الدستور التونسي بين وحدانية اللغة وحريتها (الجزء الاول)
بتاريخ 7 نوفمبر 2008 دعا رئيس الدولة التونسي في خطابه وسائل الإعلام وخصوصا المرئية والمسموعة إلى الإعتناء باللغة العربية[1]. وقبل ذلك بعقد من الزمن، أقر المجلس الدستوري الفرنسي أن العمل بالفصل الثاني من الدستور، الذي يعتبر الفرنسية لغة الجمهورية، لا يجب أن يؤدي تطبيقه، في مجالات التعليم والبحث والإتصالات السمعية البصرية، إلى تجاهل حرية التعبير والإتصالات[2].
إن التوازي بين الفكرتين يؤكد أن اللغة كانت ولا تزال محل اهتمام الساسة و الهياكل الساهرة على حسن احترام الدستور. ويعود ذلك، بالأساس، إلى تولي الدستور، سواء منه التونسي أو الفرنسي، تأطير اللغة. على أن ذلك لا يمنعنا من القول بأن عملية تأطير اللغة من قبل الدساتير لا تعدو أن تكون إلا ظاهرة حديثة نسبيا.
ولعل حداثة هذه الظاهرة تفرض علينا التساؤل الآتي بيانه: هل كانت اللغة من المسائل التي كان على الآباء المؤسسين، المطالبين بوضع أسس الدولة المستقلة، التعرض إليها في نص الدستور؟ إن تقديم إجابة ما يرتبط قبل كل شيء بتعريف مصطلحي اللغة والدستور.
جاء في المعجم العربي الأساسي الصادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أن اللغة هي " كل وسيلة لتبادل المشاعر والأفكار كالإشارات والأصوات والألفاظ"[3]. أما الدستور فإن تعريفه، سواء طبقا للمعيار المادي أو الشكلي، فإنه يرتكز بالأساس على تأطير ظاهرة السلطة السياسية وضمان الحريات سواء كان ذلك بموجب نص مكتوب( المعيار الشكلي) أو في غيابه (المعيار المادي). وبناءا على هذين التعريفين، نلاحظ أن الدستور سواء كان مكتوبا أو لا يحتاج إلى اللغة. ولكن لسائل أن يتساءل هل أن اللغة في حاجة إلى الدستور؟ أو بطريقة أخرى نتساءل هل أن اللغة تحتاج إلى التنصيص عليها صلب الدستور؟
إن طرح هذا السؤال مرده معطيات تاريخية ذات أهمية أكدت وأن أولى الدساتير المكتوبة لم تتعرض البتة إلى ظاهرة اللغة. ولعل سكوت دستور فيلادلفيا المؤسس للولايات المتحدة الأمريكية يعتبر أهم مثال على ذلك[4]. بل كانت الدولة الإتحادية، مثلها مثل الدول الأعضاء، تعتمد وتشجع على التعددية اللغوية[5]. وإذا ما نحت بعض الدول الأعضاء على تكريس، سواء في الدستور أو بواسطة قانون، اللغة الإنقليزية كلغة رسمية[6] إلا أن هذا الإتجاه ليس إلا حديثا كما أنه لم يكن موحدا. ذلك أن العديد من الدول الأخرى المكونة للإتحاد سواء لم تكرس في الدستور الإنقليزية كلغة رسمية[7] أو أنها كرست إلى جانب الإنقليزية لغات أخرى كلغات رسمية سواء بموجب الدستور[8] أو بصورة فعلية[9].
أما في فرنسا فإنه لم يقع تكريس اللغة الفرنسية كلغة رسمية للدولة لا على مستوى إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789 ولا في أي من الدساتير التي عرفتها فرنسا[10]. ولأول مرة يقع التنصيص على اللغة في الدستور كان في نص دستور الجمهورية الخامسة[11] بموجب التعديل موضوع القانون الدستوري المؤرخ في 25 جوان1992 الذي أضاف فقرة إلى الفصل الثاني، المنضوي تحت عنوان السيادة، مفادها أن اللغة الفرنسية هي لغة الجمهورية[12].
وبإلقاء نظرة على بعض تجارب الدول الإفريقية، نلاحظ أن السياسة المتبعة كانت تختلف من دولة إلى أخرى.
فنجد من جهة حرص بعض الدساتير على التفريق بين اللغة الوطنية واللغة الرسمية. وهو شأن دستور رووندا لسنة 1996 الذي كرس الكينيارواندا[13] كلغة وطنية وحيدة وكلغة رسمية لكن إلى جانب الفرنسية والإنقليزية[14]، ودستور السينغال لسنة 1963 الذي كرس بعد تعديله سنة 1978 لغات وطنية متعددة وهي على التوالي الديولا، المالينكية، البولارية، السيرارية، السونكية والولفية[15] في حين كرس اللغة الفرنسية كلغة رسمية وحيدة[16]، ودستور موريتانيا لسنة 1991 الذي كرس أربع لغات وطنية ألا وهي العربية والبولارية والسونكية والولفية على أنه إكتفى بتكريس اللغة العربية كلغة رسمية وحيدة[17]. واقتصر دستور جمهورية جيبوتي لسنة 1992 على تكريس العربية والفرنسية كلغتين رسميتين دون التعرض إلى اللغات الوطنية[18]. أما دستور جمهورية جزر القمر لسنة 2001، فقد أكد في الفصل الأول أن الشيكومور هو في نفس الوقت لغة وطنية ولغة رسمية لكن يضاف إليه العربية والفرنسية كلغتين رسميتين[19].
وبذلك نلاحظ أن دساتير العديد من الدول الإفريقية تعاملت مع اللغة بشكل غير موحد. فمنها ما يكرس التفريق بين اللغة الرسمية أو اللغات الرسمية وبين اللغة أو اللغات الوطنية. وقد تكون أحيانا اللغة الوطنية هي اللغة الرسمية وقد تكون اللغة الأجنبية هي اللغة الرسمية. وقد نجد لغة وطنية ولغة أجنبية جنبا إلى جنب كلغات رسمية[20].
لكن، وفي كل الحالات، نلاحظ أن تعدد اللغات من عدمه هو الذي يحكم هذه المسألة.
وفي تونس، وقبل أن نتعرض إلى الدستور الحالي، يجب أن نؤكد على أن العديد من النصوص السياسية والأساسية في تاريخ تونس المعاصر لم تتعرض إلى اللغة. وهو شأن كل من عهد الأمان وقانون الدولة لسنة1861[21]. أو كذلك النصوص والوثائق التي لها ارتباط بفكرة الدستور، من ذلك الوثائق الصادرة عن لجنة العمل للضمانات الدستورية والتمثيل الشعبي سنة1951[22] أو الأمر العلي المؤرخ في 29 ديسمبر 1955 المتعلق بإحداث مجلس قومي تأسيسي إلى اللغة التي سوف تعتمد لوضع الدستور[23]. ونكون بذلك قد انتظرنا دستور غرة جوان 1959 ليقع لأول مرة تأطير ظاهرة اللغة في الدستور.
ويحق لنا أن نتساءل عن المكانة التي تحظى بها اللغة في الدستور التونسي؟
إن الإجابة التقليدية سواء بالنسبة للسلطات العامة[24] أو للفقه[25] تكمن عادة، عندما تكون اللغة موضوع دراسة، في الرجوع إلى الفصل الأول من الدستور دون سواه. والحال أن هذه النظرة تتسم، في اعتقادنا، بمرجعيتها الضيقة ذلك أن اللغة لها مكانتها كذلك في فصول أخرى أهمها الفصل الثامن من الدستور. ولا يخفى على أحد تعلق هذا الفصل بضمان الحريات بما يتجه ضرورة التوسيع من المرجعية الدستورية للغة في هذا الشأن. على أن التوصل إلى هذه النتيجة لا يجب أن يمنعنا من التصريح على أن الدستور التونسي تضمن، في خصوص تأطير ظاهرة اللغة، مفارقة تعكس في نهاية الأمر صراعا مستديما بين الوحدانية والتعددية أو بين الحرية والتسلط. ذلك أن أسلوب التعامل اختلف من فصل إلى آخر. فلئن اتسم الأسلوب الأول بالانحياز تجسد من خلال اختيار العربية كلغة الدولة ( الجزء الأول) تبنى الدستور أسلوبا ثانيا اتسم أساسا بالحياد فآلت النتيجة إلى تكريس، ما نعتبره، بحرية اللغة (الجزء الثاني).
الجزء الأول ـ أسلوب الانحياز: العربية لغة الدولة
جاء في الفصل الأول من الدستور "تونس دولة حرة، مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها."
إن العبارات المختارة من قبل الآباء المؤسسين في هذا الفصل ولئن بدت سهلة الفهم إلا أن التطبيق أكد وجود صعوبات تجسدت في تعدد التأويلات وخاصة الرسمية منها[26]. لذا نرى لزاما قبل التعرض إلى فهم السلطات المؤسسة لمدلول الفصل الأول (فقرة ثانية)أن نرجع إلى فهم أصحاب هذه العبارات بما يتجه معه الرجوع إلى الأعمال التحضيرية التي سبقت المصادقة على الفصل المذكور(فقرة أولى).
فقرة أولى ـ ظروف تكريس اللغة في الدستور
لا يمكن أن نغامر بالحديث عن اللغة في الدستور التونسي دون الرجوع إلى الظروف والملابسات التي دعت إلى ذلك. وهو ما يتطلب منا العودة إلى مناقشات المجلس القومي التأسيسي التي سبقت المصادقة على الصيغة الحالية للفصل الأول من الدستور.
فعلى مستوى الشكل نلاحظ أن أول جلسة تضمنت مناقشة فصول الدستور كانت الجلسة المسائية المنعقدة في 14 أفريل 1956. وفي غياب مشروع متكامل للدستور المزمع وضعه من قبل الحكومة، فقد تضمن جدول أعمال الجلسة تقديم مشروع الفصل الأول من الدستور دون سواه. ويتكون هذا الفصل من ثلاث مواد[27]: مادة أولى ورد فيها " تونس دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة" ومادة ثانية نجد بها " الشعب التونسي هو صاحب السيادة يباشرها على الوجه الذي يضبطه هذا الدستور" ومادة ثالثة مفادها " الدولة التونسية تضمن حرية المعتقد وتحمي حرية القيام بالشعائر الدينية ما لم تخل بالنظام وتنافي الآداب".
وبالرغم من وجود هذا المقترح على جدول الأعمال إلا أنه لم تقع مناقشته. إذ أن افتتاح جلسة المناقشة بدأ باقتراح تقدم به الحبيب بورقيبة الذي دخل مباشرة في صلب الموضوع متجاهلا بذلك الإقتراح الوارد في جدول الأعمال. وفي ذلك أكثر من معنى. فهو دليل على أن الحبيب بورقيبة لم يكن وراء تقديم الإقتراح المذكور آنفا. وهو دليل كذلك على أنه بصفته رئيس الحكومة فمن المفترض أن تكون مقترحاته منطلقا للنقاش. وهي ربما رسالة أراد أن يوجهها بورقيبة إلى أعضاء المجلس القومي التأسيسي مفادها أنه الرجل القوي للمرحلة القادمة. وبذلك فإن المبادرة تنطلق منه.
أما على مستوى المضمون فقد ورد في اقتراح الحبيب بورقيبة ثلاث مواد[28]. مادة أولى ورد بها " تونس دولة مستقلة ذات سيادة" ومادة ثانية بها " الشعب التونسي هو صاحب السيادة يباشرها على الوجه الذي يضبطه هذا الدستور" ومادة ثالثة نصت عل أن "الإسلام دين الدولة والعربية لغتها وهي تضمن حرية المعتقد وتحمي حرية القيام بالشعائر الدينية ما لم تخل بالقانون".
ومباشرة بعد تقديم الإقتراح طلب رئيس الجلسة، وهو أحمد بن صالح آنذاك، أن يتم النقاش على ضوء المقترح الذي قدمه الحبيب بورقيبة. وبذلك يمكن القول أنه وقع تهميش المبادرة الأولى، مجهولة المصدر[29]، حتى لا نقل قبرها والتي وردت في جدول الأعمال. فتحول بذلك مقترح "السيد الحبيب بورقيبة"[30] كمنطلق للنقاش. وبذلك يكون الحبيب بورقيبة قد كسب معركته من الناحية الشكلية.
وهكذا يتضح لنا من الوهلة الأولى أن اللغة و إن لم يكن لها مكانا في المبادرة الأولى، فإنها وردت بوضوح في المبادرة الثانية الصادرة عن النائب الحبيب بورقيبة. وقد كان لإدخال هذا المصطلح أثرا إيجابيا من حيث توفر أول مادة كانت محل جدل بين أعضاء المجلس القومي التأسيسي[31]. وفي ذلك دليل على أن النقاش كان له معنى داخل المجلس والحال أن الدولة لم يمضي على استقلالها إلا أيام معدودة. فقد أفرز النقاش وجود اتجاهين متباينين داخل المجلس: اتجاه أول يلصق العربية باللغة وهو الذي تزعمه الحبيب بورقيبة واتجاه ثان يلصق العربية بالدولة إذ يدعو إلى ضرورة التنصيص على "عربية الدولة" من جهة ثم على اللغة العربية كـ"لسان الدولة" من جهة أخرى. ويتزعم هذا الإتجاه النائب محمد الشاذلي النيفر. وقد حاول كل اتجاه تبرير موقفه.
فبالنسبة إلى النائب محمد الشاذلي النيفر يرى "أن عريبة اللغة غير عربية الدولة" وأن التنصيص على عربية الدولة يرمي بالأساس إلى التأكيد على انتماء الدولة التونسية إلى ما أسماه بـ"المجموع العربي بمعنى العائلة العربية"[32]. وبزياد التوضيح فقد أكد على أن الهدف هو الإنتماء إلى "الجامعة العربية" بغاية تأسيس " إتحاد عربي"[33].
وقد سانده في ذلك كل من النواب نصر المرزوقي وصالح القلعاوي وصلاح الدين كشريد. فقد اقترح الأول كذلك تضمن المادة الأولى أن "تونس دولة عربية إسلامية حرة مستقلة"[34] . ورأى النائب صالح القلعاوي أن التنصيص على عربية الدولة يستجيب إلى " غالب الـرأي العام التونسي"[35]. أما النائب صلاح الدين كشريد فقد أكد على أن "كلمة لغة فيها التباس و قوميتنا قومية عربية"[36].
وبذلك فإن العربية لا يعتبرها أنصار هذا الإتجاه مجرد لغة وإنما لها مدلول سياسي وإيديولوجي وجب التنصيص عليه في الدستور[37].
وبالمقابل حاول أنصار الإتجاه الثاني الدفاع على تكريس العربية كلغة الدولة مع الحرص على التخلص من تعبير "عربية الدولة" محاولين تبرير ذلك بالعودة إلى البراهين التالية:
ـ أن المادة الأولى يجب أن تتضمن ركائز الدولة من خلال التصريح بكون تونس حرة مستقلة ذات سيادة. وهو الموقف الذي عبر عنه كل من الباهي الأدغم[38]،والحبيب بورقيبة[39] و أحمد بن صالح[40] وأحمد المستيري[41].
ـ أن عربية الدولة ليس بمصطلح قانوني ذلك أنه لا توجد في تصنيف الأنظمة السياسية مصطلح نظام عربي. فقد أكد النائب الباهي الأدغم أنه لم يسبق له العلم بوجود "نظام دولة يسمى نظاما عربيا أو دولة عربية بمعنى نظامها القانوني عربي"[42].
ـ أن عربية الدولة له مدلول سياسي يرتبط بعلاقات الدولة واتجاهاتها، حسب الحبيب بورقيبة، إذ تهدف في النهاية إلى إدخال تونس في الجامعة العربية أو إلى اتحاد عربي وهو في نهاية الأمر"عمل سياسي"[43] مجاله ليس في نص الدستور مِؤكدا في نفس الوقت على أهمية البند الأول من الدستور الذي حسب رأيه "يخلق الدولة ويكونها بصفتها دولة حرة مستقلة ذات سيادة"[44].
وقد ذهب النائب أحمد المستيري في نفس الإتجاه[45] إذ بين أن الدستور يتكون من مقدمة وفصول. وإذا كانت المقدمة يمكن أن تتضمن مسائل غير قانونية "كاتجاهات الدولة، دولة عربية أو دولة إسلامية" فإن الفصول لا تتضمن إلا المسائل التي لها صبغة قانونية و يتعلق الأمر بالأساس "بأركان الدولة". وبناءا عليه فهو يعتبر أن "زيادة عربية أو إسلامية ليس له صيغة قانونية" وذلك على عكس القول بأن "الإسلام دين الدولة" وأن "اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد".
وعلاوة على نعت الإتجاه الذي يحاول تكريس عربية الدولة وإسلامها بكونه اتجاه سياسي وغير قانوني فقد ذهب الحبيب بورقيبة أكثر من ذلك إذ دعا إلى ضرورة "ترك العاطفة البسيطة لعدم الظهور بمظهر أناس غير جديين"[46]. وبذلك يكون الإتجاه الرامي إلى التنصيص على عربية الدولة يتسم حسب معارضيه بالسياسي والغير قانوني بل وكذلك بالعاطفي وبغير الجدي.
ومن آثار هذا الجدل القبول بمقترح النائب الباهي الأدغم الذي مفاده : " تونس دولة حرة مستقلة، الإسلام دينها، والعربية لغتها"[47].
ودون أن نتولى تقييم موقف بورقيبة، المتمثل في قبول إقتراح الباهي الأدغم إن كان عن مضض أو عن حكمة وتبصر، إلا أن قوله، بعد الإستماع خاصة إلى عدد من المتدخلين من الشقين، أن "زيادة كلمة عربية ليس من الأمور التي يتألم منها الإنسان أو يعارض فيها لأن هاته المعارضة تزيد في قلوب الناس تخوفا"[48] قد تفسح المجال أمام تأويلات عدة. علما وأنه حرص على التأكيد على أنه عندما "نقول اللغة العربية أو العربية لغتها كل إنسان يعرف انتسابنا للعروبة ودخولنا في العروبة لأن العروبة هي مجموعة من الشعوب التي تتكلم العربية، بحيث لم توجد أشياء أخرى تربط بينها فالدين يختلفون فيه والجنس يختلفون فيه والأصل يختلفون فيه ـ والدول التي تختلف في شعائرها والأديان والأصل والجنس كلها داخلة في العروبة لأن لغتها هي العربية"[49].
وعندما طرح رئيس الجلسة على النواب النقاش حول "سن مادة مستقلة تسن "تونس دولة مستقلة ذات سيادة" أو جعل مادة أخرى تتعلق بالدين واللغة"[50]، تدخل رئيس الحكومة الحبيب بورقيبة ليصرح بأنه "لا يرى مانعا بكون تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها والعربية لغتها أي بربط المسألة في فصل واحد".
ومن الآثار المباشرة لهذا التنازل قيام النائب محمد الشاذلي النيفر بسحب مقترحه. وقد تمت الموافقة على مقترح الباهي الأدغم بالإجماع "تلاه تصفيق حاد وأنشودة حماة الحمى من كافة الحاضرين"[51].
وقد وقعت المحافظة على صيغة الفصل، على هذا الشكل، سواء في مسودة الدستور المؤرخة في 9 جانفي1957[52] أو في مشروع الدستور المؤرخ في 30 جانفي 1958[53]أو في النسخة النهائية لنص الدستور ولكن مع إضافة مصطاح " الجمهورية نظامها". ويمكن القول أن بورقيبة ولئن يقر بانتمائه للعرب والحضارة الإسلامية إلا أن ذلك لم يكن مشفوعا بنوع من الشوفينية والتعصب بل على العكس فهو يدعو إلى ضرورة الالتحاق، عما أسماه، بركب الحضارة. وقد عبر عن هذا الموقف في عديد المناسبات[54] من ذلك خاصة الخطاب الذي ألقاه في افتتاح أعمال المجلس القومي التأسيسي[55] أو في موكب ختم دستور 1 جوان 1959[56].
ويمكن اعتبار الإتجاه الذي أقره الدستور التونسي ينخرط في نفس الإتجاه الذي أقرته بعض الدول الناطقة باللغة العربية شأن دستور لبنان لسنة 1926 و دستور الصومال لسنة 1960 و دستور جمهورية السودان لسنة 1997 و دستور جمهورية جيبوتي و دستور جزر القمر ودستور العراق[57]. وهو اتجاه يخالف ذلك الذي تبناه أغلب دساتير الدول الأخرى التي أكدت على كونها دولا عربية قبل تكريس اللغة العربية كلغة رسمية للدولة. وهو شأن دستور المملكة الأردنية الهاشمية لسنة 1954 ودستور دولة الكويت لسنة 1962 و دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 ودستور الجمهورية العربية السورية لسنة 1973 و دستور الجمهورية اليمنية لسنة 1994 و دستور دولة قطر لسنة 2003. ووقع تكريس نفس التمشي في النصوص الأساسية التي تحكم كل من الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية منذ 1969 والمملكة العربية السعودية منذ 1992 وسلطنة عمان منذ 1996.
وقد يكون التمشي الذي تبناه الدستور التونسي قد أثر على الاختيارات التي كرسها كل من دستوري المملكة المغربية لسنة 1996 و جمهورية الجزائر لسنة 1996. ذلك أنه ولئن لم يقع تكريس عربية الدولة في الفصول إلا أن الديباجة أكدت بالنسبة للمملكة المغربية أن المملكة "جزء من المغرب العربي الكبير" وهي "دولة إفريقية" في حين نقرأ في ديباجة الدستور الجزائري أن الجزائر "أرض عربية، وبلاد متوسطية وإفريقية".
وبذلك فإننا نلاحظ أن الفصل على شكله الحالي لم يكن ليخدم أي فكرة أو مدلول سياسي أو إيديولوجي. وقد أكد الأستاذ بلعيد أن هذا الجدل طغت عليه الإعتبارات السياسية أما تأثير الإعتبارات القانونية والفنية الناتجة عن القانون الدستوري فكان محدودا لأن هذا الأخير لا يمنع الدولة إن شاءت ذلك الإعلان ضمن دستورها على انتمائها أو تعلقها بمجموعة سياسية معينة. مضيفا أن مدلول هذا الفصل يعني في النهاية أن "اللغة الرسمية للدولة، هي اللغة العربية... وهو قرار متداول عند جميع الدول التي تستعمل لغتها الوطنية في المواقف والوثائق الرسمية"[58].
على انه وجب التذكير أن فهم الفصل الأول من الدستور من قبل السلطات العامة قد تراوح بين إعطاء طابع رمزي للفصل المذكور وبين التشدد في فرض لغة واحدة على كل مكونات المجتمع السياسي.
فقرة ثانية ـ اللغة في الدستور كما وقع فهمها من قبل السلطات العامة
إن تحديد فهم السلطات العامة للفصل الأول يرتبط بالإجابة على سؤالين أساسيين: مدى فرض الدستور للغة واحدة دون سواها؟ و تحديد مفهوم الدولة التي سوف تتكلم العربية؟
إن الإجابة على هذين السؤالين لم تكن سهلة. بل اتسمت بالتردد وعدم الوضوح. مما فسح المجال أمام تطبيقات مختلفة بل ومتضاربة.
يجدر التذكير أن اختيار الدستور على اللغة العربية كلغة وطنية ورسمية للدولة لم يكن مصحوبا، مباشرة بعد دخول الدستور حيز التنفيذ، بنصوص قانونية أو قرارات إدارية تذهب في اتجاه توضيح النص الدستوري من خلال فرض استعمال اللغة العربية دون سواها كلغة الدولة أو من خلال تحديد مفهوم الدولة على أنه يقتصر فقط على السلط العامة، أي التشريعية والتنفيذية والقضائية، أم أنه يشمل مفهوم الدولة من منظار القانون الدستوري فينسحب بذلك هذا الفصل على الأفراد، هؤلاء الذين يعتبرون ركن أساسي من مكونات الدولة. إن الإجابة الحينية ولسنوات أكدت أن الإنفتاح اللغوي كان هو السائد[59].
على أن هذا الوضع لم يمنع من وجود إزدواجية في المواقف و التي تشكل في نظرنا امتدادا للنقاش الذي ميز أعمال المجلس القومي التأسيسي. إذ أن فهم وتطبيق السلط العامة لهذا الفصل اتسم بالإزدواجية.
ونقصد بالسلطات العامة كل من المشرع والسلطة التنفيذية، ممثلة في الإدارة، والقضاء. وقد تجسد ذلك من خلال التردد. فالتردد ناجم عن التواصل مع وجود نظرتين متباينتين. فتارة يقع تغليب التسامح اللغوي(ب) وطورا تصبح اللغة في علاقة مع الهوية فتطفو على السطح العروبة كهوية عندها يكون التشدد(أ)[60].
أ ـ مظاهر التشدد:
ويمكن اعتبار سياسة التعريب في التعليم[61] نقطة البداية لوجود التشدد اللغوي من خلال اعتبار التعريب قضية فكرية أساسية[62]. ثم شهدت البلاد في آخر الثمانينات وخاصة بداية التسعينات من القرن الماضي حملة رسمية موجهة ضد لغة أجنبية ألا وهي الفرنسية[63]. فتتالت النصوص، من قوانين وأوامر ومناشير، تفرض استعمال اللغة العربية وتركز على التمسك بالهوية العربية الإسلامية.
ويمكن أن نلمس ذلك سياسيا وتشريعيا وقضائيا.
فسياسيا بدأت الحملة مع إمضاء ممثلي الأحزاب السياسية، الإجتماعية والمهنية على الميثاق الوطني في 7 نوفمبر 1988. إذ إلى جانب ما يشير إليه طالع الميثاق من"استعادة المبادرة التاريخية لمغربنا العربي وأمتنا العربية وإعادة "القدرة على الإشعاع والعطاء لحضارتنا الإسلامية" فإنه تضمن تحت عنوان "الهوية" أن " هوية شعبنا عربية إسلامية" وأن تونس تمسكت "بعروبتها وإسلامها باعتبارها جزء من الوطن العربي ومن الأمة الإسلامية ولقد عمت اللغة العربية أهلها فأصبحت منذ قرون لغة الخطاب والكتابة والثقافة وانتشر الإسلام بين سكانها(...) وأن " المجموعة الوطنية مدعوة لدعم اللغة العربية حتى تكون لغة التعامل والإدارة والتعليم والضرورة (...) وأن التعريب مطلب حضاري متأكد.."[64].
أما من الناحية القانونية فقد تجسد هذا الإتجاه الجديد في العديد من النصوص بمختلف أصنافها.
وقد بدأ ذلك[65]مع صدور القانون عدد 70 لسنة 1989 مؤرخ في 28 جويلية 1989 يتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي[66] ثم القانون عدد 93ـ64 المِؤرخ في 5 جويلية 1993 المتعلق بنشر النصوص بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وبنفاذها[67]. ثم مع المنشور عدد 94ـ33 مؤرخ في 17 ماي 1994 يتعلق بمزيد العناية باللغة العربية[68]. ثم مع المنشور عدد 49 مؤرخ في 9 سبتمبر 1994 الذي جاء لتطبيق الأمر عدد 94ـ1692 المؤرخ في 8 أوت 1994 المتعلق بالمطبوعات الإدارية[69]. و المنشور عدد 8 مؤرخ في 9 فيفري 1996 يتعلق بتأهيل الإدارة الذي جاء لتطبيق الأمر عدد 49 لسنة 1996 مؤرخ في 16 جانفي 1996 يتعلق بضبط محتوى مخططات تأهيل الإدارة وطريقة إعدادها وإنجازها ومتابعتها الذي تضمن أن مخطط التأهيل الوزاري يحتوي وجوبا على تعميم استعمال اللغة العربية والمنشور عدد 99ـ45 المؤرخ في 29 أكتوبر 1999[70]. ويضاف إلى بعض النصوص الخاصة مثل القانون عدد 2000/93 المؤرخ في 3 نوفمبر 2000 والمتعلق بإصدار مجلة الشركات التجارية[71].
أما بالنسبة للقضاء فيبرزالتشدد عندما يتعلق الأمر بتحرير عرائض الدعوى أو إصدار القرارات الإدارية.
فقد اعتبر كل من القضاء العدلي والإداري أن تحرير عرائض الدعوى يجب أن يتم باللغة العربية عملا بمنطوق الفصل الأول من الدستور[72]. كما اعتبرت المحكمة الإدارية أن إصدار الإدارة "قرارها التأديبي بلغة أجنبية يعتبر خرقا للفصل الأول من الدستور ويعد مخلفا للتشريع المتعلق بتأهيل الإدارة وضبط علاقاتها مع محيطها وخاصة الأمر عدد 1692 المؤرخ في 8 أوت 1994 المتعلق بالمطبوعات الإدارية والمنشور عدد 33 الصادر عن الوزير الأول بتاريخ 17 ماي 1994 والمتعلق بمزيد العناية باللغة العربية"[73].
ويمكن القول أن القضاء الفرنسي سواء منه العدلي أو الإداري الفرنسي قد ذهب في نفس اتجاه المحاكم التونسية إذ وقع رفض فحص الدعاوى المنشورة بلغة غير اللغة الفرنسية[74]. بل قام مجلس الدولة الفرنسي بتوقيف تنفيذ القرارات الصادرة عن وزير التربية الوطنية والقاضي باستعمال الإزدواجية اللغوية في التدريس بمقاطعة بريطانيا الفرنسية على أساس أن ذلك يتعارض مع الفصل الثاني من الدستور الذي جعل من الفرنسية لغة الجمهورية[75]. وبذلك يمكن القول أن الحملة التي شهدتها كل من تونس وفرنسا على اللغة الأجنبية ولئن كانت متزامنة إلا أنه ومن باب المفارقة كان النظام التونسي أكثر تسامحا.
ب ـ مظاهر التسامح أو الإنفتاح اللغوي
يمكن لمس التسامح[76]من خلال تصفح بعض القوانين وموقف فقه القضاء وآراء المجلس الدستوري.
أما القوانين فهي متعددة[77]. نذكر بالخصوص القانون عدد 32 لسنة 1975 مؤرخ في 28 أفريل 1975 يتعلق بإصدار مجلة الصحافة إذ ورد في الفصل 13 منه على أن من يريد إصدار نشرية دورية أن ينص في الإعلام المقدم إلى وزير الداخلية "اللغة أو اللغات التي ستحرر بها". وكذلك يمكن أن نسوق مثال القانون عدد 65 لسنة 1991 مؤرخ في 29 جويلية 1991 يتعلق بالنظام التربوي. فقد جاء في الفصل الأول منه "يهدف النظام التربوي في إطار الهوية الوطنية التونسية والانتماء الحضاري العربي الإسلامي إلى تحقيق الغايات التالية:
4ـ تمكين المتعلمين من اتقان اللغة العربية، بصفتها اللغة الوطنية، اتقانا يمكنهم من استعمالها ـ تحصيلا وانتاجا ـ في مختلف مجالات المعرفة، الإنساني منه والطبيعي والتكنولوجي.
5ـ جعل المتعلمين يحذقون لغة أجنبية على الأقل حذقا يمكنهم من الإطلاع المباشر على إنتاج الفكر العلميـ تقنيات ونظريات علمية وقيما حضاريةـ ويؤهلهم لمواكبة تطوره والمساهمة فيه بشكل يكفل إثراء الثقافة الوطنية وتفاعلها مع الثقافة الإنسانية الكونية"[78].
كما يفترض أحيانا من خلال قراءة النص القانوني ضرورة استعانة القاضي بانفتاحه اللغوي للبت في بعض المسائل. فما قيمة الفصل 34 من مجلة القانون الدولي الخاص، الذي تضمن أن القاضي يطبق "القانون الأجنبي كما وقع تأويله في النظام القانوني المنتمي إليه"[79]؟
وبخصوص التسامح القضائي فهو يتمثل من خلال قبول تفحص أعمال محررة باللغة الأجنبية.
فقد اعتبرت محكمة التعقيب أن الفصل الأول من الدستور لا يمنع التعامل بلغة أخرى غير العربية في العلاقات الخاصة[80]. كما ذهبت أحيانا محكمة التعقيب في اتجاه تغليب النص الفرنسي على النص العربي عندما يتضح وجود تناقض بين القراءتين مع احتواء النص العربي على أخطاء في الترجمة بما يجعله بعيدا عن المنطق[81].
وقد قبلت من جهتها المحكمة الإدارية مبدأ تحرير قرارات التوظيف الجبري باللغة الفرنسية[82] معتبرة أن "لا نزاع في كون اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة حسب الفصل الأول من الدستور لكنه من المؤكد أنه لا يوجد تشريع يجعل من اللغة العربية الأداة الوحيدة في الإستعمال"[83].
كما اعتبرت المحكمة الإدارية في قرارات حديثة لها أنه " ولئن كان على الإدارة اعتماد اللغة العربية كلغة رسمية لتحرير المقررات الإدارية والتي لها مساس بالمراكز القانونية للأفراد لما في ذلك من احترام للمبادئ المضمنة خاصة بالفصل الأول من الدستور إلا أن تحريرها باللغة الفرنسية لا يمس من شرعيتها ضرورة أن لغة القرار لا تعتبر شكلية جوهرية يترتب عليها إلغاء القرار، الأمر الذي يتعين رفض هذا المستند"[84].
أما المجلس الدستوري التونسي، وعلى عكس المجلس الدستوري الفرنسي[85]، لم تتوفر لديه بعد الفرصة لإبداء رأيه حول مدلول اللغة في الدستور. علما وأن رأي المجلس هام جدا نظرا لكونه يلزم، طبق الفصل 75 من الدستور،" جميع السلطات العمومية" أي التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ويمكن تفهم عدم تعرض المجلس لهذه المسألة لاعتبارين اثنين:
ـ أن مشاريع القوانين تكون محررة باللغة العربية[86].
ـ أن فرض استعمال اللغة العربية على الدولة وبقية المرافق العمومية أو استعمال لغات أخرى لم يكن موضوع مشروع قانون مثلما هو الشأن في فرنسا[87].
وربما الفرص التي توفرت للمجلس تمثلت في بعض الحالات النادرة جدا دون أن يكون لنا علم إن تعرض المجلس لهذه المسألة أم لا والحال أن هذه القوانين تعطي الأولوية للغة العربية. وهو شأن القانون عدد 93ـ64 المِؤرخ في 5 جويلية 1993 المتعلق بنشر النصوص بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وبنفاذها[88] والقانون عدد 2000/93 المؤرخ في 3 نوفمبر 2000 والمتعلق بإصدار مجلة الشركات التجارية[89]. ويعود عدم العلم لسرية آراء المجلس آنذاك[90].
على أن السؤال الذي يمكن طرحه يتعلق بموقف المجلس في صورة تضمن مشروع القانون لمصطلحات غريبة أو دخيلة عن اللغة العربية. فهل يمكن، في حالة استعمال مثل هذه المصطلحات، أن نعتبر، من خلال العمل بتقنيتي مراقبة المطابقة والملاءمة، وجود إخلالات دستورية ؟
ويفسر إدخال هذه المصطلحات بغياب السبق اللغوي في اللغة العربية مقارنة باللغات التي اعتبرت أجنبية بالنسبة للعديد من الميادين منها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والصناعي ولكن خاصة منه التكنولوجي. ولعل هذا الأمر لا يقتصر فقط على اللغة العربية. وهو الدافع وراء تبني المجلس الدستوري الفرنسي لأسلوب مرن في خصوص هذه المسألة[91].
إن التمسك باللغة العربية دون سواها يؤدي في نهاية الأمر إلى التقوقع والتخلف وعدم مواكبة العصر. أما الإنفتاح اللغوي فهو دليل على تجاوز أي عقدة تتعلق بالهوية وانصهار في المجتمع الإنساني بما يمكن من إعطاء شحنة من الأوكسيجان والثراء للفكر وللغة مهما كانت هويتها. وهو ربما الدافع الأساسي الذي جعل من اللغة، في الدستور التونسي، ملتصقة بالحرية. فأطلق بذلك المشرع التأسيسي عنانها.
[1] إذ دعا الرئيس إلى تجنيب الشباب " من مخاطر الاغتراب وفقدان التوازن وغياب الوعي بالهوية هويتنا التي حرصنا دوما على حماية مقوماتها ومن بينها اللغة العربية التي ندعو وسائل الإعلام وخصوصا المرئية منها والمسموعة بحكم انتشارها إلى أن تكون أول من يحافظ على سلامتها ويعزز حيويتها". أنظر الصباح، 8 نوفمبر 2008، ص. 6 وص.7.
[2] Considérant que l’application de l’article 2 de la Constitution « ne doit pas conduire à méconnaître l’importance que revêt en matière d’enseignement, de recherche et de communication audiovisuelle, la liberté d’expression et de communication » (Considérant n°8), Décision n°99-412 DC du 5 juin 1999.
[3] المعجم العربي الأساسي، توزيع لاروس، 1989، ص. 1093.
[4] Rosenfeld (M), « Bilingualism, national identity and diversity in the United States », in Langue(s) et Constitution(s), Economica, 2004. IL est, aussi, consultable sur le site droitconstitutionnel.org.
[5] « America’s early multilingualism operated not only at the national level, but also at that of individual states. Thus, for example, during the nineteenth century, Pennsylvania officially published its laws in both English and German, and provided state financing for German schools. Louisiana, for its part, officially published its laws in French and English and provided public education in both these languages. Finally, in states like California and New Mexico, state laws were officially published in Spanish as well as English”. Idem p.7.
[6] مثل دولة كاليفورنيا أو دولة فلوريدا...
[7] مثل دول نيويورك، تكساس، أوهايو...
[8] مثل هاواي (لغتي الهاواي والإنقليزية).
[9]. مثل لويزيانا و ماين (إنقليزية وفرنسية) ومكسيك الجديدة (إنقليزية وأسبانية).
[10] DEBBASCH ®, « La reconnaissance constitutionnelle de la langue française », R.F.D.C, 1992, p.458.
[11] اعتبر أصحاب المبادرة أن عدم تنصيص الدستور على اللغة، يشكل ثغرة في الدستور وحالة من حالات النسيان. أنظر:
Ass. Nat., Rapport n° 2624, p.1009.
وقبل ذلك دعا بعض المفكرين الفرنسيين إلى ضرورة تدارك هذا النسيان خاصة وأن العديد من دساتير الدول الإفريقية كرست الفرنسية كلغة رسمية للدولة. أنظر:
Latournerie (D), « Le droit de la langue française », E.D.C.E n° 36, 1984-1985, p.110 ; A. H. Mesnard, Droit et politique de la culture, Paris, PUF ? 1990, p.152, 322 et 355.
[12] Debbasch ©, « La reconnaissance constitutionnelle de la langue française », op.cit., p.468 et s.
[13] HLAOUI (N), « L’identification des langues dans les constitutions africaines », R.F.D.C, 2001, p.33.
[14] Idem, p. 48.
[15] Idem, p.34.
[16] Idem., p.40.
[17] أنظر قسم الدراسات الانتخابية والقانونية في مركز بيروت للأبحاث والمعلومات، دساتير الدول العربية، منشورات الجلبي الحقوقية، 2005، ص, 530.
[18] نفس المرجع السابق، ص. 163.
[19] نفس المرجع السابق، ص. 154.
[20] PIERRE-CAPS (S), « Le statut constitutionnel de la langue nationale et/ou officielle, Etude de droit comparé », in Langue(s) et constitution(s), op.cit.
[21] وقبل الحماية فإن الرائد التونسي، الذي كان له أول ظهور بتاريخ 22 جويلية 1860، كان ينشر باللغة العربية فقط. ثم تغيرت تسميته بعد انتصاب الحماية فأصبح يسمى الرائد الرسمي التونسي بمقتضى الأمر العلي المؤرخ في 27 جانفي 1883 وأصبح مزدوج اللغة: فرنسية وعربية. وقد حافظ على الإزدواجية اللغوية بعد الإستقلال. وهي حاله اليوم.
[22] كذلك شأن بعض النصوص القانونية مثل الأمر العلي المؤرخ في 21 سبتمبر1955 المتعلق بالنظام الوقتي للسلطات العمومية. لتصفح مختلف هذه النصوص أنظر: عمر (عبد الفتاح) وسعيد (قيس)، نصوص ووثائق سياسية تونسية، مركز الدراسات والبحوث والنشر، 1987. لكن هذا لم يمنع بعض النصوص الأخرى، وهي عديدة، من التعرض إلى اللغة من ذلك الأمر العلي المؤرخ في 4 مارس 1954 المتعلق بإحداث المجلس التونسي، أشار في فصله 49 أن " اللغة العربية واللغة الفرنسية يقع استعمالهما على قدم المساواة أثناء مناقشات المجلس التونسي وتحرر التقارير باللغتين"،( المرجع السابق ص.156) أو كذلك الأمر المؤرخ في 8 سبتمبر 1955 الذي فرض الأولوية، في النظام القانوني التونسي، للنص العربي مقارنة مع اللغة الفرنسية وهو نتاج لما نصت عليه الإتفاقية الفرنسية التونسية المؤرخة في 3 جوان 1955 والمتعلقة بوضعية الأشخاص، على أن النصوص القانونية التونسية تنشر باللغتين الفرنسية والتونسية، مضيفة أنه في صورة التعارض بينها، في التأويل أو اختلاف في الصياغة، تعطى الأولوية للنص العربي. أنظر:
الشرفي (محمد)، مدخل لدراسة القانون، دار سيراس للنشر، 1991، ص. 177ـ178.
[23] عمر (عبد الفتاح) وسعيد (قيس)، نصوص ووثائق سياسية تونسية مرجع سبق ذكره، ص. 103ـ104.
[24] أنظر أسفله، الجزء ا، فقرة 2.
[25] V. not. BEN ACHOUR(Y), « Les implications politiques du problème linguistique au Maghreb », R.T.D, 1994, p. 13 et s ; MAHFOUDH (M), « La langue et le droit », in Mélanges offerts à Sadok Belaïd, p.505 et s.
بلعيد (الصادق)، "التعليق على الفصل الأول من الدستور"، مقتطف من مؤلف التعليق على الدستور التونسي فصلا فصلا، الجمعية التونسية للقانون الدستوري، مرقون وغير منشور.
[26] حول موضوع تأويل نص الدستور، أنظر:
DELPERE (F), « L’interprétation de la constitution », in La constitution aujourd’hui, Académie internationale de droit constitutionnel, Tunis, 2006, p.87 et s.
[27] أنظر الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، مناقشات المجلس القومي التأسيسي، جلسة 14 أفريل 1956، عدد 1، ص.13.
[28] انظر المرجع أعلاه ص.13 وص.14.
[29] يبدو أن محمد الشاذلي النيفر لعب دورا في صياغتها. أنظر:
النيفر (محمد الشاذلي)، " مسألة الإسلام واللغة أمام المجلس القومي التأسيسي"، من المجلس القومي التأسيسي (أعمال ملتقى أيام 29ـ30ـ31 ماي 1984 )، مركز الدراسات والبحوث والنشر، 1986، ص.181.
[30] وهي الصيغة المعتمدة في الرائد الرسمي. أنظر مناقشات المجلس القومي التأسيسي.
[31] بالرغم من أن تركيبية المجلس لم تكن تعكس جميع التيارات السياسية آنذاك. بل أن طريقة الاقتراع المعتمدة والظروف التي تمت فيها الانتخابات وصفت من بعض الملاحظين من كونها غير ديمقراطية. أنظر:
بن عاشور (رافع)، "انتخاب المجلس القومي التأسيسي وتركيبته"، من المجلس القومي التأسيسي، مرجع سبق ذكره، ص.33 وما بعدها.
[32] أنظر الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، مناقشات المجلس القومي التأسيسي، جلسة 14<ins cite="m
تعليقك
Commentaires