alexametrics
أفكار

"من لم يكن معي فهو ضدّي" :موسي تكشف عن أكثر وجوه التجمّع فاشيّة وشعاراته رجعيّة

مدّة القراءة : 3 دقيقة


 بقلم: خليفة شوشان

مهاجمة رئيسة الدستوري الحر عبير موسي البارحة الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي ومخاطبته بعبارة "أنت وصمة عار في تاريخ اتحاد الشغل''، ووعيدها وتهديدها الصريح لقيادات المنظمة الشغيلة "بردود مزلزلة" لم يكن مفاجئا للمتابعين لتصريحاتها الاخيرة منذ زيارة المساندة التي أدتها بعض قيادات الاتحاد إلى مجلس النواب مساندة لاعتصام الكتلة الديمقراطية المندّدة بالعنف الممارس عليها من كتلة "ائتلاف الإرهاب" حسب عبارة سامي الطاهري الناطق الرسمي باسم الاتحاد. الجديد فقط هو حدّة هذا الهجوم وافتقاده للحدّ الادنى من اللياقة وخروجه من مستوى الانتقاد إلى إعلان القطيعة النهائيّة والعداوة المفتوحة من قِبَلِ موسي التي كشفت بتشنّجها عن أكثر وجوه التّجمّع فاشيّة وشعاراته رجعيّة، الوجه الذي طالما حاولت إخفاءه تحت خطاب "المدنيّة والتنوير والحداثة والتّصدّي للظّلاميّة".  تهديد موسي عرّى ارتباكها السياسي وجعلها في لحظة تشنّج تحاكي خطاب "ميليشيّات الصّيّاح" الدستوريّة مشهرة في وجوه من يخالفها الرأي شعار أزمنة الاستبداد الدستوري والحكم الفردي ونظام الحزب الواحد "من لم يكن معنا فهو ضدّنا".

الغضبة "العبّوريّة" وارتباكها وتصويبها الأرعن على كلّ من يختلف مع مواقفها وتكتيكاتها من كلّ العائلات السياسيّة والمشارب الفكريّة المتزامن مع حالة الاستنفار الذي يعيشها "ذبابها البنفسجي" الفايسبوكي الذي انطلق في حملة تخوين وتشويه ضدّ الاتحاد وقيادته مفهوم ايضا ومنتظر على الأقل بالنسبة إلى المتابعين للشأن السياسي والمراقبين لخطّ موسي السياسي. فقد جاء ردّها متزامنا مع قرب إطلاق الحوار الوطني الذي دعا اليها الاتحاد واقترحه على رئاسة الجمهورية التي وافقت عليه بعد تردد والذي سارعت موسي مأخوذة بتخميرة نتائج سبر الآراء الى رفضه واعتباره "محاولة لتبييض الاخوان". وهو تشنّج مفهوم من موسي التي بعثرت المبادرة كل أوراقها السياسية ونسفت القاعدة التي أسّست عليها كلّ البروباغندا الحزبيّة وحملتها الدعائيّة وتكتيكها السياسي منذ صعودها إلى البرلمان والمتمثلة أساسا في اعتماد نفس اسلوب الباجي قائد السبسي وحزبه نداء تونس قبل انتخابات 2014  القائم على تعميق الاستقطاب الثّنائي بينه وبين حركة النهضة والدفع به إلى أقصاه وعملت على استنساخه للاستفادة منه ما أمكن لدعم رصيدها الانتخابي والمزايدة على خصومها السّياسيين يساريين وديمقراطيين وحشر كلّ من يختلف معها ولا يصطفّ خلفها في الزّاوية بتخوينه واتهامه "بالتحالف مع الإخوان" وتبييضهم. خطأ موسي القاتل بنظري انّها بنت كلّ استراتيجيتها السياسيّة ايضا على الاستثمار في الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة التي تعيشها البلاد واستغلال حالة الغضب الشعبي والإحباط الذي تعيشه النخب بعد 10 سنوات على الثورة لوضعهم والتونسيين أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إمّا أن يكونوا خلفها يناشدون من خلالها عودة منظومة التّجمّع وبن علي الاستبدادية والفاسدة تحت شعار الأدنى البشريّ الأمن بالاخضاع والخبز الحافي المغموس بالذلّ والمهانة وإمّا أن يكونوا مع منظومة الإخوان والغنّوشي الظّلاميّة ومع الديمقراطية الشكليّة الفاسدة التي فقّرتهم وجوّعتهم وخرّبت نسيجهم الاجتماعي ونمطهم المجتمعي ولم تترك لهم إلا فتات "حريّة مائعة" مختزلة سياسيا في شّعبويات تكفيريّة ومافيوزيّة وفاشستيّة واقتصاديا في اقتصادي ريعي مأزوم واجتماعيا في سعار احتجاجي ووهم كرامة وطنيّة كاذبة.

 

ثنائية قاتلة اعتمدتها موسي في تواطؤ ضمني مع خصمها الاخواني استدعت منها ضرورة شيطنة ورفض كل محاولة لكسر هذا الاستقطاب الحدّي المغشوش الذي جُرّب ففشل والتّصدّي لكلّ خيار ثالث بعنوان "وطني مدني ديمقراطي اجتماعي" يفسد عليها تجارتها الرابحة واستثمارها في الحقد والغضب والإحباط الشعبي ويفتح أفقا جديدا للتونسيين. خيار ثالث مرفوع في منطق موسي هو ما يفسّر استهدافها كلّ الأصوات التقدميّة والديمقراطيّة لا تستثني في ذلك أحدا مهما كان موقفه من حركة النهضة "الإخوانيّة" أحزابا ومنظمات وشخصيات وطنيّة من الكتلة الديمقراطيّة "شعبا وتيارا" إلى عموم القوى والأحزاب اليساريّة وصولا الى الاتحاد، كلّهم تحوّلوا في عرف موسي وجوقتها الى اعداء، وكأنّ دورهم الوحيد الذي يجعلها ترضى عنهم فسح المجال أمامها للدفع بالاستقطاب حتى نهايته بقطع النظر عن راهن البلاد وازماتها وتعبيد الطريق لها لاستعادة السلطة التي تعتبرها ارثا دستوريا. بل قد يكون من المحبّذع لديها أن يصطفوا في طوابير خاضعة وطيّعة تردّد ملزوماتها التي تثير فيها نشوة الحكم "الله واحد الله واحد عبّورة ما كيفها حد" أو "2024 ما تقدّها كان عبير".
ولعلّ المفارقة التي تؤكد "وحدة التكتيك" المعتمد من قوى اليمين الدستوري الفاشي والنهضاوي التكفيري والتواطؤ الضمني بينهما على تعميق معادلة الاستقطاب الثنائي ولو اختلفت الغايات والاهداف، أن نفس الغضب وردّات الفعل المتشنّجة "الموسويّة" ما انفكّ يعبّر عنها "ائتلاف الإرهاب وروابط تخريب الثورة" "المخلوفي" مدعوما من الجناح الأكثر تطرّفا وفسادا داخل حركة النهضة "البحيريّة" (للتذكير فقط فإن الثلاثي موسي ومخلوف والبحيري كانوا حلفاء في معركة اتتخابات عمادة المحامين سنة 2010 دعما لمرشح النهضة والتجمع الأستاذ عبد الرزاق الكيلاني ضدّ الأستاذ بشير الصيد).

 

ما نستخلصه أخيرا أن من أهمّ فضائل الديمقراطيّة قدرتها على فضح تناقضات خطاب القوى السياسيّة وادراك الفارق بين الشعار والممارسة، فموسي التي كانت بالأمس القريب تعلن من المنستير انطلاق ثورة "التنوير" وتزايد بشعارات "الدولة المدنيّة" تسقط في أوّل اختبار سياسي جاد وتتحوّل في لحظات إلى مهدّدة ومحرّضة لأعرق المنظمات الوطنيّة التي طالما أشادت بها واعتبرتها ضمانة وحدة البلاد وصمّام أمانها أمام الظلاميّة والأخونة. لكن ما لا تدركه عبير ومريدوها الذين منحتهم الثورة فرصة للخروج من الصفوف الخلفية ودور "الكومبارس الدعائي" للتجمّع المنحلّ أن تجربة المنظمة الشغيلة الطويلة والمريرة والشاقّة مع أسلافها الأكثر فاشيّة منذ معركة الاستقلالية سنة 65 مرورا بمعركة كسر العظام مع الخميس الأسود الدمويّة سنة 78 وصولا إلى الانقلاب على القيادة الشرعيّة سنة 85 كفيلة بأن تعيدها إلى حجمها الذي تستحقّه. وهجومها وتهديدها للمنظمة يبقى مجرّد رجع صدى لمسيرة حزبها التاريخية الحافلة بالاستبداد في علاقة بالمنظمة وأن استعادتها اليوم في لحظة غضب مجرّد تنفيس يائس عن إحباطاتها الداخليّة والخارجيّة سرعان ما ستعتذر عنها بعد أن يهمس في أذنها مشغّلوه الذين تصالحوا حديثا في "قمّة تبويس اللّحيّ الخليجية" الأخيرة وسيعلمونها قريبا بفكّ اشتباكهم السياسي في تونس. حينها فقط ستدرك "العبّورة" أنّ من أرجلُهم على أرض الواقع التونسي ليس كمن شرّعت أرجلهم على حبال الدعم الخارجي وشركات سبر الآراء "الزّرقونيّة" وعنتريات شبكات التواصل الاجتماعي والميليشيات الفايسبوكيّة. كان بإمكان عبير موسي ومريديها - القدامى من ميليشيا الشُّعب التجمّعيّة والجدد خاصّة من قوى "اليسار الوظيفي" ومتهافتي "النّخب الانتهازيّة" - لو كان يشغلها الحفاظ على المشترك الوطني والدفاع عن المتبقّي من مكتسبات الدولة المدنيّة ضدّ الفوضى والعبث الاخواني لا مجرد مواصلة الاستثمار السياسي والانتخابي الرّخيص في جراحات التونسيين وأزمات البلاد، مواصلة ضغطها السياسي البرلماني والميداني على خصمها السياسي الرئيسي الإخوانيّ بما يعزّز من فرص نجاح الحوار الوطني السبيل الوحيد والاسلم والأقل تكلفة لانقاذ البلاد في عزل النهضة وتغذية التناقضات الداخلية بين شقوقها المتنازعة وجرّها صاغرة كما كان الشأن في الحوار الوطني 2014 إلى مربّع الخيارات الوطنيّة حيث تنتزع كلّ اسلحتها المدمرة المتمثلة في اشاعة التخريب والتكفير والاستثمار في نشر الفوضى لإضعاف البلاد وتشتيت قواها الوطنية ليسهل عليها حكمها. لكن يبدو انّ جينات عبير وحزبها المعدلة على ازمنة الاستبداد بالراي وثقافة الحكم الفردي لم تسعفها بذلك.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter