alexametrics
الأولى

موجة الجرائم في تونس - الاعدام ليس الحلّ !

مدّة القراءة : 4 دقيقة
موجة الجرائم في تونس - الاعدام ليس الحلّ !

 

بينما ألغى 141 بلدا أي ما يعادل ثلثي بلدان العالم عقوبة الاعدام ، ينصب رواد الفايسبوك في تونس أنفسهم جلادين يُجهزون المشانق، بعد كلّ جريمة تهزّ الرأي العام،  الذي لا تتجاوز أحيانا معرفته بالقضية سوى فعل التصفح السريع والتضامن المناسبتيّ.

 

راحت الشابة رحمة لحمر  ضحية تصاعد العنف في الفضاء العام ضد النساء بعد جريمة قتل بشعة، لكن ما يلفت الانتباه في تفاعل جزء من التونسيين مع هذه القضية  هو أساليب التشفي القروسطية التي  يفترحها التونسيين انتقاما من المجرم ; "الاعدام في شارع الحبيب بوقيبة، الشنق في ساحة عمومية، الحرق، قطع الأوصال، الخصي ثم الاعدام بالرصاص" هذا كانت الاقترحات ضمن تعاليق المواطنين المُنادين باعدام قاتل رحمة، تعاليق صادمة تستبطن عنفا مهولا منفلتا من كل عقال. لم ينتظر البعض محاكمة أو ادانة، وانطلقت الصفحات في نشر صورة "المجرم" المزعوم دون أيّ اثبات على أنه صاحب الصورة ونسج روايات شعبية  لا صحة لها عن الذبح وتقطيع جثّة الضحية وحملات مثل "اذا كنت مع الاعدام ضع جام" وغيرها من الحماسة الافتراضية التي شغلت التونسيين نهاية هذا الأسبوع وستمضي مع الريّح اذا ما شغلتهم قضية جديدة.

 

 ان التريث والتثبت ليسا تتفيها أو انكارا لبشاعة جريمة القتل ولا اضاعة لحقّ الضحية رحمة لحمر ودعوة للتساهل أو الافلات من العقاب-  ولكن دور الجهاز العدلي لا ينتهي حين يقرر المواطنون على فايسبوك أن هذا المجرم أو ذاك يستحقّ الاعدام ! ومن المخزي، استغلال الام عائلات الضحايا  وهول الفاجعة وتوظيف العنف المسلط ضد النساء، لنُصرة أطروحة الاعدام كثأر غرائزي أبعد ما يكون عن تحقيق العدالة. لا يعدو البحث عن وسيلة "إنسانية" للقتل كونه جريمة، حتى وان كان منفذها الدولة. العدالة والانتقام شيئان مختلفان؛ فإعدام شخصٍ لأنه أهدر حياة شخص آخر يعد انتقاماً، وليس عدلاً.

 

في التشريعات التي تسمح بالاعادام ومنها الأنموذج التونسي يستمد هذا الحكم من العرف القاضي بقاعدة العين بالعين ومن الدين القاضي بالقصاص، لكن القانون في اصله كفلسفة ومفهوم، وجد لإصلاح  الطبيعة البشرية  وتنظيمها وليس لاستنساخها. يشرع القانون التونسي عقوبة الإعدام ضمن المجلة الجزائية ومجلة المرافعات والعقوبات العسكرية. "الإعدام هو عقوبة جريمة القتل العمد مع سابقية الإضمار، وفي حالات الاعتداء على أمن الدولة الداخلي والخارجي كأعمال التجسس أو الاعتداء على حياة رئيس الدولة كما يعاقب بالإعدام العسكريون الفارون من العدو أو الذين لم ينفذوا الأمر بالهجوم عليه."

أصوات عدّة نادت بعد الثورة بالغاء هذه العقوبة أهمها الائتلاف التونسي لالغاء عقوبة الاعدام  ولجنة الحريات الفردية والمساواة التي يحمل تقريرها في فلسفته تأييدا للحق في الحياة وفق المبادئ الكونية لحقوق الانسان. اللجنة التي ترأستها الحقوقية بشرى بالحاج حميدة اقترحت على رئيس الدولة الراحل باجي قائد السبسي في تقريرها الإلغاء الكلي لعقوبة الاعدام أو الإلغاء الجزئي وحصرها  في الحالات القصوى.

 

تصدر المحاكم التونسية الأحكام بالاعدام وفق ماتشرعه المجلة الجزائية،  ليمتنع رئيس الدولة عن الامضاء على التنفيذ، مما يمنع تنفيذ حكم الإعدام.  بعد الاستقلال، شهدت تونس 135 حالة إعدام، منها 129 وقع تنفيذها في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الذي وافق على تطبيق جل الأحكام الصادرة عن القضاء. منذ 20 مارس 1956 الى سنة 1987  نفذ الاعدام في حق 129 شخصا ثمتوقف تنفيذ الحكم الى غاية أكتوبر 1991 تاريخ اعدام منفذي أحداث باب سويقة وهم خمس أشخاص، وكان آخر تنفيذ لحكم الإعدام في تونس سنة 1991 في حق سفاح نابل ناصر الدامرجي. وعوض أن تُـتّم تونس مسارها الديمقراطي بالغاء هذه العقوبة  التي تمنح للدولة مشروعية تنفيذ أقصى درجات العنف ياسم العدالة، يعود  المنادون  بتنفيذ هذه العقوبة التي لا رجعة فيها قصاصا للضحايا. لاطالما كان الإعدام أداة سياسية، تستخدمها الدول القمعية للتخلص من معارضيها، ومازالت لليوم الأنظمة الرجعية والشمولية في صدارة منفذي العقوبة القصوى على رأسهم ايران، الفييتنام، العراق والصين. لم ينخفض مستوى الجريمة في أيّ من هذه البلدان، بل أنه وصل الى مستويات قياسية في ايران التي تنفذ مئات عقوبات الاعدام سنويا. حتمية حكم الاعدام تجلب معها احتمال قتل متهم بريء بدم بارد، اذا كان الحُكم مبنيا على مؤيدات يتضح لاحقا أنها باطلة، ولذلك فان القانون التونسي يستوجب اجتماع دائرة جنائية من خمسة قضاة وموافقة اربعة قضاة على الأقل، ثم توقيع رئيس الجمهورية على القرار.

 

ما يجمعنا بالدولة، وما يفرقنا عن القبيلة والعشيرة، أننّا لا نجوب الشوارع والسيوف مُشهرة بأيدينا دفاعا عن الذات أو انتقاما من المعتدي. ففي سعينا الى أن نكون مجتمعا أفضل، تبنينا عقدا اجتماعيا يحولنا الى مواطنين يؤمنون بالقانون وبسلطة الدولة في تدبير الشأن العام وضمان الأمن والعدالة وهذا العقد لا يحكمه الهوى ولا تستميله الرغبات- هذا العقد لا يحسُ بالظلم ولا يحزن ولا يفرح، هذا العقد ليس تدوينة على فايسبوك ولا يمكننا الغاؤه  بمجرد شعورنا بالغضب، وهذا العقد يعني ضرورة ضمان محاكمة عادلة مهما كانت التهمة.

 

 

لا يصبح للدولة  الحق الأخلاقي الذي يسمح لها بإنهاء حياة أي إنسان لمجرد أن العنصر الشعبي أراد ذلك، الدولة أولا مطالبة بتوفير الأمن والقطع مع ثقافة العنف وتحقير النساء.يدعم صف كبير من التونسيين الاعدام كعقوبة لمرتكبي جرائم اغتصاب الأطفال والقتل والارهاب، لكن هل يجب للدولة أن تنصاع للمزاج الشعبي الذي تحركه العاطفة (ولو كانت نبيلة) وهل نطلبُ  بذلك من الدولة أن تكون كائنا عاطفيا مثلنا، ونطلبُ من المشرّع أن يخط القوانين بدوافع كالانتقام والتشفّي-  وهل يمكن للدولة أن تحتكر القتل بما هو مصادرة لحقّ الحياة (جريمة) وتظل دولة عادلة ؟   

 مزيد من المعلومات حول الاعدام في تونس في هذا المقال لشكري لطيف.

 

عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter