون هم اليوم في السلطة أو في دوائرها يعتقدون أنهم قادرون على صنع التاريخ الجديد بتاريخ قديم، لم يتعظوا بالماضي وما زالوا مصرين على التمسك بأهداف الماضي بل برفات الموتى داخل القبور…".

نحن في انتظار الإستماع إليك يا سيادة الرئيس.

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter