الاقتصاد التونسي : بوادر ايجابية رغم الازمة
في الوقت الذي تعيش فيه تونس صعوبات اقتصادية خانقة بسبب تراكم الديون و التي وصلت الى 16.3 مليار دينار من جهة و الإجراءات التي صاحبة انتشار فيروس كورونا من جهة أخرى، بدأت بعض بوادر التحسن تظهر رغم تراجع نسبة النمو ب 8.8 بالمائة و تسجيل الميزانية لعجز ب 40.11 بالمائة.
و تظهر بوادر التحسن في بعض المؤشرات الاقتصادية و بالتحديد في المبادلات التجارية من خلال ارتفاع الصادرات خلال شهر مارس الماضي و التي ساهمت فيها بشكل كبير ارتفاع صادرات قطاع الطاقة ، أيضا سجل العجز التجاري تراجعا في شهر مارس 2021 مقارنة بشهر فيفري من نفس السنة ، و هو ما أكدته ارقام المعهد الوطني للإحصاء.
فبحسب نشرية المعهد الخاصة بالتجارة الخارجية ارتفعت المبادلات التجارية التونسية مع الخارج بالأسعار الجارية خلال شهر مارس من السنة الحالية مقارنة بشهر مارس 2020، وشهدت الصادرات ارتفاعا بنسبة 17.6 بالمائة لتبلغ قيمة 3996,1 مليون دينارا :" وتتجاوز للمرة الأولى مستواها المسجل في فيفري 2020، وذلك شهرا قبل تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل ".
و يعود ارتفاع الصادرات بالأساس الى التحسن الذي عرفته ثلاثة قطاعات اقتصادية : الصناعات الميكانيكية و الكهربائية، الطاقة والفسفاط، فارتفعت صادرات الصناعات الميكانيكية و الكهربائية ب 15.1 بالمائة، و ارتفعت صادرات قطاع الطاقة بنسبة 358.3بالمائة، و أيضا ارتفعت صادرات قطاع الفسفاط و مشتقاته رغم الازمة التي مر بها بنسبة 69.1 بالمائة.
صادرات شهر مارس المرتفعة كرسها ارتفاع الصادرات مع الاتحاد الأوروبي و هو الشريك الاقتصادي الأبرز لتونس ، فتطور الصادرات مع إيطاليا بنسبة 40.1 بالمائة و مع فرنسا بنسبة 30.9 بالمائة و المانيا بنسبة 18.2 بالمائة، و عربيا شهدت الصادرات مع ليبيا ارتفاعا ملحوظا وصل الى حدود 148.1 بالمائة و يعود ذلك الى الاستقرار السياسي النسبي في ليبيا لعد تشكيل الحكومة الليبية الجديدة.
كذلك أظهرت مؤشرات المعهد الوطني للإحصاء ارتفاعا في واردات شهر مارس 2021 بنسبة 4.9 بالمائة لتبلغ قيمة 5054,8 مليون دينار و هي نسبة تقترب من مستويات ما قبل بداية الازمة الصحة، و هذا يعود الى ارتفاع واردات المواد المصنعة بنسبة 12.3 بالمائة و مواد التجهيز بنسبة 8.1 بالمائة و المواد الاستهلاكية بنسبة 14.5 بالمائة.
و في حين بلغ العجز التجاري في شهر فيفري 2021 1421.8 مليون دينار ، سجلت مؤشرات العجز التجاري تراجعا في مارس 2021 لتصل الى حدود 1052.7 مليون دينار أي بتراجع بقيمة 363.1 مليون دينار مقارنة بشهر فيفري، و تحسنت نسبة تغطية الواردات بالصادرات بـ 8,6 نقطة في مارس 2021 مقارنة بشهر فيفري 2021 و سجلت ارتفاعا بنسبة 79.1 بالمائة.
لكن و رغم بعض المؤشرات الإيجابية لا تزال الازمة الاقتصادية متواصلة و يكمن الحل الأنسب للخروج من هذه الازمة في تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي و الذي وضع شروطا لمساعدة تونس ابرزها وضع برنامج اقتصادي محدد و متفق عليه بين جميع الأطراف و اجراء إصلاحات اقتصادية و مالية فعلية.
ففي تقريره حول اختتام المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مشاورات المادة الرابعة 1 مع تونس الصادر في فيفري 2021 قدم صندوق النقد الدولي جملة من التوصيات : خفض العجز المالي، خفض فاتورة الأجور ، الحد من دعم الطاقة مع إعطاء أولوية للإنفاق على الصحة العامة والاستثمار وحماية الإنفاق الاجتماعي الموجه للمستحقين ، تعزيز عدالة النظام الضريبي ، تشجيع القطاع الخاص و تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق للمؤسسات العمومية.
و اكد تقرير صندوق النقد الدولي ان السياسة النقدية في توني يجب أن تركز على التضخم عن طريق توجيه أسعار الفائدة قصيرة الأجل، مع الحفاظ على مرونة سعر الصرف و تجنب التمويل النقدي للميزانية، و دعا التقرير الى تنفيذ خارطة طريق لاستهداف التضخم وإعداد خطة تدريجية تقوم على شروط لتحرير الحساب الرأسمالي، مع مراقبة سلامة القطاع المالي عن كثب.
و يبدو انه و بالنظر الى المؤشرات الاقتصادية الحالية لا بديل للحكومة التونسية سوى تنفيذ هذه التوصيات و يبقى التحدي الذي ستخوضه تونس مستقبلا هو وضع برنامج اقتصادي واضح و تغيير سياستها الاقتصادية التي اثبتت فشلها خلال السنوات القليلة الماضية و ذلك من خلال التقليص في مصاريف المالية العمومية و الاتجاه اكثر نحو الاستثمار فهو الوسيلة التي ستسترجع بها ثقة شركاءها الاقتصاديين و ستتمكن من خلالها من تحريك عجلة الاقتصاد.
فأحد أسباب الازمة الحالية هو غياب الرؤية الواضحة للخروج من الازمة و الاتجاه الى التداين بدل الضغط على المصاريف و الاستثمار فعلى سبيل المثال لم تتغير ميزانية الاستثمار كثيرا خلال السنوات الخمس الماضية في المقابل واصل الدين الخارجي ارتفاعه، ففي سنة 2016 و التي بلغت فيها قيمة الدين 8 مليار دينار لم تتجاوز فيها ميزانية الاستثمار 5.4 مليار دينار، و في سنة 2020 بلغت قيمة الدين الخارجي 18.2 مليار دينار مقابل 7.2 مليار دينار قيمة ميزانية الاستثمار، و سنة 2021 و حسب قانون الميزانية تبلغ قيمة الاقتراض 18.6 مليار دينار في الوقت الذي رصدت فيه الحكومة ميزانية استثمار ب 8.3 مليار دينار.
و يبقى تطبيق هذه الإجراءات الاقتصادية رهين الإرادة السياسية و التي لا يمكن الحديث عنها في ظل التناحر السياسي و القطيعة التي تشهدها العلاقة بين رئيس الجمهورية قيس سعيد و رئيس الحكومة هشام المشيشي فتونس اليوم تحتاج الى هدنة سياسية و الى توحيد الصفوف من اجل بناء مستقبل افضل.
رباب علوي
تعليقك
Commentaires