هل لرئيسة الحكومة نجلاء بودن أسباب تدفعها لتقديم إستقالتها ؟

لم تتوقف الشائعات التي تتعلّق باستقالة رئيسة الحكومة نجلاء بودن عن التف في الأيام الماضية، ولكن هذه الأخيرة قد قام بنفيِها وتكذيبها الناطق الرسمي  باسم الحكومة نصر الدين النصيبي اليوم الخميس 12 ماي 2022، إلا أنّ هذا الإشاعات على الرّغم من تكذيبها فإنّها تُخفي أزمة داخل أسوار القصبة.

تم تعّينها نهاية سبتمبر  2021، في القصبة لتحل محلّ سيّء الحظ هشام المشيشي، الذي أقيل في ظروف غير عادية خلال انقلاب 25 جويلية. منذ ذلك الحين ، ظلت نجلاء بودن في الظلام لا يُسمع لها صوت. ظلّت تمارس وظيفتها في ظلّ حماية ومتابعة الرئيس قيس سعيد  الذي عينها ، ربما هي تفضل تجنب لفت الانتباه ووضع الأنظار عليها تفاديا لما حصل للّذين قبلها من رؤساء حكومات الذي كانوا بارزين في الإعلام ولا يُخف لهم صوت وبعد ذلك قد احترقوا واندثروا. 

كان الأمين العام لحزب المعارضة التيار الديمقراطي غازي الشواشي، قد أعلن اليوم الخميس، في تصريح إعلامي له أنّ نجلاء بودن قدمت استقالتها إلى قيس سعيد منذ عدة أيام ، ولكنّه لم ينظر فيها إلى حدّ الآن. وبهذا التصريح ، فإنّ الشواشي ينفض الغبار على كلّ تلك الشائعات التي تداولتها صفحات مواقع التواصل الإجتماعي وأكّد استقالة بودن والبعض من وزراء حكومتها. 

الشواشي في تصريحه الإعلامي اليوم ، قد أكّد أنّ هناك حاليا معارك في الكواليس بين أنصار توفيق شرف الدين و مالك الزاهي على من يخلف نجلاء بودن. كما أشار إلى أنّ هناك وزراء باتوا يتجنبون التوقيع حتى على الوثائق وقدموا استقالاتهم خوفا من تحميلهم مسؤولية تدهور الوضع. 

ما صرّح به الشواشي نفاه وكذّبه تماما نصر الدين النصيبي الناطق الرسمي باسم الحكومة في ندوته الصحفية.

هل لدى نجلاء بودن أسباب وجيهة تجبرها على  للمغادرة؟ في الأسبوع الماضي ، قدمت سجلاً رائعًا إلى حد ما عن حكومتها. وقالت في كلمة بمناسبة عيد العمال "لقد نجحنا في تسديد ديون تونس الداخلية والخارجية ودفع الأجور في مواعيدها". اختيار كلمة "نجحنا " مثيرة للاهتمام هنا. هل يمكننا بالفعل التحدث عن النجاح؟ بالتأكيد لا. كما أكدت نجلاء بودن أنه "رغم التحديات" إلا أن الحكومة "ركزت جهودها وتولت مسؤوليتها لإخراج البلاد من الأزمة". هل هذا كلام من هو على وشك الرحيل؟ الشك وارد.

الأستاذة في  الجيولوجيا والعلوم، نجلاء بودن ، لا تثمثّل الشخصية المثالية والمناسبة لقيادة حكومة في ظروف غير عادية واستثنائية لم تمرّ بها البلاد منذ الثورة. علاوة على ذلك ، فإنّ شخصية نجلاء بودن الغير مناسبة لذلك المنصب لا تختلف كثيرا على شخصية رئيس الدولة الذي تمّ انتخابة بنسبة 73 بالمائة. ولكن مثل كلّ التعيينات المهمة التي قام بها قيس سعيد ، فإنّ الولاء هو من كانت له أفضلية على الكفاءة. 

هذه التعيّينات يقوم بها قيس سعيد كي يُخضع من عيّنهم لسياسة الإنصياع ولا يجد من يقف ضدّه ، هذا الرئيس " مصاب بالتوحد لا يستمع الى أي طرف، يعيش في دائرة مغلقة (...) يرفض الحوار وتصرفاته وسلوكه غريبان جدا.  لا نعلم عنه إلا أنّه أكاديميّ يمارس نظرياته الميتافيزيقية ليتجه بتونس إلى ديكتاتورية التوحد،  الوقت ينفد أمام الحكومة والشعب التونسي وفي المقابل لا أحد يعلم في ما يفكر هذا الرئيس. انه مخطئ إذا ظنّ أنه سينفذ حوارا على طريقته'' هذا كان مقتطف من كلمة عضو لجنة العلاقات مع المغرب العربي في البرلمان الأوروبي خافيير نارت  خلال اجتماع لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان. 

منذ تعيّينها قبل أكثر من سبعة أشهر ، لم تتوجّه نجلاء بودن إلى الشعب ولو حتى بخطاب رسمي واحد ولم تكلّف نفسها العناء لطمأنة الشعب أو حتى إبلاغهم بالوضع الذي تتخبّط فيه البلاد ولا حتى الإجراءات التي تنوي الحكومة اتخاذها. وحتى في الخطب الكلاسيكية التي ألقيت بمناسبة الأعياد الوطنية، التزمت نجلاء بودن الصمت ، وفضّلت أنّ تستمع بكلّ طاعة لخطابات قيس سعيد المتشنجة في كلّ لقاء لهما. 

ومع ذلك ، فإن الوضع لم يكن يستحق خطابًا بل سلسلة من الخطابات لتشرح للشعب ما إذا كان شبح الإفلاس الذي يخيّم على رأسها  مثل سيف ديموقليس حقيقيًا وأنّ ما يفعله فريقها  الحكومي قادر على إبعاده.  

هذا الصمت ، انتقده الفاعلين في الساحة السياسية،  على غرار رئيس حزب آفاق تونس فاضل عبد الكافي ، القائم بأعمال وزير المالية السابق (حكومة الشاهد) ، الذي اعتبر أنّ  نجلاء بودن تواجه بصمتها كارثة مالية وشيكة وبرنامجها "مستحيل التطبيق".

لنُشر إلى أنّ عبد الكافي، قد حذّر من تدهور الأوضاع المالية للبلاد منذ سنة 2017 ، دعا هذا الأخير ، حاكمة القصبة إلى أن تعرض بكلّ علانية برنامج حكومتها في سياق الأزمة الاقتصادية الخانقة. واستنكر اكتشاف الرأي العام لبرنامج حكومة بودن على شكل تسريبات لملف التمويل المقدم إلى صندوق النقد الدولي ، مشيرا إلى استحالة "تمرير" جميع الإجراءات.

في حين أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي هي إحدى الخطوات الحاسمة لاقتصاد البلاد ، تواصل الحكومة التأكيد على أنّ كل شيء تحت السيطرة. سرعان ما أنكر الخبراء الاقتصاديون ذلك،  نفى آرام بلحاج أمس الأبرعاء تصريحات سهام نمصية وزيرة المالية،  التي صرحت أن "خطة الإصلاح التي قدمناها إلى صندوق النقد الدولي كانت مقنعة" مؤكدا أنها أكاذيب تستخدم للتغطية على فشل وشيك. الشيء نفسه من جانب الخبير الإقتصادي عز الدين سعيدان الذي أكّد أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي متوقفة ، مما يثير "اندفاع متهور" من قبل الحكومة التونسية.

وهناك غموض وتضارب حكومي آخر، فريق نجلاء بودن يؤكّد اليوم أنّه لا وجود لأيّ نية في الزيادة في الأسعار في حين أنّ وزير الفلاحة أعلن عن زيادة تخصّ لحم الدواجن والبيض والحليب قبل يومين. وخلف هذا التراجع ، عقد أمس لقاء بين نجلاء بودن وقيس سعيد ، أمرها خلاله بضمان "عدم القيام بالموازنات المالية على حساب الفقراء". بمعنى التخلي عن الزيادة المعلنة قبل يومين.

تراجع يثبت علنا أنّ نجلاء بودن لا سيطرة لها على حكومتها وأنها تتظاهر فقط بقيادة وزراء قيس سعيد.

إذا ، في الوقت الحاضر ، لم تعلن نجلاء بودن رسميا عن استقالتها. ليس هناك ما يشير إلى أنها لن تفعل ذلك في الأسابيع المقبلة. ومع ذلك ، هناك أمر واحد مؤكد ، وهو  أنّ أسباب استقالة بودن متوفّرة .

مترجم عن النصّ الفرنسي (يسرى رياحي)