راشد الغنوشي وسيف الدين مخلوف في خدمة أسامة بن سالم ونبيل القروي
حتى أكبر وأشهر المافيات في صقلية وفي شيكاغو كانت تحترم بعض المبادئ والأخلاقيات مثل الشرف والكرامة والالتزام بالعهد.. صحيح أنهم كانوا يقتلون ويسرقون ويعربدون لكن خفية .. فالجميع على معرفة بذلك لكن لا أحد ينطق .. أكثر رجال المافيا شهرة وإثارة للجدل وهو ألكابوني، لم يقع إيقافه بسبب أعماله المافيوزية وإنما بتهمة التهرّب الضريبي. لكن هذا كان في السابق أو بالأحرى في مكان بعيد عنا حيث تكتسب عبارات الشرف والكرامة معنى. في تونس اليوم أي في 2020، تونس ما بعد الثورة، مازلنا لا نفتقد لمعاني الشرف والكرامة .. البعض يسرق الدولة والبعض الآخر يعبث بالقوانين كما يريد ويشتهي وغيرهم لا يعبؤون بالقضاء ولا بالقضاة .. منذ الأزل كان هناك سرّاق ومافيوزي في تونس مثلما هو الحال في مختلف أصقاع الكون.. سقط بن علي ونظامه ليس بسبب السرقة أو النهب في حد ذاته وإنما حالة الفحش التي كانت عليها أسرته التي لم تعد تحترم الدولة ولا القضاة ولا الشعب .. فحين نقترف أعمالا مافيوزية، يتطلب منا الحد الأدنى من الحياء التخفّي وعدم استفزاز مشاعر الناس.. الطرابلسية لم يستوعبوا هذا وتمادوا في غيّهم.
لكن يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، لكن مع أشخاص جدد أصبحوا شخصيات معروفة، بفضل صنادق الإقتراع، وهو يحتقرون القوانين والقضاة وحين تعترضهم عراقيل، يغيرون القانون ليطوعوه حسب أهوائهم ليخدم مصلحتهم ومصالح أصحاب الفضل عليهم، بما أنهم عاجزون عن تخطي تلك الصعوبات دون تغيير القوانين.
هذه حكاية ثلاث وسائل إعلام تونسية تم منعها من البث لكنها مع ذلك تمارس نشاطها منذ سنين في خرق واضح للقانون، دون ترخيص من سلطة الإشراف أي الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري وهي هيئة دستورية تفوق في صلاحياتها حتى المجلس الأعلى للقطاع السمعي البصري في فرنسا.
هذه الوسائل الإعلامية الثلاث هي قناة نسمة التلفزي ة وقناة الزيتونة وإذاعة القرآن الكريم .. جميعها توفّق في تغيير نتائج الإنتخابات من خلال تأمين الدعاية لبعض الأحزاب السياسية والإئتلافات الانتخابية. كل هذه الحقائق يعلمها التونسيون جميعا وحتى الملاحظون الدوليون.
فلولا قناة نسمة، لما تمكن نبيل القروي من المرور إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية ولا أمكن لحزبه "قلب تونس" أن يصبح الخزب الثاني في البرلمان.
ولولا قناة الزيتونة، لما تمكنت حركة النهضة من الفوز في الإنتخابات التشريعية ولا أمكن لائتلاف الكرامة أن يتحصل على 21 مقعدا في مجلس نواب الشعب.
ولولا إذاعة القرآن، لما تمكّن حزب الرحمة، المغمور والنكرة، من الوصول إلى البرلمان، بأربعة مقاعد.
الدعاية التي قامت بها هذه الوسائل الإعلامية لفائدة أحزاب أو أطراف سياسية، هي ممنوعة تماما بنص القانون في تونس، لكن ليس هذا هو الجرم الكبير بالنسبة إلى هذه الكيانات. فحتى وسائل الإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية تبيع بشكل علني برامجها وتعلن بكل شفافية ميولاتها نحو حزب أو شخصية سياسية ما.. في إيطاليا لولا أمبراطوريته الإعلامية، لما أمكن لسيلفيو برلسكوني من الوصول إلى سدّة الحكم.. هذه الممارسات حتى وإن كانت جرائم وممنوعة قانونا، فإنها تبقى "مقبولة" أخلاقيا. لكن المشكل يكمن في أن هذه الشخصيات لها قضايا أمام العدالة واستغلوا السياسة للتمتع بحصانة قضائية بشكل من الأشكال.
هنا في تونس تستغل هذه الشخصيات السياسة والبرلمان لتبييض أفعالهم التي يحرّمها القانون.
ودون الخوض في تفاصيل ملفات وقضايا هي اليوم أمام أنظار القضاء، وبالتالي فإن الجميع يتمتّع بقرينة البراءة، فإن خرق القانون من قبل نبيل القروي واضح ولا لبس فيه. فالرجل يمتلك رخصة باسم قناته نسمة لكن كان عليه أن يجددها حتى يكون في انسجام مع التشريعات الجديدة.. لكنه رفض الخضوع لسلطة الهايكا، رغم التنبيهات التي وجهتها الهيئة للقناة. وبعد أن تأكد من فوز مريح في الإنتخابات الرئاسية والتشريعية، وبعد انقضاء الآجال القانونية، عمل على تسوية وضعيته.
كذلك الشأن بالنسبة إلى قناة الزيتونة التي أسسها أسامة بن سالم، عضو مجلس الشورى لحركة النهضة والمستشار المحتمل لرئيس الحكومة (إلا إذا كانت تمت تسميته دون تنزيل القرار في الرائد الرسمي). ففي استيوديوهات هذه القناة تم على الهواء مباشرة تمزيق كراس الشروط التي أصدرته هيئة الإتصال السمعي البصري وتم تخصيص الساعات من البث لانتقاد الهايكا وشتم أعضائها. ولا ندري كيف ولا من أين يتم تمويل هذه القناة ولا حتى كيف يتم خلاص حقوق البث عبر القمر الصناعي، بالعملة الصعبة.
الشبهات المتعلقة بشخصيات مدعومة من قبل هذه القناة كثيرة وعديدة لكنها تبقى مجرد شبهات يتمتع أصحابها بقرينة البراءة، ليفلتوا من شبهات تبييض الأموال وتمويلات مشبوهة ونقتصر هنا على حالتي راشد الخياري وسيف الدين مخلوف اللذين أدانهما القضاء، الأول بتهمة ترويج معلومات كاذبة ومغلوطة أنا الثاني فبسبب تعمده شتم وكيل للجمهورية، بالإضافة إلى جريمة جبائية بسبب التهرب الضريبي بما قيمته 260 ألف دينار.. لكن كل هذه القضايا ذهبت أدراج الرياح ودخلت طي النسيان.
أما الحالة الثالثة، وهي غريبة الأطوار، فتخص سعيد الجزيري هذا الشخص الذي يجهل الجميع مصدر ثروته لكننا نعلم جيدا أنه استغل بإطناب موجات إذاعته لسب وشتم بعض أعضاء الهايكا.. نعلم أنه كان في فترة ما محكوما عليه في الولايات المتحدة الأمريكا و/أو كندا كما أنه كان محل عديد الشكاوى القضائية ضده في تونس وجميعها ظلت معلقة.
أي أن هذه الشخصيات، لم تتوفّق فقط من الحصول على مقاعدفي البرلمان و/أو في الحكومة بفضل أساليب غير أخلاقية و/أو غير قانونبة، بل إنها وإلى جانب خرقها للقوانين أمام الملأ دون خجل ولا حياء، فإن هناك مساع الآن لتسوية وضعياتهم رغما عن أنف الجميع.
مقترح مشروع القانون الذي أحاله ائتلاف الكرامة على مكتب البرلمان، لإصلاح القطاع السمعي البصري، يندرج في صميم هذه المساعي والجهود.. فالمشروع لم يناقش من قبل أهل المهنة ولا حتى كان محل نقاش عام وبطبيعة الحال هو لا يخدم المهنة البتة، باستثناء وسائل الإعلام الثلاث المذكوره آنفا. الأسوأ من ذلك أن هذا المقترح خطير جدا على تونس باعتباره سيفتح الباب أمام من هبّ ودب، ليبعث محطته الإذاعية أو قناته التلفزية، دون الحصول على ترخيص من الدولة. بوضوح فإن ائتلاف الكرامة يريد "صعلكة" الدولة. غدا وانطلاقا من مقترح مشروع القانون هذا، سيصبح بإمكان أي قناة أجنبية الانتصاب في تونس في أي وقت تشاء لتفعل ما تشاء في المشهد الإعلامي.. وبذلك يمكن لمحطات الدواعش وقنوات الدعارة الدخول إلى تونس والعمل بأمان.. كان يفترض أن لا يصل مثل هذا المقترح المهزلة، إلى اللجنة البرلمانية لتنظر فيه، لكن أصبح الأمر ممكنا، بفضل تواطؤ راشد الغنوشي وسيف الدين مخلوف، كلاهما متعجّل لخدمة نبيل القروي وأسامة بن سالم. المشروع تمت إحالته بصفة استعجالية على مكتب مجلس النواب وقد تمت إحالته على اللجنة المختصة واعتباره ذا أولوية. السؤال المطروح: أي طابع استعجالي؟ فمنذ سنوات تم اقتراح مشروع من قبل الهايكا وأهل المهنة. وأي أولوية في مثل هذا الظرف بالذات للنقاش حول هذا القانون الذي لا يكتسي أية أولوية مقارنة بعشرات القوانين ذات الصبغة الاقتصادية والمهملة في أدراج مكتب البرلمان. فالطابع الاستعجالي لا وجود له إلا عند من لهم مصلحة في تمرير هذا المشروع وهم ثلاثة على الأقل: نبيل القروي وأسامة بن سالم وسعيد الجزيري.. وربما أيضا قنوات أجنبية قد تخدم مصالح أطراف بعينها نعلمها جيدا، في صورة المصادقة على مشروع القانون.
صحيح أنه منذ الإنتخابات، صارت المثير من الأشياء، حتى أن ائتلاف الكرامة وقلب تونس أصبحا أصدقاء، وذلك تحت أنظار وبمباركة من حركة النهضة.. راشد الغنوشي يقترح ونبيل القروي وسيف الدين مخلوف ينفذان. بالأمس فقط وجّه هذا الأخير تنبيها في شكل تحذير لرئيس الجمهورية، بعد وقت وجيز من القيادي النهضاوي سيد الفرجاني، كما لو أنهم يتنافسون على من يشوّه الرئيس أكثر من الآخر.
وقد أصدرت الهايكا أمس الثلاثاء، بيانا للتنبيه إلى خطورة مثل مشروع هذا القانون على البلاد. نائبان من أعضاء مكتب البرلمان رفضا الموافقة على تمرير هذه الفضيحة غلى اللجنة. لكن في صورة إذا ما مرّ هذا المقترح وصودق عليه أمام الجلسة العامة، فإن أكثرنا محافظة، سيندم على أكثر حلقات مسلسل "أولاد مفيدة" جرأة.
بطبيعة الحال لا يمكن اعتبار هذه الفضيحة وهذه المحاولة لفرض واقع ما، تصرفا مافيوزيا، لأن رجال المافيا أكثر كرامة وأقل انعداما للشرف من هؤلاء.
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires