مفتاح قرطاج - مواجهة بين الزبيدي والشاهد
قبل ثلاثة أيام من غلق باب الترشحات للانتخابات الرئاسية، يسود الساحة السياسية غموض وحيرة، وعادة ما يكون عنصر المفاجأة المحدث لفعل الحركة والتغيير هو المحرك للسكون والغموض، وعنصر المفاجأة هو من يقلب كل المعطيات والحسابات. وهو ما أحدثه إعلان ترشح عبد الكريم الزبيدي للانتخابات الرئاسية. وكثيرا ما تتغير المعطيات بفعل المفاجآت التي تسبب لخبطة في الأوراق لتروي سردية سياسية وانتخابية جديدة متنوعة الأقطاب وغامضة الملامح.
أحدث إعلان ترشح وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي المنتظر يوم غد الأربعاء 07 أوت 2019 عنصر المفاجأة لأغلب الفاعلين في المشهد السياسيين والأحزاب التي تسعى جاهدة لكسب الاستحقاق الإنتخابي الرئاسي السابق لأوانه، والأكثر تشعبا وغموضا وتشتتا، إذ يعتبر المشهد السياسي الحالي الأكثر رمادية من خلال التشتت الكبير لكل العائلات السياسية تقريبا.
لكن ترشح عبد الكريم الزبيدي بعد موجة كبيرة من المناشدة، أطلقتها مواقع التواصل الاجتماعي، وأغدقت عليها مالا وافرا ليصبح الوجه الغير مألوف إعلاميا والبعيد عن الأضواء حديث رواد المواقع الالكترونية، ومتصدرا لكافة عناوين الصحف وباعثا للريبة في حسابات السياسيين. فهم لم يحتسبوا بروز شخصية منافسة، بعد أن كان القلق الوحيد متمثلا في شخصين اثنين وهما رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي والمرشح المستقل أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية قيس سعيد.
لعلّ ترشح الزبيدي، إضافة لفرضه لحسابات جديدة لدى من يراهنون على اكتساح الاستحقاق الرئاسي ودخول قصر قرطاج، ساهم في مزيد من التشتت والغموض على المشهد، ''فالماكينة'' التي تقف وراءه تبدو قوية من خلال قوة إطلاق المعلومة في ظرف قياسي وصناعة شخصية سياسية في وقت قصير ودفعها إعلاميا إلى صدارة الصفوف، وفق ما هو ظاهر من خلال المنصات الالكترونية التي طرحت ترشح الزبيدي للرئاسية والعدد الكبير من التفاعلات معها والتداول الإعلامي الكبير للمسألة والدعم السياسي له.
لكن عنصر المفاجأة عادة ما يقابل في عالم السياسة بالمناورة والمباغتة، وهي ورقة رئيس الحكومة وحزبه تحيا تونس الذي من المنتظر أن يعلن يوم الخميس 08 أوت 2019 ترشيح يوسف الشاهد للانتخابات الرئاسية.
يوسف الشاهد المنافس المحتمل لعبد الكريم الزبيدي:
كان رئيس الحكومة في خطابه الأخير على القناة الوطنية الأولى قد صرح '' أنه على علاقة جيدة بوزير الدفاع وهو لم يتداول معه موضوع ترشحه من عدمه مشيرا إلى أنه قام بدوره في تنظيم موكب دفن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ومن حقه الترشح إذا أراد ذلك. وسيكون الشاهد منافسا للزبيدي على اعتبار أن الاثنين ينتميان للحكومة ومقربين من الفاعلين السياسيين الذين اختار البعض منهم دعم الزبيدي وذلك من خلال تزكيته من قبل عدد من النواب، ودعمه رسميا من حزب أفاق تونس بعد أن قرر مجلسه الوطني مساندته. وحسب مصادر إعلامية سيكون عبد الكريم الزبيدي يوم غد مرفوقا بعدد من الشخصيات على غرار الحبيب الصيد ووزير العدل غازي الجريبي وجلول عياد وكمال النابلي وياسين براهيم بعد جمعه ل14 تزكية من النواب.
وستكون المواجهة بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع ساخنة، إذ سيتقدم الشاهد بمولوده السياسي ذي الثلاثة أشهر، وسيتقدم الزبيدي كمرشح مستقل وهو الذي حافظ على اتخاذه لمسافة عن كل الأحزاب السياسية واختار أن ينأى بنفسه وبالمؤسسة العسكرية التي لا تحتمل التسيس عن كل التجاذبات. وإثر إعلان الشاهد لترشحه رسميا ستنبيّن الخيط الأبيض من الأسود إذ ستعلن عديد الأحزاب عن المرشح الذي ستدعمه ومن خلال ذلك سنتبيّن أكبر دعم السياسي لصالح من سيكون.
لكن تظل حركة النهضة التي لم تعلن لليوم عن ترشيحها لمرشح من داخلها للرئاسية أو دعمها لمرشح من خارجها الأمر الحاسم. فإذا قررت النهضة دعم أحد المرشحين، من الممكن أن تتوضح الأمور قليلا ويضمن مرشح النهضة وجوده في الدور الثاني للرئاسية لكن في مواجهة من ومن ستدعم النهضة؟.
يرى البعض أن الزبيدي هو الوريث الشرعي للرئيس الراحل قائد السبسي وهو الذي بقدرته التجميع وقد عبرت النائبة عن حركة أفاق تونس ريم محجوب عن مساندتها للزبيدي نظرا لوطنيته ونظافة يده من الفساد ولأنّه رجل دولة وفيّ لمؤسّسات الجمهوريّة وفق تعبيرها. واعتبرته رجل المرحلة الراعي للوحدة الوطنيّة والحامي للأمن التونسي والدفاع عن حرمته. وأشارت إلى أن الزبيدي كان وسيكون بخصاله وحياده فوق كل الأحزاب و رجل المرحلة الراعي للوحدة الوطنية والحامي للأمن التونسي والدفاع عن حرمته أمام كل التجاذبات السياسية الحزبية والشخصنة الزعامتية والأخطار الإرهابية و الإقليمية''.
إن القواعد الانتخابية لحركة تحيا تونس ستكون بطبيعة الحال أقل مما كانت عليه قواعد نداء تونس سابقا. وترشح الزبيدي خلق انشراخا كبيرا وهو ما عجل بإعلان الشاهد لترشحه لمواجهة مرشح له حظوظ ومساندة كبيرة من عديد الشخصيات والفاعلين السياسيين.
تشتت كل العائلات السياسية:
يتسم الاستحقاق الانتخابي الحالي بتشتت وغموض كبير، وذلك بسبب ترشح العديد من ممثلي العائلة الوسطية الديمقراطية على غرار يوسف الشاهد ومهدي جمعة ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، وترشح الزبيدي المرشح الغير معلوم التوجهات ولا الأفكار وقليل الظهور الإعلامي، والذي سيتقدم كمستقل ولعله ينجح في استقطاب قواعد العائلة الديمقراطية بما أنه مدعوم من شخصيات سياسية تنتمي إلى هذه العائلة.
بدورها تشهد العائلة السياسية الديمقراطية الاجتماعية تشتتا، فترشح محمد عبو أمين عام حزب التيار الديمقراطي إلى جانب إعادة ترشح رئيس حزب حراك الإرادة المنصف المرزوقي وحمادي الجبالي المستقل عن حركة النهضة والترشح المحتمل لقيس سعيد سيجعل من حظوظ هؤلاء ضعيفة.
مفتاح قرطاج بيد مرشح النهضة:
وبصعود نبيل القروي زعيم حزب قلب تونس في سبر الآراء فإن فوزه ووصوله إلى الدور الثاني من الرئاسية في ظل هذا التشتت بات أمرا محسوما مما يُحتم على حركة النهضة حسم المسألة بدعم مرشحها إما بإعلان مرشح من داخلها أو دعمها لأحد إالمرشحين. وهو ما سنشهده بإعلان الحركة عن مرشحها والتي أكدت أنها ستتخذ موقفها خلال اجتماعها اليوم لكن يبدو أن النقاش قد طال والحوار حاد وقوي داخلها..كما يمكن أن تتنازل شخصيات عن السباق الرئاسي لصالح أخرى وهو ما يمكن أن يوّحد بوصلة الأصوات نحو مرشح واحد إذا خيّر أحد المترشحون ذلك.
بالإضافة إلى تشتت العائلة السياسية الواحدة التي اتفقت أن لا تتفق وأن لا تجتمع، يبدو أن خيوط العملية الانتخابية موجهة نحو اسمين سينافس إحداهما نبيل القروي، وهما يوسف الشاهد أو عبد الكريم الزبيدي. وبما أن الإنقسام سيشق القواعد الانتخابية للمرزوقي وعبو وقيس سعيد، لعل مفتاح قصر قرطاج سيكون بيد حركة النهضة أو من خلال إجراء تنازلات والاصطفاف وراء مترشح واحد، وإلا سيكون المشهد أقرب من الرمادية إلى السواد. فالاستقطاب الهوياتي لم يعد يجدي نفعا في هذه المرحلة ولا الصوت المفيد، بل أضحى الخطاب الشعبوي وحتى وقع المأساة والموت والعاطفة والمزاج الشعبي زادا انتخابيا يوجه العملية الانتخابية برمتها.
سؤالات كثيرة تطرح نفسها والمشهد السياسي يسير نحو مزيد الضبابية، ولعل التنازلات أو التحالفات أو الدعم العلني للنهضة لمرشح سيوضح نوعا ما المعطيات ويُيّسر عملية استشراف النتائج.
سناء عدوني
تعليقك
Commentaires