alexametrics
الأولى

لها الأغلبية في البرلمان - هل تترأس النهضة الحكومة أم تخضع لضغط الأحزاب؟

مدّة القراءة : 5 دقيقة
لها الأغلبية في البرلمان - هل تترأس النهضة الحكومة أم تخضع لضغط الأحزاب؟


تعيش حركة النّهضة، الحزب الفائز في الإنتخابات التّشريعيّة، سباق مشاورات، بعد حصولها على 52 مقعداً نيابياً في مجلس نوّاب الشعب. وجدت نفسها  في وضع لا تُحسد عليه، لتشكيل حكومة وتعيّين رئيس لها، أمام أحزاب وضعت شروطا عسيرة للمشاركة في هذه الأخيرة. 


رغبة النهضة في تشكيل الحكومة المُقبلة وترؤسها واضحة وجليّة، وهذا ما أفصحت عنه بعد إجتماع مجلس شورى الحركة السبت الفارط، بعد أن أنهت هذه الحركة الإسلاميّة المشاورات بينها في إجتماع تقليدي، تبادلت فيه الرؤى والإحتمالات الممكنة لتكوين حكومة على المقاس، خرجت للرأي العام معلنة في بيان لها بتاريخ 20 أكتوبر 2019، أنّها تتمتّع بالحقّ الكلّي في تشكيل الحكومة وترأُسها، وأكّد عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس شورى النهضة، أنّ رئيس الحركة راشد الغنوشي هو أكثر شخصيّة جديرة برئاسة الحكومة.


 اعتبر الهاروني  أنّ قائد الحركة، الغنوشي،  رجل سياسي بامتياز وله علاقات دوليّة محترمة وهو شخصيّة توافقيّة، أيّ أنّه الأجدر برئاسة الحكومة، ولما لا فإنّه قادر حسب الهاروني على رئاسة الدّولة. هيهات بين اعتقاده وبين ما يفرضه الواقع السياسي، ولو كان كما يُخيّل للهاروني، لا قدّم نفسه لرئاسة الجمهوريّة وخاض عصفورهم النادر الإنتخابات الرئاسيّة، ولكنّ الغنوشي أدهى وأذكى من ذلك. 


قبل أن تتّقد نار الحوارات بين النهضة وبقيّة الأحزاب، فقد اشتعلت نيران الصراع داخلها على منصب رئاسة الحكومة، فبعد أن أزاح الغنوشي القيادي بالحركة عبد اللّطيف المكّي من رئاسة قائمة تونس 1 في التّشريعيّة وترشّح مكانه على رأس القائمة ليصل بذلك إلى البرلمان، احتدّ الصراع بينهما مجدّدا من أجل تولّي منصب رئاسة الحكومة، وكانت بيزنس نيوز قد علمت أنّ خلافا وقع بينهما بعد أن طرح اسم الغنوشي والمكّي وشخصية ثالثة لترأس الحكومة، ويبدو أنّ رفض اسم المكي في منصب رئيس الحكومة تعود أسبابه إلى فشله في الوصول لمجلس نواب الشعب.


اعتمدت  النّهضة سياسة جسّ نبض الأحزاب بخصوص المفاوضات لتشكيل الحكومة ، ودخل قياداتها في حرب التصريحات دون أن يدركوا مدى التضارب فيها. اتّسمت التصريحات الإعلاميّة  لقياديّ الحركة بعد انتهاء أعمال مجلس شورى النّهضة يوم الأحد الفارط 20 أكتوبر، بالتّناقض، إلى حدّ التكذيب. 


بكلّ فخر وثقة، قال عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس شورى النهضة، يوم الإثنين 21  أكتوبر، أنّ رئاسة الحكومة معنيّة بها حركة النهضة، قائلا ''إذا لم تحكم النهضة من سيحكم؟''، وذلك في تصريح له لإذاعة إكسبراس أف أم، وأتبع في نفس اللّقاء أنّ النهضة لها الفضل في نجاح الانتخابات بالبلاد، وبيّن أنّها لن تتأثّر بكلّ الإنتقادات والإتّهامات التي وجّهت لها قائلا  ''النهضة ماتخوِّفش وكلّ الذين إستهدفوا النهضة ذهبوا والنهضة تبقى''. 


وأفصح  الهاروني أنّ النهضة قامت بالعديد من المشاورات الأوّلية مع بعض الأطراف السياسيّة وكانت النتائج إيجابيّة، واعتبر أنّ مصلحة تونس في أن يكون رئيس الحكومة من النهضة، قائلا '' رئيس الحكومة يجب أن يكون من النهضة وهذا أمر غير قابل للتّفاوض''.


في تصريح متضارب لتصريح الهاروني الذي اعتبر أنّه لا مجال للتّفاوض في شخصية رئيس الحكومة، قال عماد الخميري الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، أنّ النهضة تعترف بسياسة الشراكة في الحكم، ولم يفته أن يمدح حركته، معتبرا أنّها  تحمل مشروع يجسّد قيم الثورة وقيم حماية النظام السياسي الديمقراطي، وقيم محاربة الفساد، قائلا ''أحنا في طليعة المحاربين للفساد''، مشيرا إلى أنّ النهضة لن تتحالف مع حزب قلب تونس، ولن تتحالف مع الحزب الدستوري الحرّ، ووضفه بـ ''الحزب اليميني الفاشي''.


هذه التصريحات، في ظرف أسبوعين من انتهاء رئاسيّة الدّور الثاني، بدأت تتلوّن وتتغيّر، ونقُصت حدّتها أيضا، النهضة بعد أن تحسّست من بعض الأطراف القريبة لها والبعيدة، موقفهم من رغبتها في ترأس الحكومة وتشكيلها، ذُهلت بمدى رفض الأحزاب السياسيّة لهذا المُقترح، فتغيّر أسلوب خطابها، ونزلت حدّته من خطاب الغطرسة والتكبّر إلى خطاب ودّي ومسؤول، فيه تواضع كبير من حركة وجدت نفسها في مأزق تشكيل حكومة. 


أصدرت النهضة، يوم أمس الخميس 24 أكتوبر، بيانا لها، أعلنت فيه بطريقة مخفيّة أنّها مفاوضاتها فشلت مع الأحزاب السياسية، وذلك في إشارة منها إلى أنّها  ستدخل في مفاوضات مع مختلف الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة وأوّلهم رئيس الجمهورية، قيس سعيّد. كما أنّ القيادي بالحركة، عبد الحميد الجلاصي، في تصريح له اليوم الجمعة 24 أكتوبر، بيّن أنّ  الحركة تعرّضت إلى الكثير من الضغوطات إزاء موضوع تشكيل الحكومة وهناك من وصفها بـ العاجزة عن تكوين الحكومة، موضّحا أنّ المسار القانوني لتشكيل الحكومة لم ينطلق بعد، ومشيرا إلى أنّ الحركة لم تتلقّى أيّ إجابة رسميّة إلى حدّ الآن من أي طرف سياسي.


جوبهت رغبة النهضة الجامحة في فرض سيطرتها وبسط إرادتها في البرلمان وفي رئاسة الحكومة،  بالرفض القطعي من قبل مختلف القوى السياسية التي لا يمكن للحكومة أن تتشكّل بدونها، هذه القوى تسعى إلى تشكيل حكومة تترأّسها شخصيّة غير حزبيّة، مستقلّة، أو شخصيّة أخرى تتمّ الموافقة عليها بالإجماع شريطة أن تكون ليست من قيادات النهضة، وإرتأت  هذه القوى إلى أن يُشرف رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد على تشكيل الحكومة واختيار رئيس لها، بدلا عن النهضة. 


هذا السيناريو قابل للتّحقيق في حال فشلت حركة النهضة في التوصّل إلى التوافق لتشكيل الحكومة، وهي نتيجة واردة وحتميّة،  في هذه الحالة يمنحُ الدّستور لرئيس الدّولة قيس سعيّد، الحقّ في تعيّين شخصيّة وطنيّة لها من الكفاءة والقدرات ما يخوّل لها رئاسة الحكومة، وبالتّالي يكون الشعب قد انتخب رئيسا للدّولة ورئيسا للحكومة لا علاقة لهما بالتجارب السياسية السّابقة، ولا بتحالفات النهضة المتميّزة بالفشل سابقا. 


اللقاءات التحسيسية لحركة النهضة، شملت العديد من الأطراف الحزبيّة في مجلس نواب الشعب القادم على غرار تحيا تونس والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وائتلاف الكرامة وبعض المستقلين باستثناء حزب قلب تونس والحزب الدستوري الحر، ووضعت الحركة خمسة محاور من المقرّر أن تعتمدها في برنامجها الحكومي، المحور الأوّل هو استكمال المسار التأسيسي وتركيز الحكم المحلّي، والمحور الثاني هو مكافحة الفساد وتعزيز الأمن وتطوير الحوكمة، والمحور الثالث هو مقاومة الفقر ودعم الفئات الهشّة والمتوسّطة الدّخل، والمحور الرابع هو إستحثاث نسق الإصلاحات الإقتصاديّة، وأما المحور الخامس ينصّ على تطوير التعليم والصحّة والمرافق العموميّة.


التيّار الديمقراطي، صاحب 22 مقعدا في مجلس النواب، فرض شروطا مجحفة على النهضة، حيث دعا النهضة إلى موافقة على إمضاء وثيقة أمام الشعب تمنح التيار القدرة على ضبط مواصفات رئيس الحكومة القادم الذي يجب أن يكون مستقلّ ونظيف اليد، ونزيه ورجل دولة، أيضا تمكّنها من خلال هذه الوثيقة أن تدخل جملة من الإصلاحات على وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة الاصلاح الاداري، لأنّهما أساس الإصلاح في البلاد. واعتبرت سامية عبو أنّ موافقة النهضة على شروط التيار، فإن مشاركة حزبها في الحكومة ستكون خيبة أمل بالنسبة لمن انتخبه. كما أكّد  القيادي في حزب التيار الديمقراطي، غازي الشواشي، أنّ التيار لن يكون جزءا من الحكومة المقبلة في حالة كان رئيسها أحد قياديّي حركة النهضة.



حركة الشعب الفائزة بـ 16 مقعدا في البرلمان، أعرب الأمين العام للحركة، زهيّر المغزاوي أنّ الحركة لن تشارك في حكومة تترأسّها النهضة، لأنّها مسؤولة بدرجة أولى عن الوضع الكارثي الذّي وصلت له تونس، وإنّ حركة الشعب مع مقاربة سليمة تنصّ على تشكيل حكومة بالإجماع وبرنامج إنقاذ وطني، وأكّد على ضرورة أن يكون رئيس الحكومة مستقلّ وأن يقترحه رئيس الجمهوريّة الّذي لديه شرعيّة أكثر من شرعيّة حركة النهضة. 


وكان زهير المغزاوي، وعضو المكتب السياسي لحركة الشعب، سالم لبيض، قد إلتقيا برئيس الجمهورية قيس سعيد بمقر إقامته، يوم الأربعاء 23 أكتوبر 2019، وتناول اللقاء الوضع العام بالبلاد و القضايا و الملفات المطروحة على الساحة الوطنية و مقاربة حركة الشعب للعمل البرلماني و الحكومي و العلاقة مع مؤسسة رئاسة الجمهورية.

 

التيار الديمقراطي وحركة الشعب، هم من الرافضين بدرجة أولى لتشكيل حكومة يترأسها أحد أعضاء النهضة، وخاصّة رئيسها الغنوشي. حركة النهضة لم يشفع لها فوزها في التشريعيّة في إيجاد طريق مفتوحة لتشكيل حكومتها وترأسها، نظرا لتعثّرها على امتداد ثماني سنوات في الحكم وفشلها في التفاوض. لم يبقى لديها متّسع من الوقت لتختار مجدّدا عصفورها النادر لرئاسة الحكومة، والواضح أنّها لن تقدر على ذلك، وستكون الأيام المقبلة خير دليل على ذلك.

يسرى رياحي


تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter