أول زلاّت الحبيب الجملي - أخطاء اتصالية بالجملة
تمثّل الحرفيّة في انتقاء تقنيات وأساليب الإتّصال والتواصل من طرف المسؤولين في الدّولة لمخاطبة الشعب المعيار الذي يحدّد مدى مصداقية وثقة المسؤول في كلامه وهي المحدّد لمدى تأثير الخطاب على المواطن إن كان بقبوله أو رفضه شكلا ومضمونا.
لكلّ فرد أسلوبه الخاصّ في الحوار والكلام وفي اللّباس بكلّ حرّية وأريحيّة ولكن حين يُصبح أحد الأشخاص مسؤولا في الدّولة خاصّة حين يتقلّد أحد المناصب العُليا بها، فإنّ حرّيته في تلك التفاصيل تُصبح تحت المراقبة وقابلة للنّقد على مستوى كلّ الجوانب وهو ما يجعله مطالبا بتحمّل المسؤوليّة إزاء كلّ تلك التفاصيل ومحاولته للنّأي بها عن كلّ النقد اللاّذع احتراما لهيبة الدّولة التي يجسّدها شخصه.
يبدو أنّ الفريق الإعلامي التابع لرئيس الحكومة المُكلّف من طرف حركة النهضة الحبيب الجملي، يفتقر إلى آليات وأساليب الخطاب وغابت عنه مفاهيم وطرق نقل الحوارات الإعلاميّة إلى الشعب وهو ما لاحظه الرأيّ العام في غياب الأناقة في ملابس الجملي وفي طريقة كلامه وفي سوء اختيار الأماكن التي يقوم فيها فريقه الإعلامي بتصوير فيديو له وحتى طريقة تصويره.
بعد أيام من تعيّينه، ظهُر الحبيب الجملي خلال إجتماع له بدار الضيافة بقرطاج يوم 27 نوفمبر 2019، مُرتديا بدلة في اللّون البنّي الفاقع مع جوارب رياضيّة جعلت منه محلّ سخريّة الرأي العام و الذي انتقدوا مظهره الذي لا يمثّله فقط بل هو ممثّل لكافّة التونسيّين وصورته هي صورة للدّولة وهيبتها محلّيا ودوليا. رئيس الحكومة المُكلّف ليس مطالبا بالظهور في بدلات فخمة وأقمصة فاخرة ولكنّه مطالب بالحرص على احترام الذّوق في الألوان خاصّة وأنّ السياسيّين يوحّدهم تقريبا مظهر واحد وهو ارتداء بدلة يكون غالبا لونها داكن في الأزرق أو الأسود مع اختيار ربطة عنق تتناسب وتلك الألوان. الجملي بارتدائه لتلك البدلة بنيّة اللّون خرج عن المألوف الذي استأنس به المواطن وجعل هيبة الدولة ومؤسّسة رئاسة الحكومة محلّ انتقاد كلّ الأشخاص وحتى أنّ البعض رأى أنّه لا يليق بمنصب رئيس حكومة. هذه الإنتقادات أتت أُكلها وأثّرت في رئيس الحكومة المكلّف وجعلت منه يغيّر من مظهره وقام بارتداء بدلات رسميّة ذات لون داكن بها أزرار أكمام وأصبح في مظهر مقبول ومميّز، ليُثبت أنّه صاحب ذوق وقادر على التغيّير.
هذا التألّق في المظهر وحسن اختيار البدلات الرسميّة لم يجعل رئيس الحكومة المُكلّف الحبيب الجملي يظلّ في منأى عن الإنتقادات والسخريّة من الرّأي العام نتيجة للفيديو الذي نشره يوم أمس الثلاثاء، على موقعه باليوتيوب والذي توجّه فيه بخطاب للشعب التونسي ليمدّهم بآخر تطوّرات تشكيل الحكومة المقبلة ومعايير توزيع الحقائب الوزاريّة.
في هذا الفيديو نجد أنّ الجملي فقد ذوقه في اختيار بدلاته الرسميّة حين ارتدى بدلة رمادية داكنة اللّون في حين أنّه جالس أمام جدار قاتم اللّون ويحيط به ديكور باهت وهو ما يجعل من المشاهد غير قادر على التميّيز بين مكوّنات هذه الصورة، كما أنّ الظهور الباهت لرئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي قبل أن ينبس ببنت شفة له دور في رسم إنطباع أوّلي لدى المتلقّي والتأثير في مدى جاهزيّته النفسيّة في التركيز على الخطاب وعلى مضمونه.
الفريق الإعلامي التابع للجملي والفاقد لآليات وتقنيات إعداد الحوارات الرسميّة، وضع رئيس الحكومة المُكلّف في إطار جعل النّاس تتجاهل المضمون وتركّز على الشّكل وهذا فشل إتّصالي ذريع جعل المضمون يضيع في شكل باهت عطّل وصول أفكار المتكلّم ورسائله ومواقفه للمتلقّي.
الإطار أو ''الكادر'' الذي وقع فيه تصوير الحبيب الجملي سجّل غياب تامّ للدّولة بتعمّد فريق الإتّصال عدم وضع علم الجمهوريّة التونسيّة إلى جانب الجملي وهو تقليد معمول به عند كلّ التصريحات الإعلاميّة الخاصّة بالمسؤولين في المناصب العُليا بالدّولة. بالإضافة إلى ذلك تمّ وضع لوح خشبي بُني اللّون لأحد النوافذ وبه خطوط متقاطعة تُظهر الخلفيّة الباهت لونها للجدار ووصف روّاد مواقع التواصل الإجتماعي ذلك الجزء من النافذة بـ '' نافذة المستقبل''. كما عمد فريق الإتّصال الخاصّ بالجملي وضع طاولة بنّية اللّون على يمينه وُضع فوقها كأس من الماء لم يستعمله رئيس الحكومة المكلّف طيلة حواره وهو دليل على عدم أهميّة وجوده ولو وُضع مكانه العلم التونسي لكانت الصورة أقلّ سوءا. أيضا وُضع إلى جانب الكأس، إناء من الزجاج يشبه إناء المزهريّة وكثيرا ما يشبه في مظهره ''الكانون'' الذي يتمّ فيه حرق البخور.
على إمتداد سبع دقائق في خطابه، لم يغيّر رئيس الحكومة المُكلّف من جلسته على الكرسي واضعا يده اليُمنى على اليُسرى محرّكا فقط إصبع الإبهام، وهنا تغيب تقنيات الحوار والتّواصل اللّغوي الجسدي التي يعتمدها المسؤول بصفة عامّة لجلب تركيز المواطن ولإظهار مدى حركيّته ونشاطه وثقته في ما يقوله. إكتقى الحبيب الجملي بتحريك رأسه قليلا وكتفيْه ورفع حاجبيْه أحيانا في ظلّ تردّي طبيعة التّسجيل الصوتي له الذي كان مُرفقا أثناء كلامه ببعض الضجيج ولم يقم فريقه الإعلامي بتضمين خطابه مكتوبا ليسهّل على المشاهد فكّ شيفرة الجودة السيئة للتصوير. وفي آخر الفيديو تعمّد فريقه التقني القائم بعمليّة المونتاج بإظهار لقطة تتضمّن العلم التونسي وبجانبه شعار الجمهوريّة الذي كان لا يظهر منه سوى الملامح بعد أن قام التقني بإخفائه ليضع فوقه اسم الحبيب الجملي ورابط صفحة الفايسبوك والتويتر الخاصّة به. وفي هذا تعدّ صارخ على هيبة الدولة وسيادتها بأتمّ معنى الكلمة.
بعيدا عن مظهره وسوء اختياره لملابسه، يبيّن لنا الفيديو أنّ الحبيب الجملي تنقصه تقنيات وأساليب إلقاء الخطاب من الناحية التقنيّة والفنيّة حتى أنّه لا يعترف بلغة الجسد التي لها دور هام في الإقناع والتأثير على المتلقّي. كما نجد أنّ الجملي مع فريقه الإعلامي بعيدا عن المظهر والخطاب، قد انتهكوا هيبة الدّولة بتعمّد تغيّيب علم الجمهوريّة في الفيديو وحجبه.
بعد عدم التوفيق في في اختيار ديكور الخطاب والجهل بآليات التصوير والمونتاج، وجب على رئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي أن يعطي أهمية للجانب الإتّصالي وأن يحرص على تعيّين فريق إعلامي ناجع ومتميّز ومتمكّن من كلّ تلك الآليات لكي يضعه في أحسن صورة أمام الشعب إحتراما لهيبة الدّولة.
تعليقك
Commentaires