هل تحتاج تونس الى ثورة جديدة ؟
لم يمر الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم امس الاثنين من سيدي بوزيد مرور الكرام ، و كالعادة حرص رئيس الدولة على تمرير رسائل مشفرة الى خصومه السياسيين مع التهديد باطلاق " صواريخ قانونية " ، و بالنظر الى الدلالة التاريخية لولاية سيدي بوزيد موطن الانفجار الثوري ، تحدث الرئيس بحماس و بتشنج وسط هتافات المواطنين الذين تجمعوا أمام مقر الولاية للمطالبة بالتنمية و التشغيل في ولاية لا تزال تعاني من الفقر و التهميش رغم مرور عقد على الثورة .
والملفت في خطاب الرئيس هو حديثه عن أحكام انتقالية مع الإبقاء على الإجراءات الاستثنائية الأمر الذي يبعث على الحيرة فمن جهة تستوجب الإجراءات الاستثنائية العمل بالفصل 80 من الدستور مع تعليق عمل السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية الممثلة في رئيس الحكومة ، لكن و من جهة أخرى تتطلب الاحكام الانتقالية التي سيعلن عنها إيقاف العمل بالدستور و هي أحكام تتنافى مع الإجراءات الاستثنائية التي أخذت شرعيتها من الدستور .
و لم يكن كلام قيس سعيد واضحا رغم لغته العربية الفصحى ، فهل سيلجأ إلى التنظيم المؤقت للسلط كما وقع إبان الانتقال الديمقراطي سنة 2011 ؟ و هل يعلق العمل بالدستور ؟ أسئلة طرحها التونسيين و و لم يجدوا لها إجابة ، ثم تحدث قيس سعيد عن " عدم المساس بالحقوق والحريات " هل هذا يعني هذا أنه سيتم الإبقاء على باب الحقوق و الحريات في الدستور مع تعديل باقي الفصول أم هل ستقوم الأحكام الانتقالية بإلغاء جميع أبواب الدستور ؟ .
خطاب قيس سعيد الغامض زاد في حيرة التونسيين ، و لا يعرف مصير البرلمان والدستور التونسي إلى اليوم لكن المؤكد هو عمل رئيس الدولة على تغيير النظام السياسي والقانون الانتخابي ، و قد يلجأ حينها الى استفتاء شعبي ، لكنه في نفس الوقت قد يجد نفسه في عزلة سياسية خاصة إذا قام بالغاء الدستور فاغلب الاحزاب السياسية التي ساندت قراراته يوم 25 جويلية 2021 رفضت إلغاء العمل بالدستور وهو الموقف الذي تبناه كل من التيار الديمقراطي و التكتل الديمقراطي على سبيل المثال ، ثم لم يتحدث رئيس الدولة عن إجراء انتخابات تشريعية مبكرة وهو ما تعول عليه بعض على غرار الدستوري الحر وهو الحزب الأقرب للفوز في الانتخابات التشريعية حسب استطلاعات الرأي .
أيضا لا يزال مصير الحكومة غامضا فبعد مرور أكثر من خمسين يوما على اعلان الاجراءات الاستثنائية لم يعلن عن رئيس الحكومة بعد و تعليقا على تنامي الدعوات لتشكيل حكومة في أقرب وقت قال قيس سعيد في خطابه يوم أمس أن القضية ليست قضية حكومة بل "قضية منظومة كاملة " و تساءل قائلا " هل انتم بحاجة الى حكومة أم الى لصوص ينهبون الشعب هم يريدون العودة إلى ما قبل يوم 25 جويلية لكن لن يعودوا أبدا أنا لم أتأخر ولم اتقدم اللحظة تركت الوقت للفرز حتى تسقط عن البعض آخر ورقة توت ". في نفس الوقت تعاني تونس من أزمة اقتصادية خانقة وسط تخوفات من موجة جديدة من فيروس كورونا لذلك يعد تشكيل الحكومة امرا ملحا بالنظر الى دورها في تسيير شؤون البلاد ، و في الأخير يبحث التونسي عن لقمة عيش و عن "شغل و كرامة وطنية" ولا تهمه الصراعات السياسية و لا الدستور التونسي .
و لم يكن اختيار مكان خطاب رئيس الجمهورية في سيدي بوزيد من وحي الصدفة فهو اختار التوجه إلى التونسيين من مهد الثورة التونسية و لعله بذلك يبشر بثورة جديدة خاصة بعد تأكيده يوم امس ان تاريخ الثورة التونسية هو يوم 17 ديسمبر من سيدي بوزيد و بعد قوله بأن تاريخ يوم 14 جانفي 2011 هو تاريخ إجهاض الثورة التونسية . فهل تحتاج تونس إلى ثورة جديدة ؟
رباب علوي
تعليقك
Commentaires