لماذا فشل اعتصام مواطنون ضدّ الانقلاب؟
بسبب الضغوطات الأمنية : تعليق إعتصام مواطنون ضد الانقلاب
مواطنون ضد الانقلاب يواصلون الاعتصام بشارع الحبيب بورقيبة هذه الليلة
بدأ الأمر كحراك مواطنيّ عفويّ، لمواطنين ومواطنات رفضوا أن يكون رئيس الدولة حاكما بأمره لرعيّة لا حول لها ولها قوّة. انطلق المواطنون في التنسيق دون أيّ لون سياسيّ، وكانوا قلّة في البداية وسط مزاج شعبيّ يُخوّن كل 'اللاءات' التي رفعت بوجه 'مُنقذه'.
وسُرعان ما تحولّ الحراك الاحتجاجيّ الى "هيئة سياسيّة" استغلّت التعبئة لتُعلن امتلاك الأصل التجاري والاستفادة منه للمشاركة في الانتخابات. أيّ انتخابات؟ لا نعلم. فاعلانُ جوهر بن مبارك وزُمرته تحويل هبة مواطنيّة الى مشروع سياسيّ ضحل لدخول سباق انتخابي مؤجل وغير مضمون جاء زمنيا قبل اعلان الرئيس عن اقامة انتخابات في موفى 2022. منذ شهر أكتوبر، وبن مبارك يكثف "الاجتماعات"، في مقاهي المدينة العتيقة، في ساحات الأحياء الشعبية للعاصمة، كقياديّ بالهيئة الوليدة التي تحارب الرئيس ومشروعه للانفراد بالحكم، تحاربه بوجوه ذات مصداقية مشكوك في أمرها استغلت تراجع المساندة لحركة النهضة لاستقطاب شبابها والمُستقيلين منها، والزاد الانتخابي لمُتطرفي ائتلاف الكرامة، والمواطنين القلائل الذين رفضوا الانقلاب في عشيّته، لصناعة مكوّن سياسي هجين يبني مشروعا سياسيا على جثث مشاريع فشلت ورفضت ممثلوها الاعتبارون مغادرة السياسية التي ساهموا في ترذيلها وسمحوا لقيس سعيد باتخاذ فشلهم ذريعة لــ 25 جويلية.
جوهر بن مبارك الذي كان مستشارا لأسوء رؤساء الحكومة مردودا، سميرة الشواشي التي كانت نائبة راشد الغنوشي وسيّرت جلسات برلمان التكفييرن والمتحرشين والمُهربين وتسامحت مع العنف والتطرف وخرق القانون، والتي مازالت قيادية بحزب نبيل القروي الفارّ من العدالة، الحزب ذاته الذي خان ناخبيه وتحالف مع الاسلاميين دون تردد، يمينة الزغلامي التي كانت قيادية بالنهضة ونائبة خلال أحلك الفترات التي عاشتها تونس، سمير ديلو وعبد اللطيف المكي والقائمة تطول...
هؤلاء الذين لفظهم الشعب يقودون عبر بوابة "المعارضة" منتهزين يافطة احتجاج لم يؤثثوه ولم يساهموا في تشكيله. لم فشلت مواطنون ضد الانقلاب في الصمود والاعتصام ونجحت عبير موسي (مثلا) في فرض اعتصامها ؟ لأن اعتصام الدستوري الحر يملك قيادة ثابتة، ومواقف معلومة. أما مواطنون ضد الانقلاب فلا تملك قيادة قادرة على الصمود، بل فُسيفساء من الانتماءات المتضادة جمعتهم صدفة واقع طردهم من الحياة العامّة، لا يجمعهم هدف بل غاية، غاية العودة الى الساحة تحت أي عنوان وبأي ثمن. وفق ما أثبتتهُ الأحداث، فان هذه الزمرة من "القياديين" مستعدون لتغيير مواقفهم وتموقعهم ومبادئهم في أيّ وقت. لا ينتمون الا لأنفسهم، والثلاث سنوات الأخيرة شاهدة على المواقف المتلونة لمن يعرفون أنفسهم على أنهم قياديوا هذا الحراك، تحالفاتهم المؤقتة والصداقات التي تحولت الى عداوات والدفاع المستميت عن مرشحّ رئاسيّ الذي تحول الى تخوين واتهامات.
اعتصام فُضّ بسبب برودة الطقس، اعتصام شخصيات تدعيّ أنها واجهت نظام بن علي برصاصه وسجونه ودبّاباته... لم يكن اعلانُ جوهر بن مبارك الاعتصام خطوة عفوية من وحي الانفعال، بل قرارا نعلمُ أنه اتخذ في احدى "جلسات" هذه الهيئة وصُوّت عليه. فشل مواطنين ضد الانقلاب في أول امتحان له، والحشد للاعتصام ومغادرة أغلب المحتجين لمشاهدة المباراة، لا يعود للهرسلة الأمنية، فكلّ الاعتصامات تعرضت للهرسلة، اعتصام القصبة، باردو، اعتصاماتُ أصحاب الشهائد العليا... بل لغياب التأطير الحقيقيّ والارادة الفعلية، والشجاعة، وغياب قيادة قادرة على التعبئة والمقاومة، بعد مهرجان خطابيّ حماسيّ لاثبات أنهم "لم يُنسوا"، وأنّ لهم "أنصارا" يصفقون للتصريحات الناريّة والوعيد باسقاط النظام والاعتصام حتى "ترنّح الانقلاب".
حوّلت هذه الهيئة السياسية التي لا مطمع لها سوى الاستفادة من الظهور الاعلاميّ- المواطنين الذين رفضوا الانقلاب الى مجرد أنصار، و شوّهت حراكا احتجاجيا واعدا لم تقدرعلى احتوائه أو انجاحه وضمان ديمومته واستمراره وحولّته الى مشروع قائمة انتخابية ائتلافية.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires