بعد سلسلة الإتّهامات المُشفرة: متى سيكشف قيس سعيد عن الحقائق الخطيرة التي يعلمُها ؟
بعد سلسلة الخطابات المُبهة والإشارات الغير واضح أهلها لرئيس الجمهوريّة قيس سعيد تُجاه نواب البرلمان والأحزاب السياسية بصفة عامّة والتي تعوّد بها الرّأي العام، كان خطابه الأخير ''التوبيخي'' لرئيس الحكومة هشام المشيشي النقطة التي أفاضت الكأس ومثّل خطابه المُتعدّي لسلطته والخارق للدستور محور حديث الرأي العام والمنابر الإعلامية منذ مساء يوم الأربعاء 23 سبتمبر الجاري.
منذ توليه رئاسة الجمهوريّة في أكتوبر 2019، تميّزت خطابات قيس سعيد بالغموض وعدم الشفافية وتعمّد دائما الإساءة بطريقة غير مباشرة للسلطة التشريعية وكلّ من ينتقد أسلوبه في الحكم مُشدّدا على أنّ الطرف الوحيد الذي يعنيه ويهمّه أمره هو الشعب أيّ الشعبيّة الكبيرة التي انتخبته رئيسا لكلّ التونسيّين.
عودة على خطابات قيس سعيد المبهمة والمُشفّرة
سنعود في هذا المقال على بعض الخطابات الأخيرة لرئيس الدولة قيس سعيد والتي كعادته تعمّد فيها توجيه التُهم لبعض الأطراف والحديث عن من يكيدون للدولة دون ذكر أسمائهم ولكن لا يخفى عن الجميع أنّ كلّ تلك الرسائل المشفّرة التي ينطق بها الرئيس قيس سعيد والتي غلب فيها إستعماله لضمير الغائب ''هُم'' موجّهة للطبقة السياسية التي أنتجتها انتخابات 2019، بدأ بالأحزاب في البرلمان وانتهاء منه إلى منتقديه.
خطابه أثناء زيارته إلى الأكاديمية العسكرية بفندق الجديد يوم 15 ماي الفارط، توجّه قيس سعيد قائلا ''يقيسون كلّ شيء بمقايّيسهم هذا فضلا عن الكذب والرياء و الإفتراء، هم يعلمون أننا وإياكم حرصون على الشرعية من الحالمين الواهمين الكاذبين المفترين''.
خطابه إلى الشعب التونسي بمناسبة عيد الفطر يوم 23 ماي الفارط، كعادته مُستعملا ضمير ''هم'' توجّه قائلا '' بعضهم ما زال يحنّ إلى ما مضى يحنّ إلى العودة إلى الوراء وآخرون يهيّؤون أنفُسهم لأنفسِهم بما يحلمون وبما يشتهون والبعض الآخر للأسف دأبهم النفاق والرّياء والكذب والإفتراء ليس هذا مجال الردّ على هؤلاء...من يستعدّ للفوضى بل ويتنقّل من مكان إلى مكان لإضرام النّار في ممتلكات هذا الشعب فسيكون بالتأكيد أوّل من سيحترق بألسنة لهيبها''.
خطابه أثناء زيارته لمقر قيادة فيلق القوات الخاصة العسكرية 21، بمنزل جميل من ولاية بنزرت يوم 21 جويلية 2020، أفاد قيس سعيد قائلا ''كلّ من يريد أن يتحالف مع الخارج ضدّ الدولة التونسيّة، ستتصدّى له القوات العسكرية المسلّحة، جيشنا لن يقبل بأيّ تعدّي على تونس ولن يقبل بأي خروج عن الشرعيّة ومن يُفكّر في الخروج عن الشرعيّة فليعلم أنّه سيصطدم بحائط سيتكسّر عليه بل ستتكسّر عليه أحلامه وأضغاث أحلامه''.
''أعلم جيّدا دقائق وتفاصيل ما يقومون به وأعلم جيّدا ما يسعون إلى تحقيقه، الفوضى التي يسعون إلى إدخالها في البلاد سيتمّ إفشالها بإرادتكم وحزمكم وبإرادتنا مهما كانت التضحيات...أعلم جيّدا سهراتهم ومآدبهم وأعلم ما يقولونه في لقاءاتهم، يُهيّؤون الظروف للخروج عن الشرعية...كلّ من يتآمر على الدولة التونسيّة ليس له مكان في تونس وليس له مكان حتى تحت ثراها...رئاسة الدولة ليست بالكرسيّ الشاغر ورئيس الدولة سيعمل بكلّ ما أوتي من قوّة في إطار القانون على فرض احترام القانون على الجميع دون استثناء أيّ كان .. ليس هناك شخص فوق القانون بما في ذلك رئيس الدولة''.
خطابه أثناء زيارته لعاملات الفلاحة بمنطقة المرايدية في ولاية جندوبة يوم 13 أوت 2020، حاول رئيس الدولة توجيه خطابه للّذين يُصنّفهم أعداء للإنسانية من منبر النساء الكادحات واعتقادا منه أنّهنّ معنيات بما سيقوله وأشار قائلا '' يجدون الأموال فقط لتمويل حملاتهم الإنتخابية''.
خطابه أثناء إشرافه على موكب أداء أعضاء حكومة المشيشي لليمين الدستورية، اغتنم قيس سعيد الفرصة لإخراج ما في قلبه من غضب تُجاه رؤساء الأحزاب ونواب البرلمان قائلا ''" كثيرة هي الأزمات التي تمّ افتعالها من قبل بعض السياسيين وتابعت يوم أمس من أصدع بالحق ولم يتردّد في كلمة الحق وتابعت من كذب وادعى وافترى وما أكثر المفترين هذه الأيام لكن هنالك دائما رجال صادقون ثابتون'' وأكّد لهم قائلا : ''بيننا الله والأيام...ماذا فعلتم أنتم في الأيام الماضية وفي الأشهر الماضية باستثناء المشاورات في الليال وتحت جنح الظلام، أنا على علم بما قيل وعلى علم بالصفقات''.
كانت هذه نبذة مُصغّرة على الكم الهائل من الرسائل المشفّرة التي بعث بها قيس سعيد بصفته أعلى سلطة في البلاد إلى نواب الشعب ورؤساء الأحزاب الذين يمثّلون السلطة التشريعيّة وهم كذلك الذين انتخبهم الشعب التونسي ليُمثّلهم. بعد هذه الخطابات الممتلئة بالتوعّد لهؤلاء، تجاوز قيس سعيد صلاحياته يوم الأربعاء الفارط وقام بالتقليل من شأن رئيس الحكومة هشام المشيشي أمام الجميع بعد أن بثّت رئاسة الجمهورية فيديو يتضمّن لقاء رئيس الدولة برئيس الحكومة وبعد عمليّة المونتاج تمّ تمرير كلمة قيس سعيد المشحونة بالنصائح لهشام المشيشي وتمّ قصّ جواب رئيس الحكومة.
قام قيس سعيد بتوبيخ هشام المشيشي على بعض التعيّينات التي يعتزم القيام بها في الحكومة وأشار له أمام عامّة الشعب أنّ عددا من الأشخاص الذین یروّج لتعیّینهم فی عدد من المناصب لا تزال قضاياهم جاریة أمام المحاكم، وأعلمه أنّه يتوجّب عليه انتظار الكلمة الفصل للقضاء قبل الاستعانة بهم في هذه المرحلة في إدارة الشأن العام، مشدّدا على أنّ لا أحد فوق القانون ولا أحد له أن یتحصّن أو یعتصم بنصوص وضعت لضمان استقلالیته لا لضمان إفلاته من تطبیق القانون. هذا الخطأ من أعلى هرم في البلاد، أثار موجة من الاستنكار لدى عدد من الشخصيات السياسية التي اعتبرت أنّ رئيس الجمهورية تجاوز صلاحياته وتدخل في صلاحيات رئيس الحكومة وأساء التصرف بروتوكوليا و معنويا، كما أنّ قيس سعيد كان بإمكانه أن يُناقش تلك التعيّينات بطريقة خاصّة وغير معلنة مع هشام المشيشي دون أن يسقط في التعدّي على الدستور وعلى صلاحيات رئيس الحكومة.
مصالح رئاسة الحكومة بالقصبة تفاعلت مع خرق رئاسة الجمهورية للبروتوكول واعتبرت أنّ في ذلك إساءة لصورة تونس من خلال طريقة إخراج الفيديو الذي تمّ بثه على الصفحة الرسمية للرئاسة وأظهر رئيس الحكومة في صورة لا تليق بدولة تحترم البروتوكول و النواميس الجاري بها العمل، وأكّد مصدر من رئلسة الحكومة لبزنس نيوز اليوم الجمعة، أنّ رئاسة الحكومة أبلغت رئاسة الجمهورية استنكارها لطريقة إخراج اللقاء وأكدت أنّ رئيس الحكومة هشام مشيشي حريص على الحفاظ على علاقات وضوابط عمل طيبة بين مؤسستي الدولة وعلى الاستجابة لكل دعوات رئيس الجمهورية للخوض في الوضع العام ومعالجة المشاكل المتعلقة بالشعب التونسي، لكنه سيرفض مستقبلا تصوير أي مقابلة يتمّ توظيفها بطريقة مسيئة للدولة ولمؤسسات الحكم.
رئيس الجمهوريّة قيس سعيد يجب أن لا ينسى أنّه رئيس كلّ التونسيّين مهما كانت الإحترازات التي يملكها ضدّ الكثيرين، كما لا يجب أن يفوته أنّه الضامن الوحيد لتطبيق الدستور ولا يحقّ له تجاوزه كما لا يحقّ له من خلال رسائله المُبهمة والمشفّرة للطبقة السياسية، إدخال الرعب والخوف بين التونسيّين وأن يخلق بينهم التفرقة وإن كانت كلّ تصريحاته صادقة عليه أن يقوم بكشف الحقائق ومحاسبة كلّ مذنب.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires