تونس بحاجة الى اعلان حالة الطوارئ المائية
أدى تراجع التساقطات و شح الامطار الى تراجع كبير في منسوب السدود و مع موجة الجفاف انخفض الغطاء الغابي في تونس الى النصف الامر الذي ينذر بخطر بيئي حقيقي في تونس. و كشفت صور انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صورا مؤلمة أظهرت تراجعا كبيرا في مخزون السدود في بلادنا. حيث لم تتجاوز نسبة امتلاء السدود ال 29 بالمائة الى حدود شهر ديسمبر الحالي بنقص يقدر ب 1.5 متر مكعب مقارنة بالسنة الماضية. حيث بلغت نسبة امتلاء السدود سنة 2021 380 متر مكعب الا انها لم تتجاوز ال 109 متر مكعب هذه السنة 2022.
و أشارت الإدارة العام للسدود الى أن المخزون العام بلغ 663 مليون متر مكعب الى حدود اليوم الثلاثاء 27 ديسمبر 2022 في حين ناهز 1154 في السنوات الثلاث الماضية ، و قدر النقص بـ491 مليون متر مكعب. و بحسب الإدارة العامة للسود بلغت نسبة الإيرادات الجملية ما يقارب 0.471 مليون متر مكعب أغلبها يتركز في سدود منطقة الشمال . و لم تتجاوز نسبة الإيرادات في سنة 2022 ال 199 متر مكعب في الوقت الذي بلغت فيه في السنوات القليلة الماضية معدل 511 مليون متر مكعب ، و قدر النقص بحوالي بـ 402 مليون متر مكعب.
و من بين هذه السدود التي شهدت تراجعا ملحوظا في نسبة امتلائها : سد بني مطير بولاية جندوبة الذي يستوعب 60 مليون متر مكعب من الماء ، الا ان نسبة الامتلاء فيه لم تتجاوز ال 24 بالمائة ، سد نبهانة بولاية القيروان بطاقة استيعاب ب 58 مليون متر مكعب لكن نسبة الامتلاء فيه وصلت فقط الى حدود 14.6 بالمائة ، سد سيدي سالم باجة الذي يستوعب 643 مليون متر مكعب بلغت فيه نسبة الامتلاء 15.7 بالمائة ، سد ملاق ولاية الكاف الذي تتجاوز طاقة استيعابه ال 100 مليون متر مكعب ، الا ان نسبة الإمتلاء فيه لم تتجاوز 37 بالمائة الى حدود اليوم الثلاثاء 27 ديسمبر 2022. و من نقص الامطار تعاني هذه السدود من بنية تحتية مهترئة فحوالي 20 في المئة من طاقة التخزين في هذه السدود تراجعت بسبب الترسبات و غياب التهيئة و الصيانة.
و للإشارة تستغل تونس 5 مليارات متر مكعب من الموارد المائية للزراعة ولاستهلاك مياه الشرب، و هي مياه سطحية تبلغ كميتها 2575 مليون متر مكعب، ومياه جوفية تبلغ كميتها 2197 مليون متر مكعب ، فيما يتبخر أكثر من النصف أو يتدفق إلى الأراضي الرطبة والبحر.
و يستأثر القطع الفلاحي بأغلبية المياه المسحوبة ب 80 في المئة ، فيما يستغل القطاع الصناعي 5 بالمائة، و يقدر منسوب قطاع السياحة ب 2 بالمئة، و الباقي يخصص للاستهلاك المنزلي و مياه الشرب ، مع العلم و ان نسبة المياه التي يستغلها القطاع الفلاحي لا يخصص للإنتاج الفلاحي لتونس بشكل خاص انما تستأثر الفلاحة المعدة للتصدير على المنسوب الاوفر من المياه . في نفس الوقت لا توجد اليات تساعد الفلاح على التأقلم مع التغيرات المناخية و لا توجد وسائل تمكن من استغلال الموارد المائية المتوفرة في السدود الممتلئة. و هنا يكمن مشكل إدارة المياه في بلادنا الذي أدى الى وضع مزمن من الشح و الاجهاد المائي في نفس الوقت.
و الإجهاد المائي ، وهو مؤشر يقع من خلاله قياس ندرة كمية المياه العذبة المتجددة المتوفرة لكل شخص في كل عام من إجمالي الموارد المائية المتاحة لسكان المنطقة ، ارتفع من 66 بالمائة في عام 2000 إلى 109 بالمائة في عام 2020 الى 132 بالمائة سنة 2021.
و أدى غياب سياسات فعلية للترشيد في استهلاك الماء الى أزمة حقيقية في المياه في تونس . من جهة قلة التساقطات ومن جهة أخرى الإفراط في استغلال الموارد المائية و الاستخدام غير المشروع في حالات أخرى ، لهذا السبب أصبح من الضروري اليوم وقف النزيف في قطاع الموارد المائية ، عبر إعلان حالة الطوارئ للمياه الامر الذي سيسمح باعتماد وتنفيذ تدابير استثنائية تجنب حدوث الانهيار المائي.
و لمواجهة أزمة المياه لا يمكن التعويل فقط على بعض الإجراءات التقنية و النظرية التي سبق اعتمادها و فشلت في إدارة مجال المياه في تونس . فالمسألة لا تتعلق بقطاع محدد بل هو أعمق من ذلك و هو يتعلق بأمن الدولة . تونس بحاجة الى مجلس أعلى للمياه تتداخل فيه جميع القطاعات المعنية و يعمل على تنفيذ استراتيجيات وطنية لإدارة الموارد المائية و يعمل أيضا على بناء السياسات الوطنية لقطاع المياه في تونس.
رباب علوي
تعليقك
Commentaires