قانون المخدرات في تونس : متى تعديل التجريم ؟
الحكم بـ17 سجنا على شاب بسبب استهلاك مادة الزّطلة
كتلة الإصلاح تُقدم مبادرة لتنقيح القانون عدد 52 المتعلق بالمخدرات
رفض مطلب الإفراج عن 3 شبان حُوكموا بـ30 سنة سجنا من أجل تعاطي مادة الزطلة
المشيشي: يجب تنقيح القانون عدد 52 لأن المنظومة الزجريّة فشلت
مبادرة تشريعية جديدة لتنقيح قانون المخدرات
لايزال القانون 52 القانون الخاص بالمخدرات مثيرا للجدل في تونس بسبب العقوبات الجزرية التي يحتوي عليها و التي تتراوح بين سنة و خمسة سنوات من اجل الاستهلاك الشخصي و بين ستة الى عشرة أعوام من اجل الإنتاج او المسك او الإنتاج، و بين عشرة أعوام إلى عشرين عاما من اجل تخصيص او استغلال مكان لتعاطي أو ترويج المواد المخدرة أو خزنها أو إخفائها.
و عاد موضوع المخدرات ليطفو على الساحة من جديد بعد الحكم بالسجن ب17 سنة لطالب يبلغ من العمر 21 سنة من اجل استهلاك القنب الهندي و أيضا بعد قضية الكاف و التي قضت فيها المحكمة بالسجن لمدة 30 سنة لثلاثة شبان بتهمة استهلاك القنب الهندي في معلب رياضي.
و اعتمدت محكمة الكاف في حكمها على حكم مشدد حسب ما ينص عليه الفصل 11 من قانون عدد 52 لسنة 1992 و الذي ينص على انه : يحكم بأقصى العقاب المستوجب للجريمة المقترفة على كل مرتكب لإحدى الجرائم السابق ذكرها والتي تكون مرتبطة بإحدى الحالات التالية :
إذا ارتكبت ضد قاصر لم يبلغ 18 عاما كاملة أو بواسطته أو بتحريض من أصوله أو ممن له سلطة عليه بداخل مؤسسة تعليمية أو تربوية أو اجتماعية أو رياضية أو ثقافية أو إصلاحية.
إذا حصلت بالأماكن التي يرتادها العموم التالية: المساجد والنزل والمقاهي والمطاعم والحدائق العامة والمؤسسات الإدارية والمواني الجوية والبحرية والملاعب الرياضية والمؤسسات الصحية والسجون.
إذا ارتكبها أو شارك فيها أحد الأشخاص الذين مهد إليهم القانون مكافحة ومعاينة جرائم المخدرات والبحث فيها.
إذا ارتكبت من قبل أحد الأشخاص المسؤولين عن إدارة أو حراسة الأماكن التي تحفظ أو تحجز بها المواد المخدرة".
و رفضت محكمة الاستئناف بولاية الكاف يوم 16 فيفري 2021 طلب الافراج عن الشبان لتأجل القضية الى يوم 9 مارس المقبل و هو طلب محامي الشبان أيضا قامت المحكمة بمراسلة وزارة الشباب والرياضة للتثبت ما اذا كان الملعب الرياضي مستغلا او مهجورا.
و اعتبرت منظمات المجتمع المدني و منظمات دولية ان القانون 52 قانون قمعي و ينتهك حقوق الانسان و هو الوصف الذي اعتمدته منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الخاص بالقانون، و في هذا الاطار تقدمت كتل نيابية بمجلس نواب الشعب بمبادرات لتنقيح القانون و نظمت منظمات المجتمع المدني ندوات و لقاءات للضغط و للتفكير في مبادرات تعديل القانون.
في هذا السياق التقي رئيس الحكومة هشام المشيشي يوم 13 فيفري 2021 بمجموعة من الشبان و ممثلي المجتمع المدني على غرار الجمعية التونسية للوقاية من الإدمان، و رحب خلال لقاءه بمبادرات و مقترحات المجتمع المدني لإعداد مبادرة تشريعية لتنقيح قانون المخدرات، و قال رئيس الحكومة هشام المشيشي خلال لقاءه منظمات المجتمع المدني أن المنظومة الزجرية الحالية :" فشلت في التخفيض من معدلات استهلاك المخدرات و ساهمت في القضاء على مستقبل العديد من الشباب التونسي ووجهتهم نحو الانحراف والتطرف والعنف والجريمة "، كذلك أشار رئيس الحكومة الى أهمية التعاطي مع قضايا المخدرات من منظور صحي و ذلك تماشيا مع التزامات الجمهورية التونسية فيما يتعلق بعدد من الاتفاقيات الدولية المصادق عليها.
يذكر ان رئيس الحكومة كان قد انتقد في وقت سابق الحكم الذي قضت به المحكمة بالكاف بالسجن 30 سنة على ثلاثة شبان، و وصفه :" بالحكم القاسي " و قال حينها :" القضاء يطبق القانون و قام بدوره في هذا الخصوص لكن في رأي الشخصي يجب مراجعة هذا القانون فمن المبالغ فيه الحكم بالسجن 30 سنة من اجل الاستهلاك، و رغم تأكيدنا ان استهلاك المخدرات يبقى جريمة الا ان دورنا يتمثل في الإحاطة بالشباب و ليس تطبيق الاحكام قاسية والتي قد تؤدي الى نتيجة عكسية ".
موقف رئيس الحكومة هشام المشيشي لا يختلف كثيرا على مواقف رؤساء الحكومات السابقين حيث دعا رئيس الحكومة يوسف الشاهد في تصريح اعلامي يوم 18 فيفري 2017 الى تعديل قانون المخدرات وإلغاء عقوبة السجن على المستهلكين وتشديد العقاب على المروجين، و صادقت حكومة الحبيب الصيد على مقترح قانون جديد خاص بالمخدرات في ديسمبر 2015 و تم ارساله الى مجلس النواب للمصادقة عليه في جانفي 2016 الا انه و امام اعتراض حركة النهضة و حزب نداء تونس حينها لم يتمكن المجلس من النظر في مشروع القانون.
و قدمت وزارة العدل سنة 2017 مقترح قانون جديد خاص باستهلاك و مسك و ترويج المخدرات الا انه احتوى على عقوبات جديدة الامر الذي اثار حفيظة بعض النواب الذين طالبوا بتعديل هذا القانون على غرار نواب حزب افاق تونس، فقامت وزارة العدل حينها بسحب مقترحها.
و منذ انطلاق سنة 2021 و بعد صدور احكام جزرية في حق بعض الشبان انطلقت بعض الكتل النيابية على غرار كتلة الإصلاح و كتلة قلب تونس في تقديم مقترحات تعديل لهذا القانون، و تقدمت كتلة الإصلاح يوم 2 فيفري بمقترح قانون ينص على تغيير العقوبة السجنية بعقوبة مالية للاستهلاك و نص مشروع القانون على انه :"يعاقب بخطية من خمسمائة دينار إلى ألف دينار كل من تعاطى أو مسك بغاية التعاطي الشخصي نباتا أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها قانونا و يمكن مضاعفة العقوبة المالية اذا تكرر الامر". أيضا اقترحت كتلة الإصلاح إمكانية استبدال عقوبة السجن النافذ بعقوبة العمل من اجل المصلحة العامة.
و اقترحت كتلة قلب تونس إضافة فصل جديد ينص على انه :" يعاقب بخطية مالية قدرها من خمسة مائة الى تسعة مائة دينار و بالعمل لفائدة المصلحة العامة او بإحدى العقوبتين كل من استهلك او مسك لغاية الاستهلاك الشخصي او مسك او استهلاك نبات او مادة القنب "، و على غرار كتلة الإصلاح اقترحت كتلة قلب تونس تنظيم عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة بمقتضى امر حكومي.
و للإشارة و بحسب احصائيات الإدارة العامة للسجون و الإصلاح نشرت سنة 2015 يقبع 7451 تونسي في السجون من بينهم 7306 رجلا و145 امرأة، و يكلف سجناء المخدرات الدولة التونسية حوالي 38 مليون دينار سنويا، و عدد مساجين المخدرات مرشح للارتفاع بالنظر الى تعدد الاحكام السجنية في حق مستهلكي المواد المخدرة خلال السنوات القليلة الماضية رغم العقوبات الزجرية ، و هو ما يدل على القانون لم ينجح في ردع او تخفيف عدد المستهلكين في هذا السياق صرح وزير العدل غازي الجريبي الأسبق سنة 2017 ان 25 بالمئة من المساجين متهمون في قضايا مخدرات و كان قد نبه في عدة تصريحات إعلامية من تفاقم هذه الظاهرة.
و تجدر الإشارة في هذا السياق ان العديد من الشبان حرموا من المناظرات الوطنية بسبب تشوه بطاقة السوابق العدلية الشخصية بسبب" السجن من اجل الاستهلاك" و وجدوا انفسهم عاطلين عن العمل هذا بالإضافة الى توجه العديد من مساجين الاستهلاك الى الانحراف بعد عقوبة السجن و ذلك امام انعدام التأطير و المرافقة لهؤلاء الشبان الذين وجدوا انفسهم منبوذين من المجتمع.
و في الوقت الذي تعتمد فيه تونس لعقوبات زجرية اثبتت فشلها في التصدي لهذه الظاهرة توجهت دول أخرى الى اعتماد علاج المخدرات بدل العقوبات السجنية و الغت البرتغال منذ سنة 2001 تجريم تعاطي المخدرات القرار الذي أدى الى تراجع عدد المستهلكين حيث أظهرت احصائيات صدرت عن الحكومة البرتغالية سنة 2018 ان عدد متعاطي الهيرويين انخفض الى النصف منذ قرار الغاء التجريم و الذي كان يبلغ حوالي الف مستهلك في تسعينات القرن الماضي.
و نقلا عن المرصد الأوروبي للمخدرات، يبلغ عدد الوفيات بجرعات زائدة من الهيروين سنة 2015 في البرتغال ستة أشخاص في المليون ممن يبلغ عمرهم بين الخامسة عشرة والرابعة والستين وهو عدد أقل بثلاث مرات من المعدّل الأوروبي، و هو ما يؤكد نجاح التجربة البرتغالية.
لم ينجح قانون المخدرات رغم العقوبات الزجرية في تخفيض او ردع عدد المستهلكين بل اكد فشله في التصدي لهذه الظاهرة و ساهم في تحطيم مستقبل العديد من التونسيين خاصة منهم فئة الشباب، و كان من الاجدر على الدولة التونسية النظر الى ظاهرة تعاطي المخدرات من منظور صحي و معالجة المدمنين و فتح مراكز العلاج بدل فتح أبواب السجون.
رباب علوي
تعليقك
Commentaires