alexametrics
الأولى

الحلّ لإجراء حوار وطني يكمُن في إجراء حوار سياسي توافقي

مدّة القراءة : 7 دقيقة
الحلّ لإجراء حوار وطني يكمُن في إجراء حوار سياسي توافقي


''أنا لا أحكُم.. أنت لا تحكُم.. ولا نترك من يحكُم''  هذه المقولة التي تعود لأستاذ القانون الدستوري، أمين محفوظ، تُلخّص المشهد السياسي الكارثي الذي تعيشه تونس على مُستوى مجلس نواب الشعب الذي أصبح حلبة صراع بين النواب وعلى مُستوى رأسي السلطة التنفيذية التي تشهد تفكّكا وقطيعة قوية بين رئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس الجمهورية قيس سعيد. 


ما يُقارب السنة ونصف مرّت على  تركيز البرلمان التونسي وانتخاب قيس سعيد رئيسا للجمهورية ومن ثمّ بعد ماراطون كبير وحادّ النزاع تمّ تعيّين هشام المشيشي رئيسا للحكومة، هذه المؤسسات السيادية الثلاثة هي اليوم بمثابة غطاء خارجي لفوهة بئر عميقة تُوحي للدول الأجنبية أنّ تونس تشهد تناسقا وتناغما بين رؤساء السلطة التنفيذية والتشريعية في حين أنّ هذه البئر العميقة تُخبّئ نيران صراعات ونزاعات بين كلّ الأطراف السياسية  وقد أتت شُعلتُها على إضعاف كافّة أوصال الدولة وخلقت أزمة طالت كلّ المجالات الإقتصادية والإجتماعية والصحية. 


تونس انهارت من الداخل والمسؤول الأوّل والمُباشر عن هذا الإنهيار والتفكّك هم الذين يُمسكون اليوم بزمام السلطة، الطبقة السياسية من رئيس دولة ورئيس حكومة ورئيس برلمان ونواب شعب، جعلوا من القطيعة وسوء المعاملة وتسجيل النقاط السياسية على بعضهم البعض أسلوبهم في تسيّير البلاد التي اقتادوها في آخر المطاف إلى السقوط والغرق في هاوية العبث والحُكم الهجين. 


أمام هذه القطيعة والنظام السياسي الرديء، حاول الإتحاد العام التونسي للشغل إنقاذ ما تبقى من تونس من خلال إجراء حوار وطني يضمّ كلّ الفرقاء السياسيّين ويجمعهم على نفس طاولة الحوار لإيجاد حلول تُعالج الأزمة الإقتصادية والإجتماعية والصحية. هذه المُبادرة لإجراء الحوار ظلّت مجرّد ملف به حبرٌ على ورقٍ في إحدى رفوف خزائن قصر قرطاج، بعد أن مرّت  أربعة أشهر كاملة على تسلّمِها من قبل قيس سعيد الذي أبدى مبدئيا قبولها



ما لم ينتبِه له إتّحاد الشغل أنّ القطيعة السياسية بين ممثلي الأحزاب والرئاسات الثلاثة لها دور كبير في تأخير الحوار الوطني الذي تدعو له المنظمة الشغيلة، اليوم بات من الضروري والعاجل إجراء حوار سياسي توافقي  لإيجاد حلّ للأزمة السياسية الخانقة وهذا الحوار سيُمهّد بطريقة طبيعية وسهلة إلى إجراء حوار وطني يجمع كلّ المتدخلّين من منظمات وطنية وأحزاب سياسية على نفس الطاولة وسيتمّ إيجاد حلولٍ لبقية الأزمات. 


حوار سياسي صُلحي بين قيس سعيد وهشام المشيشي


لا يُعقل أن تستمرّ مؤسسات الدولة وهياكلها في العمل بشكل طبيعي دون أن يكون رئيس الدولة ورئيس الحكومة يعملان في كنف التشاور والتناسق، إنّ حالة القطيعة بين المشيشي وقيس سعيد زادت حدّتها بسبب التحوير الوزاري الذي قام به رئيس الحكومة في حكومته ورفضه رئيس الجمهورية متعلّلا بوجود شبهات فساد تتعلق ببعض الوزراء الجُدد الذين شملهم التحوير. أصبح هاجس قيس سعيد اليوم إزالة وإزاحة المشيشي من الحكومة للدخول في حوار وطني وعلى ما يبدو أنّ سعيد قد حزّ في نفسه خروج هشام المشيشي عن طوعه ووضع يده في يد رئيس حركة  النهضة راشد الغنوشي الذي شكّل له حزاما برلمانيا قويا يضمن له مواصلة الحُكم. 


يجب على كلّ من رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي أن يلتقيا على طاولة الحوار وأن يُحاولا طرح كلّ نقاط الخلاف والصراع بينهما وأن يعملا على إيجاد حلّ لتلك الخلافات من أجل مصلحة تونس وشعبها. كما يجب أن يعِي كلّ منهما أنّ مركزهما حساس وسيادي في البلاد وإن لم يتفقا هما على نفس التمشي لإنقاذ تونس فإنّ حالة الفوضى والتشنّج ستعمّ البلاد. 


حوار سياسي صُلحي بين مكوّنات البرلمان


لم يعُد يخفى على أحد داخل تونس أو خارجها، الحالة التي وصل لها مجلس نواب الشعب ''حالة كارثية''، فعلاً لقد تحوّل من مؤسسة تشريعية إلى حلبة صراع بين النواب وتقريبا اعتاد التونسيون إن لم يكن يوميا على مشاهدة ''فضائح'' ممثّليهم في البرلمان الذين انتخبوهم كي يحقّقوا لهم مطالبهم. نواب البرلمان زادوا من قتامة وتعاسة المشهد السياسي، الكلّ ضدّ الكلّ ولا أحد من بينهم يُعلي مصلحة تونس، هو برلمان تحالفات وانشقاقات وللأسف بات برلمان تكفير وترهيب وفلكلور من السبّ والشتم وتبادل العنف الجسدي واللفظي بين النواب. 


الإختلافات الحزبية والتوجّهات السياسية المُتقاطعة خلقت حالة استنفار وكره وعداوة بين نواب البرلمان، خاصّة بين التيار الإسلامي الجامع لحركة النهضة وائتلاف الكرامة والحزب التجمّعي الوفي لعهد الرئيس الراحل بن علي، الدستوري الحرّ. سيف الدين مخلوف رئيس ائتلاف الكرامة الإسلامي ونواب كتلته مثّلوا مثلث الرعب والتكفير والترهيب في البرلمان وتميّزوا بأسلوبهم العدائي في التعامل مع زملائهم النواب وبخطاباتهم التي تُحرَّض على الكراهية، عبير موسي أصبحت العنصر الوحيد المتحكّم في سير الجلسات العامة فهي تعتمد أسلوب القوة فإما أن يُسمح لها بالتصوير عبر هاتفها الجوال أو أنّها ستقوم بخلق حالة فوضى داخل القاعة كي تُعطل الجلسة العامة. 


لم يعُد هناك مُتّسع من الوقت كي تستمرّ هذه الصراعات الضيّقة والثنائية، تونس لم تعُد تتحمل أكثر وعلى هؤلاء النواب إعلاء المصلحة الوطنية لتونس وشعبها ومن الأجدر بهم إجراء حوار سياسي يجمع كلّ الأعداء على نفس الطاولة ويتمّ وضع ميثاق سياسي يُلزم الجميع بالعمل داخل البرلمان في كنف الإحترام والتفاهم وأن يجدوا حلاّ لمشاكلهم الحزبية بعيدا عن مؤسسة سيادية كالبرلمان. 



الحوار الوطني لإيجاد حلّ للأزمة الإقتصادية والإجتماعية والصحية


اتّحاد الشغل الذي بادر باقتراح إجراء حوار وطني وقدّم المُبادرة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد هو الآن في حالة إنتظار متواصل دامت أربعة أشهر نظرا إلى أنّ رئيس الدولة لم يُقرّر بعد الخوض في هذا الحوار وكان أمين عام المنظمة الشغيلة نورالدين الطبوبي قد صرّح أنّ قيس سعيد اشترط استقالة هشام المشيشي من الحكومة لينطلق في الحوار. اتحاد الشغل كان يتوقّع هذا الصمت الرهيب من قبل قيس سعيد لذلك قام بإعداد مشروعه البديل للإنقاذ وكان الطبوبي قد صرّح أنّ الاتحاد لن يلعب دور المتفرّج إزاء الوضع الخطير الذي تعيشه تونس بسبب مهاترات النخبة السياسية الفاشلة التي تفتقر إلى مفهوم الدولة ومسؤولية رجالاتها.


رئيس الجمهورية قيس سعيد كعادته دائما يُفاجئ الجميع بقرارات وتصرّفات أحادية، استقباله يوم أمس الأربعاء لوزير المالية السابق نزار يعيش الذي قدّم له عرضا مفصّلا حول وضعية الاقتصاد والمالية العمومية والميزانية وتهديداتها المباشرة على الأمن القومي، وإعلانه عن استعداده  للإشراف على تنظيم حوار وطني يشارك فيه  الشباب عبر وسائل الاتصال الحديثة، مثّل استنقاصا وسخرية من قيمة اتحاد الشغل الذي لم يجبه بعد على الحوار الوطني إن كان بالرفض أو القبول. 


''إلِي عملو رئيس الجمهورية مُش حلُو'' كان هذا تصريح سامي الطاهري الأمين العام المساعد في اتحاد الشغل الناطق الرسمي باسم الإتّحاد، الذي استنكر التصرّف الذي يخلو من الإحترام لهيبة الدولة ولرئاسة الجمهورية الذي قام به قيس سعيد. الطاهري عبّر عن تفاجئ اتحاد الشغل من لقاء سعيد بالوزير السابق نزار يعيش وإعلان استعداده لحوار وطني يضمّ الشباب وكأنّه استفتاء عبر الإنترنت ونفى سامي الطاهري أن تكون هذه المبادرة شبيهة بمبادرة المنظمة الشغيلة. 


يبدو أنّ قيس سعيد بهذه التصرفات التي أهانت اتحاد الشغل أراد مجاراة المشيشي الذي أشرف على  انطلاق أولى لقاءات بيت الحكمة بقرطاج للحوارات  المخصصة لإعداد خطة الإصلاح الاقتصادي للحكومة من أجل مجابهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية وكان معه محافظ البنك المركزي مروان العباسي، والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، ورئيس اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سمير ماجول، وعدد من الفاعلين الاقتصاديين، حسب ما أكده بيان رئاسة الحكومة.



لا سبيل لإجراء حوار وطني شامل يجمع كلّ الأطراف دون المرور أوّلا بحوار سياسي بين الرئاسات الثلاثة، المشيشي وقيس سعيد والغنوشي، وبين نواب البرلمان. يجب على هؤلاء أن يجدوا حلا توافقيا لمشاكلهم الحزبية والسياسية الضيّقة كي يمرّوا في ما بعد إلى حوار وطني يجلس فيه الجميع على نفس طاولة الحوار وتكون مصلحة تونس وشعبها هي هدفهم الموحّد والوحيد. 


يسرى رياحي


 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter