alexametrics
أفكار

من اجل رجة وطنية

مدّة القراءة : 3 دقيقة
من اجل رجة وطنية



نريد من الحد من توغل النهضة، فرض التوازن ورفع  الهيمنة وهو امر مشروع اخلاقيا وسياسيا، وهو صمام أمان لديمومة التجربة الديمقراطية. والحقيقة ان النهضة لاتمثل سوسيولوجيا وانتخابيًا وبرلمانيًا وحزبيًا الأغلبية لا المجتمعية ولا السياسية. وهذا يجب ان يكون واضحا ومفهوما لدى النهضة، شيخًا وقيادة وكتلة و قواعد ومناصرين. وهذا لا علاقة له لا بالاستئصال ولا بدعوات التخويف بالعودة الى السجون او المنافي بل هو من جوهر الخيار الديمقراطي.

 

 فليس مكتوبا على التونسيين ان يعيشوا تحت وطأة استبداد الأقلية، خاصة وان هذه الأقلية على أهمية الفوارق التي تفصل بينها وبين القوى السياسية ما زالت مدعوة الى القيام بمجهودات كبيرة لتؤكد انخراطها في المنتظم السياسي المدني و في أسس الدولة العصرية التي تحكم بالقانون وبالمؤسسات وليس بتأويل  مخصوص منغلق  للمرجعية الدينية. وما يجب ان يفهمه الجميع أن قوة النهضة تكمن في ضعف القوى الوطنية وتشتتها. ولكن واقع الانقسام والتشتت والتي ما انفكت النهضة تغذيه وتعمقه لا يعطيها مشروعية التسلط والهيمنة والنزوع الى دكتاتورية الطرف الفائز الاول انتخابيًا. استطلاعات الراي الاخيرة تجعل النهضة في المرتبة الثانية احيانا بعد قلب تونس وفي كثير من الأحيان بعد الحزب الدستوري الحر.

 

قياسًا على  ما فَتِئَ الرئيس قيس سعيد يذكر به وهو في صميم الوعي المتنامي بقضايا الديمقراطية في العالم فالديمقراطية لا تقتصر على نتائج صندوق الانتخاب، ولا تقوم فقط على التوازنات الانتخابية البرلمانية. فهذا تبسيط و تسطيح للخيار الديمقراطي. الديمقراطية في العالم تقاس بالحوكمة الرشيدة وبشرعية الإنجاز او الحصيلة وبالخصوص في تزكية الشعوب لسياسات الحكام. الانتخابات الديمقراطية وحدها لم تشفع للرؤساء المنتخبين ولا للحكومات المنتخبة و ولم يَقِهَا ردود فعل الشارع ردودا احيانا مدوية.

 

ان محاولات النهضة التستر وراء أسلوب التظلم ولعب دور الضحية ضد دعاوى الاستئصال لم تعد تقنع التونسيين. من حق القوى السياسية بل من واجبها التي تختلف مع النهضة التنسيق والتحالف على أساس البرامج والبدائل وتجاوز خلافاتها الثانوية بهدف خلق التوازن وافتكاك الدورالقيادي في إدارة العملية السياسية و مسار الانتقال الديمقراطي. وهو امر لم يَعد مشروعا فقط وإنما هو مستحب على المستوى الاقتصادي و متاكد باعتبار الفشل الذريع الذي ميز إدارة النهضة لشؤون البلاد طيلة استمرارها دون انقطاع على راس هياكل الدولة وتغلغلها في مفاصلها الأساسية.

 

الخلاف مع النهضة يكمن أساسًا في حصيلتها الكارثية على مستوى الاقتصادي والاجتماعي على الرغم من تلويحها بخياراتها الليبرالية والبراغماتية ودون نسيان الآثار السلبية على تربية الناشئة والأجيال القادمة نتيجة سيطرة الأفكار المتعصبة والمتطرفة لمشروعها التربوي والثقافي ودون التغافل على خطورة انصياعها في محاور ايديولوجية ومذهبية وجيو استراتيجية ضيقة. النجاح في تحقيق التوازن لا يتأتى من خلال تجميع الدكاكين و الشخصيات التي فقدت الكثير من صدقيتها ومصداقيتها. الخطوات الأولى في تحقيق التوازن ينطلق اليوم من خلال تظافر جهود الجميع من اجل خلق كتلة نيابية هامة بإمكانها ان تحتل المرتبة الأولى وان تجمع تحت ظلالها ما يقارب السبعين نائبا وهذا ليس بعسير اذا ما توفرت الإرادة والتغلب على الأنانية والنرجسية وعدم الخلط بين طبيعة التناقضات وسلم الأولويات.

ان ما راكمته ثلة من ابرز ومن أفضل ما عرفه التونسيون طيلة تجارب المجلس التاسيسي ومجلس نواب الشعب في المدة النيابية الأولى وفي الأشهر الأولى من العهدة الثانية ليمثل ارضية صلبة قادرة بان توحد بينها نظرا لوجود عنصر الثقة والتجربة والخبرة بينها. هذه المجموعات خبرت بعضها البعض في كثير من المحطات والأزمات وصار ما يجمع بينها اكثر مما يفرقها ويمكن ان يتجسد ذلك في وثيقة سياسية تحدد القواسم المشتركة وخارطة الطريق للمراحل القادمة. هذه الكتلة لا تكون علة وجودها معاداة النهضة بقدر ما هي مدعوة الى التعريف بهويتها بالإيجاب اي بتقديم التصورات والمقترحات لأسئلة التونسيين مع الإفصاح عن خلافها الجوهري والعميق مع مشروع النهضة طبعًا ومع تأكيدها على التزامها بمكافحة الفساد ودفاعها عن الحوكمة الرشيدة ودفاعها عن الخيار التعددي والديمقراطي والمشروع الوطني العصري . ويتطلب هذا الطموح نسيان جراح الذاكرة وأحقاد الماضي البعيد والقريب وتفادي التسرع والهرولة لكسب معارك الزعامة والقيادة. هذه كتلة الخلاص الوطني التي ننشدها والتي يتطلع لميلادها التونسيات والتونسيين من اجل عودة الأمل واستعادة الثقة في الحاضر وفي المستقبل لاننا تعودنا القيام باكرا ولاننا قرانا مكيافيل واعدنا قراءته واتضح لنا انه على غرار الكولوسترول في جسم الإنسان هناك ماكيافيل المفيد وهناك ماكيافيل المضر بل ذهبت القراءات الجديدة في عالمنا اليوم وعند اغلب علماء السياسة ينزع الى رد الاعتبار لماكيافيل و تخليصه من كل الشوائب التي علقت به من قبل بعض محترفي السياسة.

لا داعي مستقبلا للنهوض باكرا ولا داعي لإزعاج ماكيافيل غنوشي هو الذي وضع حدا لغنوشي. انها نهاية مرحلة وانتهاء صلاحية. انها حركة التاريخ وديناميكية الجغراسياسية. لم يعد يجدي التذرع بانتصار عددي مغشوش ووقائم على التزييف والخيانة والتحالفات غير المبدئية وغير الأخلاقية. قلناها ونعيدها منذ انتخابات 2019 ونتائجها انه انتصار في طعم العلقم. من باب الحد الأدنى الأخلاقي في ظل فقدان الثقة من ابرز الكتل النيابية وتضم خيرة نواب المجلس قيمة وإزاء وخصالا من غير المستبعد ان يتولى بنفسه تقديم استقالته في اول عودة للنشاط البرلماني. القطيعة من حيث الجوهر حصلت، وما عدا ذلك تفاصيل و قضية وقت ليس الا فمالا بعد تهاوي 30 جويلية الا السقوط وان غدا لناظره قريب. ماذا بقي للفنان لو خسر جائزة الجمهور والنقاد والمبدعين. انتهى الغنوشي وعليه هو أولًا ان يقبل بذلك ومعه حركته وقياداتها ومناصروه بعد ان خسر ابرز حلفاء الامس و سوف لا يشفع له تعلق الكائنات الجديدة المتطرفة والمتهورة والمراهقة به و التي ساهمت على العكس في الإساءة له و لصورته وللحركة.

تونس دخلت مرحلة ما بعد الغنوشي غير المأسوف عليه. لا أتمنى للغنوشي ان تكون نهايته على غرار الوزير الاول الاسرائيلي شارون الذي بقي ما يزيد عن الثماني سنوات في موت سريري. و هنا أتكلم طبعًا على الموت السريري السياسي.


 

 

 المنصف عاشور

ناشط سياسي مستقل

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter