دستور 2014 سنة خامسة د !
سنحتفل في الأيام القليلة القادمة بالذكرى الخامسة لإصدار دستور الجمهورية التونسية.
بادرت حركة النهضة في هذا الإطار بإصدار بيان يحيي هذه الذكرى التي طالما إعتبرتها إنتصارا مبينا في تاريخها السياسي. لكن هل يجوز الإعتداد بدستور بقي في مجمله مجرد حبر على ورق ؟
في الأشهر الأخيرة، تعالت عديد الأصوات مطالبة بتنقيح الدستور أو حتى تعليق العمل به. هؤلاء، و أولهم الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية، علقوا فشلهم في إدارة شؤون الدولة على الدستور و على النظام السياسي الذي إنبثق عنه. ربما كان من الأجدر عدم الترشح لمنصب منقوص الصلاحيات. لكن في الأخير وجب الإعتراف بأن تقييم النظام السياسي التونسي لا يستقيم طالما بقي ذلك النظام مبتورا من آلياته الأساسية.
كيف يمكن المطالبة بتغيير النظام السياسي دون التورّع من الفشل المبين الذي يمثله غياب المحكمة الدستورية ؟ كيف يمكن الجزم بفشل نظام سياسي بينما هيئاته إما لم تؤسس بعد و إما لا تمتلك موارد كافية للعمل ؟
من جهة أخرى، لم تتنزل بعد أحكام الدستور في القوانين التي تدير الشأن اليومي للتونسيين مما جعل الدستور نصا مبهما بالنسبة لأغلبهم، و حال ذلك دون تبني التونسي لدستوره و من ثم لديمقراطيته إذ يعتبر أن دستور 2014 لم يغير شيئا في حياته و بالتالي فلا لزمة له. إنحصر الدستور التونسي في نص رنان يستعمله بعض السياسيين أحيانا دون أن يكون له وقع مباشر و محسوس على حياة التونسيين اليومية.
لكن كل هذه العراقيل لا تحجب عنا الهنات الحقيقية الموجودة في دستور 2014. لا ننسى في هذا الإطار أننا نتحدث عن ما سُمِّيَ بالدستور التوافقي. إذن نتحدث عن دستور أنجز بهدف إرضاء الجميع و تكفي قراءة متمعنة لتوطئة دستور الجمهورية الثانية كي نتأكد من أنه نص هجين فيه الشيء و ضده.
من جانب آخر، تميز مسار كتابة الدستور بتصادم سياسي و إستقطاب إديولوجي أثرا بدرجة كبيرة على محتواه، و قد كلل هذا المسار بهزيتمين كبيرتين مهما حاول السياسيون إيهامنا بأنه لم يكن ممكنا أفضل مما كان. الهزيمة الأولى تتمثل في المحافظة على الفصل الأول من دستور 1957 و كان ذلك إشارة ضمنية لفشل النواب المؤسسين في نص يرتقي بالشعب التونسي فوق مشاكل الدين و الهوية. المحافظة على الفصل الأول من الدستور تبين أن المسائل المهمة و العميقة كالإختيار بين دولة ذات طابع ديني و دولة علمانية لن تحل في إطار ذلك النص. أما الهزيمة الثانية لدستور حقوق الإنسان هي عدم القطع نهائيا مع عقوبة الإعدام. فضل النواب المؤسسون تلافي هذه المسألة بحجة عدم تطبيق هذه العقوبة على أرض الواقع، كما فضل نوابنا الأفاضل عدم الخوض فيما إعتبروه مسألة جانبية ليست في لب إهتمامات التونسيين و حلّلو بذلك الهروب من مسؤولياتهم و وجدوا مبررا للجبن الذي برهن عنه أغلبهم.
دستور الجمهورية الثانية نص جميل بصفة عامة من الممكن أن يحسن الكثير من الأشياء. لكنه مكث بعيدا عن التونسيين الذين لم يتبنوه بعد، حتى بعد 5 سنوات من صدوره. وجب تقريب الدستور من الشعب عبر تفعيله بصفة مركزة و هذا مازال بعيدا للأسف.
تعليقك
Commentaires