عبد الكريم الزبيدي، المرشح الذي يبدأ حملته الانتخابية.. خائفا !
ساكن قرطاج.. مترشحون يشترطون معرفة الأسئلة قبل حضورهم!
الزبيدي يتّهم وبن عكاشة يرد عليه
في السياسة، الانطباع أهم من الحقيقة، تلك هي القاعدة. بينما توشك الحملة الانتخابية للرئاسية السابقة لأوانها على الانطلاق، هناك مرشح يبدو مترددا وخائفا- أو يعطي انطباعا على ذلك، عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع المتخلي والمترشح للرئاسة بصفة مستقلة. رفضه الحضور في برنامج "ساكن قرطاج" الذي يقدمة بوبكر بن عكاشة على قناة التاسعة أعطى انطباعا لدى الرأي العام أن الرجل خائف.
قليلة هي البرامج التلفزية المخصصة للسياسة حصرا، وأمام غياب هذا النوع من المحتوى الاعلامي السياسي عن القناتين الوطنيتين 1و2، أخذ الاعلام الخاص على عاتقه هذه المسؤولية في تقريب السياسة للرأي العام غير مدعيا في ذلك "الحياد" التام في توجهاته التحريرية، بل على قاعدة الموضوعية والتوازن عكس المرفق العام الذي يحدد خطه التحريري مسبقا وفق الحياد والمصلحة العامة. في قراءة سريعة للمشهد السمعي البصري نجد أن البرامج السياسية تقتصر على حصتي "ساكن قرطاج" التي يقدمها الاعلامي بوبكر بن عكاشة على قناة التاسعة بالاشتراك مع موقعنا بيزنس نيوز والمعهد العربي لرؤساء المؤسسات، وبرنامج "تونس اليوم" الذي تقدمه الاعلامية مريم بالقاضي على قناة الحوار التونسي.
محتوى هذه البرامج لا يختلف عن المدارس ووسائل الاعلام الغربية، تمشي الحصة يقوم على استدعاء مرشح للرئاسية وطرح أسئلة تمكن المشاهد من معرفة برنامجه الانتخابي، ايجابياته وسلبياته.
أسئلة اللقاء الصحفي يجب أن موضوعية ومدروسة،، لكنها تختلف من مرشح الى اخر وفق هوية الضيف والخط التحريري لوسيلة الاعلام. إن قناة ذات توجه إسلامي مثل قناة الزيتونة قد ستحرص على تقديم مرشح إسلامي أو "ثوري" في دعاية سياسية واضحة لمرشحين مثل منصف المرزوقي ، قيس سعيد ، وسيف الدين مخلوف م من المحتمل أن تتجاهل أكاذيب الأول أو التهرب الضريبي للمرشح الأخير. أنا القنوات التي تميل للتوجه التقدمي والعلماني مثل الحوار أو التاسعة ، فان التوجه في التعامل الاعلامي سيكون الوقوف أمام زلات المترشحين والبحث عن أي تنافر وتضاد وعدم تناسق في تصريحاتهم أو برامجهم.
إن مفهوم الخط التحريري والفرق بين توجه مرفق عمومي ملزم على الحياد والتساوي بين جميع المرشحين، وتوجه وسائل الإعلام الخاصة هو أمر يصعب قبوله وتفهمه من قبل قسم من الجمهور والمرشحين الذين يطالبون الجميع بالحياد! إلا أنه من المستحيل أن تكون محايدًا في مواجهة شعبوي مثل بحري الجلاصي، والقناة الخاصة ليست مساحة مفتوحة مخصصة لبعث رسائل الدعاية السياسية للمرشح..
الميديا كانت عالما يجهله عبد الكريم الزبيدي، الطبيب، الاطار السامي في الدولة ووزير الدفاع. قدرته المتعثرة على التواصل كانت جلية لدى حضوره في برنامج تونس اليوم مع مريم بالقاضي على الحوار التونسي. جزء من المشاهدين، ممن لا يهمهم الشكل بقدر المحتوى وجدوا في الزبيدي رجلا قادرا على تحمل مسؤولية رئاسة الجمهورية. أما الأغلبية فلم ترى في حضور الزبيدي سوى مرشح متردد غير قادر على جمع شتات أفكاره وايضاحها بطريقة واثقة، واضحة، ومسترسلة. كان الانطباع عن الأداء التواصلي للرجل كارثيا.
كان فريق حملته الانتخابية ملزما على انقاذ الموقف وإيجاد حل للحفاظ على موقع الزبيدي المريح في نوايا التصويت. مع خطر الشك الذي يحوم حول المهارات التواصلية للزبيدي كان فريق الحملة أمام خيارين، اما مواجهة الاعلام والصحافيين ونقل الرسائل الصحيحة للناخبين عبر خوض حملته بطريقة كلاسيكية ..أما الخيار الآخر فهو الحملات الانتخابية حصريًا على الشبكات الاجتماعية، ومقاطعة /تشويه وسائل الإعلام التقليدية (كما فعل دونالد ترامب في حملته 2016) وهو خيار لم يتخذه أصحاب الحظوظ الوفرة في رئاسية 2019 فقط أولئك الذين تم تصنيفهم في أسفل نوايا التصويت، ولأسباب قيود الميزانية الانتخابية ، اختاروا الشبكات الاجتماعية.
الزبيدي – وفريقه الانتخابي اختاروا الطريقة الأولى موافقين بذلك على قواعد اللعبة، اختاروا المواجهة الاعلامية ورغم ردود الأفعال السلبية بعد حصة الحوار التونسي، لم يغيروا طريقتهم.
يوم الجمعة المنقضي، التقى الزبيدي بالصحفي بوبكر بن عكاشة واتفقا على تاريخ الخميس 29 اوت للحضور في برنامج ساكن قرطاج، ببث مباشر وبعد يومين من حصة ضيفها يوسف الشاهد.
كون كل من يوسف الشاهد وعبد الكريم الزبيدي من نفس العائلة السياسية ويتوجهان للقاعدة ذاتها من الناخبين، فان حضور أحدهما قبل الاخر في حصة تلفزية سيعطي الثاني أفضلية. بعد 3 سنوات في رئاسة الحكومة محاطا بمستشارين اعلاميين (مثل مفدي المسدي)، اكتسب الشاهد خبرة تواصلية جعلته يقرر تأجيل حضوره الى يوم الجمعة، بعد حصة يوم الخميس المخصصة للزبيدي.. ردا على ذلك نشر عبد الكريم الزبيدي –أو فريقه- تدوينة ينفي فيها اتفاقه للحضور في ساكن قرطاج بصفة قطعية قائلا أنه لن كون ضيف صحفي عرف بخدمته أجندا مرشح للرئاسية- ويقصد بن عكاشة. الانطباع الذي خلفته هذه التدوينة أنه ما من لقاء صحفي كان مبرمجا مع الزبيدي، وأن بن عكاشة اخترع الأمر برمته ونشره على صفحته زورا.. أما في التعليقات، فيبدو أن المرشح الذي يقصده الزبيدي في تدوينته هو يوسف الشاهد الذي طلب تأجيل حصته الى يوم الجمعة..
أمام هذه التدوينة التي تطعن في نزاهة بن عكاشة، عرف عدف هذا الأخير –لخبرته- كيف يتعامل مع الأمر، على المباشر أثناء حصة مساء أمس من ساكن قرطاج حيث كذب تدوينة الزبيدي رسميا وواجهه بمكان وتاريخ اللقاء الذي اتفقا فيه على الحضور في الحضة ، وذكر بن عكاشة أن الملحق الصحفي لوزارة الدفاع كان حاضرا في هذا اللقاء وبالتالي شاهدا (متسائلا عن سبب حضور ملحق صحفي لوزارة الى جانب مرشح للرئاسية).. وكرر بن عكاشة دعوته الزبيدي للحضور على الهواء داعيا اياه حتى الى اختيار التاريخ الذي يناسبه للحضور ..
ماعلق في الأذهان من انطباعات اثر هذه الحادثة، أن عبد الكريم الزبيدي يبدو خائفا، ولنذكر أن الانطباعات فالسياسة أهم من الحقيقة ذاتها. كان على الزبيدي الحضور حتى لو افترضنا أن بوبكر بن عكاشة صحفي غير نزيه ولا يحترم أخلاقيات المهنة –وهو أمر مستبعد-. كان على الزبيدي أن يواجه الجميع كمرشح واثق من نفسه، بما في ذاك أعدائه، بل لنقل وخصوصا أعدائه. ان لم يكن المترشح قادرا على مواجهة صحفي جريئ وعدائي وهجومي في بعض الأحيان، فكيف بامكانه أن يواجه ماسيعترضه في قصر قرطاج.. ؟
وحتى ان كان هذا خاطئا، وكان الزبيدي قادرا على مواجهة أي كان ولم يكن خائفا.. فان مانستنتجه من رفضه الحضور أنه خائف، ذلك هو الانطباع الوحيد لأنه وببساطة لا يمكننا أن نحاسب/ نتحكم في ما يخلفه ذلك من أراء في اذهان الجمهور الأوسع.. بينما خسر الزبيدي لدى حضوره مع مريم بالقاضي مرة واحدة.. فان حلقة الأمس من ساكن قرطاج جعلته يخسر مرتين.
مامن شك أن الزبيدي يفكر –ككل المترشحين- في الأرقام ونوايا التصويت ويتوهم أن الامتناع عن التفاعل والحضور حتى لا يخاطر بموقعه لدى الرأي العام هي الطريقة الفضلى للفوز.. الا أنه نسي شيئا مهما، لا أحد يعرف الزبيدي حقا، أو مواقفه من المواضيع الجدلية أو برنامجه الفعلي.. وبينما نجح في اقناع المحطين به ومن عايشوه، فان الجمهور الأكبر لا يعرف عنه سوى صورة ضبابية لا يمكن ايضاحها الا عبر الاعلام.. في محطة حاسمة كالانتخابات، بوابة الاعلام هي الطريقة الوحيدة للوصول للجمهور الأوسع.
رؤوف بن هادي – ترجمة عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires