تعوّدنا أن نسمّي مزاج الغنوشي السياسي القُلّب " بالازدواجية" لكن بان جليّا أنّ هذه الصفة عجزت عن مواكبة الرجل في تقلّبات مزاجه فتوقّفت عن مسايرته وأعلنت عن قصورها. قد يذهب البعض، وخاصة من أتباعه المعجبين بمواقفه، إلى اعتباره رمزا للذكاء والدهاء السياسيين، ولذلك فهو لم يسقط في ايّ امتحان يواجهه، بينما يذهب البعض الآخر من مخالفيه إلى تصنيف مواقفه تلك ضمن خانة الكذب و" التملّص" من المسؤولية كلّما تعرّى موقفه، وهو أمر ينآى به كلّ سياسيّ يحترم أتباعه ومخالفيه. وسأبيّن ذلك:.
أفكار - نائلة السليني
كم هو شبيه وضعنا بوضع امرأة رفاعةَ القُرَظِيِّ جاءَت إلى الرسول فقالت : يا رسولَ اللهِ ، إن رفاعةَ طلقَني فبَتَّ طلاقي ، وإني نكحتُ بعدَهُ عبدَ الرحمنِ بنِ الزبيرِ القرَظِي ، وإنمَا معَهُ مثلُ الهُدْبَةِ ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : لعلكِ تريدِينَ أنْ ترْجِعي إلى رفاعةَ ؟ لا ، حتى يذوقَ عُسَيْلَتِكِ وتذُوقي عُسَيْلَتَهُ. سبع سنوات مكتملة مرّت على هذه المعاشرة مع الإخوان، وفرض علينا أن نذوق عسيلتهم التي لخّصها زعيمهم في بلاغة كبيرة في لفظ " التدافع" لفظ كان غريبا على الكثيرين لكنّه معروف عند العارفين بسيرتهم، فأدركوا أنّها وإن كانت زيجة " ضيزى" فلن ينجو منها سياسي ولا مثقّف ولا عامّيّ، مثلما أدركوا أنّهم قادمون لا محالة على تجربة " المحنة الكبرى"..
هو حديث قديم جديد ذكّرتني به أمور جمّة: ذكّرني به هؤلاء الذين انتظروا من يرشّحهم علماء علينا، وما أكثرهم بعد الثورة ، فطال انتظارهم ولذلك قرّروا أن يُجلسوا أنفسهم على كرسيّ " العلم" أي في معنى الإفتاء. .
استفاق الناس هذا الأسبوع على حقيقة صادمة، حقيقة تفرض نفسها مع غيرها من الحقائق المرّة التي علينا مواجهتها : حقيقة تدنّي مستوى المعيشة وانغلاق التواصل مع المسؤولين سواء كانوا من الحكومة أو السياسيين أو النواب، حقيقة انحسار الأفاق وتسرّب اليأس إلى النفوس المتعبة القلقة. انشغل الناس بهذا " البعبع" الذي عظمت هامّته واستقام ليلتهم ما تبقّى من عظامنا: لقد اسموه " بصندوق الحقيقة والكرامة"...
أعتقد أنّ الإجابة عن هذا السؤال هي رهينة الإجابة عن سؤال آخر: ماذا يريد الباجي من النهضة؟ أن تضحّي بجهازها العسكري؟ أو أن تخذل الشاهد؟ .