alexametrics
آراء

حتى لا ننسى ...

مدّة القراءة : 7 دقيقة
حتى لا ننسى ...

 

نحتفل يوم الجمعة القادم بانقضاء سنة 2021 غير مأسوف عليها .. فالأعوام صارت تتعاقب وتتشابه بسبب هذا الكوفيد العنيد والأزمة السياسية المستفحلة وهذا الركود الإقتصادي المستمر .. كنا نعتقد أننا بلغنا الأسوأ في 2020 لكن 2021 لم يكن أحسن حالا .. فهل سيكون 2022 أفضل ؟ لا أراهن كثيرا على ذلك .. لكن لنبقى متفائلين وكل عام وأنتم بخير، رغم كل شيء.

 

عام 2021 بدأ بزيارة فجئية أداها الرئيس قيس سعيّد لمقر وزارة الداخلية لقضاء سهرة رأس السنة مع قوات الأمن في ليلة 31 ديسمبر 2020.

 

دستوريا ما كان على رئيس الدولة أن يتحوّل إلى الداخلية، فهي وزارة تعود بالنظر لرئيس الحكومة .. كما أن الزيارة كانت تكتسي طابعا أكثر حساسية، باعتبار أن وزير الداخلية كان يشغل أيضا منصب رئيس الحكومة في تلك الفترة .. أي أنه باسم مبدإ الفصل بين السلط وإذا ما اتبعنا نص الدستور الذي ينص على التوازن بين الرئاسات الثلاث (الجمهورية، الحكومة، البرلمان)، فإنه ما كان على رئيس الجمهورية أن يتحوّل إلى وزارة الداخلية .. لكن قيس سعيّد تجاهل الجميع وذهب إلى مفر الوزارة بل إنه تحدّى كل الطبقة السياسية وكذلك الدستور بإعلان نفسه القائد الإعلى للقوات الحاملة للسلاح والعسكرية والأمنية .. كم قيل له إن الوحدات الحاملة للسلاح لا تشمل إلا العسكريين، لكن قيس سعيّد لا يفعل إلا ما يحلو له وما يراه مناسبا.

لكن هذا الأمر الذي كان يمكن أن يُعتبر انتهاكا لحُرمة الدولة ويتسبب في إثارة ضجة نحن في غنى عنها، تم تفاديه ومرّ مرور الكرام.

 

هشام المشيشي الذي كان وقتها رئيسا للحكومة وراشد الغنوشي رئيسا للبرلمان، تعاملا مع قيس سعيّد كما لو كان شخصا مجنونا ومريضا بحب السيطرة لذا تركاه يفعل ما يشاء على اعتبار أن تصريحاته لا تكتسي خطورة قصوى أو في أسوأ الأحوال كانا يخططان لجعله "طرطورا" مثلما كان الحال للمنصف المرزوفي في عهدته الرئاسية في 2012-2014.

 

الدولة منهارة على الأرض ومحاطة بالحيوانات المفترسة

 

من القول مر هذا الثنائي (المشيشي-الغنوشي) إلى الفعل .. فقد قاما باستبعاد رئيس الجمهورية الذي كان بدوره لا يرغب في استقبالهما.

 

في قصر الحكومة بالقصبة، كان هشام المشيشي يفعل ما يحلو له دون أن يعير أي اهتمام لرأي الرئيس.

 

تحت قبة البرلمان كنا شهود عيون على عروض للسيرك على المباشر .. لم يكن يمر يوم دون أن تحصل حادثة أو اعتداء بين الكتل البرلمانية للأحزاب الإسلامية، الداعمة للحكومة وبين كتل المعارضة والتي تمثلها بالأساس أحزاب التيار الديمقراطي والدستور الحر. راشد الغنوشي ونائبته سميرة الشواشي كانا يخرقان بشكل فاضح النظام الداخلية لمجلس نواب الشعب أمام أعين المعارضة العاجزة عن رد الفعل .. فبمجرد أن ينطق نائب من هذه المعارضة بكلمة انتقاد، ينطلق خلفه سيف الدين مخلوف وعبد اللطيف العلوي وماهر زيد وراشد الخياري في السب والشتائم .. بل إن الأمور وصلت إلى حد الإعتداءات الجسدية على نواب المعارضة ومن منا لا يتذكّر كيف أن النائب عن التيار أنور بالراشد تمت إصابته على مستوى الوجه (ديسمبر 2020) أو تلك الصفعة التي وجهها النائب النهضاوي ناجي الجمل في مارس 2021 للنائب عن الحزب الدستوري الحر، زينب السفاري .. وقد بلغنا قمة مظاهر العنف في 30 جوان 2021 حين صفع الصحبي صمارة النائب عبير موسي التي وجه لها سيف الجين مخلوف ركلة بساقه.

 

في قصور العدالة كان الوضع أشبه بالسوق .. إذا كنت قريبا من السلطة فأنت تحظى بالحصانة ولا تخشى أي مكروه مهما كانت الشكاوى المقدمة ضدك .. من منا لا يتذكّر القاضي الطيب راشد، الرئيس الأول لمحكمة التعقيب و سمسار (باعث عقاري) في أوقات الفراغ أو كذلك البشير العكرمي، وكيل الجمهورية الذي تستّر على 6268 ملفا في قضايا إرهابية؟.

 

إذا كنت تنتمي للطبقة الحاكمة فأنت تتمتّع آليا بالحصانة .. يمكنك أن تشتم من تشاء وتعتدي على من تشاء .. لن يتجرأة على محاكمتك أي قاض .. فالسيد النائب العام يغط في سبات عميق Zzzzzzzzzzz

 

من جهتها فإن الشرطة تتّبع أوامر القيادة السياسية، حسب الأهواء .. قد توجّه لك بطاقة جلب من طرف أحد القضاة لكن لا أحد يوجد لتطبيق القرار .. بل باستطاعتك حضور جلسات البرلمان وتبقى الشرطة عاجزة عن العثور عليك .. ألا تذكرون ما حصل مع راشد الخياري وماهر زيد؟ 

 

خزينة الدولة فارغة والإقتصاد معطّل والمستثمرون الفعليون في حالة عطالة .. لقد خيّروا الإنتظار في ظل العصابات الجديدة والمنافسة غير النزيهة التي تفرضها التجارة الموازية.

 

أما الإدارة التونسية فقد اخترقها الفاشلون ممّن فرضهم الماسكون بمقاليد الحُكم .. هل تتذكرون ألفة الحامدي التي تم تعيينها يوم 4 جانفي 2021 على رأس الخطوط التونسية في حين أنها تفتقد للخبرة والتجربة الميدانية في هذا الإختصاص؟

 

ومما زاد الطينة بلّة، داهمتنا جائحة الكوفيد على غرار باقي دول العامل لتزيد الوضع سوءا .. حالات الإصابة والعدوى من جراء الفيروس كانت تحصى بالآلاف ولم يكن هناك تلقيح لهذا الوباء .. كان علينا أن نوجّه صيحة فزع وطلب النجدة، مثلما تفعل أي دولة من الدول النامية، حتى هب لنجدتنا الأشقاء والأصدقاء.

 

في 2021 كلما بلغنا القاع وصلنا إلى ما دونه .. كلما اعتقدنا أننا نعيش الأسوأ، نلاحظ بعدها أننا مقدمون على ما هو أكثر سوءا.

 

قمة الأزمة كانت في أواخر جوان 2021 بعد الضغط الذي مارسته حركة النهضة على الحكومة للحصول على ثلاثة مليارات من الدنانير (أي 3 بالمئة من الناتج الداخلي الخام) من أجل تعويض مناضليها ضحايا النظام السابق .. حين نضيف الفجور إلى الجشع نتحصّل على الصورة المثالية والنمطية للإسلامي النهضاوي أو باختصار الشخص الإسلامي بصفة عامة.

 

يوم 30 جوان 2021 تزامن مع الكشف إعلاميا عن فضيحة ال6268 ملفا التي تستّر عليها البشير العكرمي وكذلك الإعتداء المزدوج على عبير موسي.

 

رغم كل هذه المصائب والمشاكل، كان الرئيس يومها يتحدّث عن دستور 1959 في حين أن هشام المشيشي كان يخضع للحجر الذاتي باعتباره أصيب بالكوفيد.

 

الدولة التونسية في تلك الفترة أي منتصف 2021 كانت أشبه بجسد مريض منهك وملقى وسط الصحراء القاحلة ومن حوله حيوانات مفترسة.

 

25 جويلية .. يوم الإنقاذ

لقد بلغ السيل الزُّبى .. كان لزاما وضع حد لكل هذه المهازل .. كان لابد من إنقاذ البلاد .. كان يلزمنا رجل شجاع، رجل من طينة بورقيبة أو بوتين ليعيد للدولة الجريحة عزتها وهيبتها .. في صباح يوم 25 جويلية، خب آلاف التونسيين إلى الشوارع ليتظاهروا ويعبّروا عن غضبهم ضد الطبقة الحاكمة، وذلك أمام استهزاء الإسلاميين المتقوقعين في برجهم العاجي وهم في حالة إنكار مطلق.

 

يوم 25 في المساء، استجاب رجل لنداء الشعب .. كان رئيس الجمهورية، قيس سعيّد .. لقد تحققت المعجزة. رغم حظر الجولان المفروض بسبب الكوفيد، خرج الناس إلى الشوارع مبتهجين مهللين وهم يرددون "يحيا قيس سعيّد"، باعتباره المنقذ الذي سيعيد للدولة هيبتها ويُعيد الإسلاميين إلى مكانهم الطبيعي أي السجن .. لا يهم وقتها تأويله المخادع للفصل 80 من الدستور، بما أن قراره يخدم مصلحتنا ويفضي إلى محاسبة قتلة الوطن.   

 

ليلة 25 جويلية 2021 كانت هي الأجمل والأروع في هذا العام، بالنسبة إلى التونسيين (باستثناء الإسلاميين) .. حلما ليلتها بغد مشرق .. حلمنا بتونس وقد تخلصت من كل الفاسدين .. حلمنا باقتصادنا وقد استعاد انتعاشته وازدهاره وبدولتنا وقد استرجعت هيبتها .. قيس سعيّد في تلك الليلة (25 جويلية 2021) كان هو زين العابدين بن علي ذات 7 نوفمبر 1987 ونيلسون منديلا في 10 ماي 1994 ولينين في 8 نوفمبر 1917 وفلاديمير بوتين في 7 ماي 2000.

 

يوم 26 جويلية ومنذ الصباح كنا ننتظر الإعلان عن تركيبة الحكومة الجديدة وعن الدعوة إلى انتخابات مبكرة، كما ينتظر الرضيع حليب أمه .. ثم جاء يوم 27 فيوم 28 تلاه يوم 29 .. ثم حل شهر أوت فشهر سبتمر ولا شيء في الأفق .. أخيرا تم الكشف يوم 11 أكتوبر عن تركيبة الفريق الحكومي لنجلاء بودن، "أول رئيسة حكومة في العالم العربي"...

 

النتيجة كانت أسوأ من السابق

هل انتهت بذلك مشاكلنا ؟ طبعا لا، لأن هذه السيدة لم تقدم لنا أية وعود فنحن نكاد لا نسمع لها صوتا حتى، بل إنها لم تتوجّه للشعب بأي خطاب أو كلمة رسمية .. هي لا تتعامل إلا مع قيس سعيّد، الوحيد المخوّل له محاسبتها .. هي ترفض مقابلة الصحفيين وترفض الكشف عن برنامجها الإصلاحي .. هي باختصار ترفض أن تحقق أمالنا وطموحاتنا التي ولدت ليلة 25 جويلية.

 

في تلك الأثناء، واصل الرئيس عزفه المنفرد متبعا السياسة الكارقية لسابقيه.

 

في قصور العدالة ما زال الوضع أشبه بالسوق، بل أسوأ من ذلك لقد بلغت العدوى المحاكم العسكرية .. وأصبحت تصدر الأحكام بالسجن فقط لوجود شبهات تهم وهمية .. البعض يوضع قيد الإقامة الجبرية والبعض الآخر يُمنع من السفر ولا أحد يعرف الأسباب.

 

مثلما كان الوضع قبل 25 جويلية، عجزت الشرطة عن العثور على راشد الخياري وعدد آخر من الإسلاميين الصادرة في شأنهم بطاقات جلب بأمر من القضاة.

مثلما كانت الأوضاع قبل 25 جويلية، مازال كل من الطيب راشد والبشير العكرمي يتمتعان بالحرية ..  

كما كان الشأن قبل 25 جويلية، إذاعة القرآن الكريم تواصل البث دون أي ترخيص وينعم مديرها سعيد الجزيرة بالحرية أيضا، رغم الشكاوى العديدة المرفوعة ضده .. نفس الشيء بالنسبة إلى قناة الزيتونة (هي كذلك إسلامية الهوى).

 مثلما كان الأمر قبل 25 جويلية، مازال الأمنيون يمنعون احتجاجات المعارضين.

كما كان الوضع قبل 25 جويلية، خزينة الدولة مازالت فارغة.

ومثلما هي الأمور قبل 25 جويلية، مازالت الإدارة التونسية مخترقة من قبل الفاشلين، ما دام يفرضهم قيس سعيّد .. أعتقد أنكم سمعتم عن والي بنزرت ووالي بن عروس .. ألا يذكرونكم بمهرّجي السيرك ؟

 

أسوا مما كنا عليه قبل 25 جويلية هو أنه لم يعد هناك سيرك تحت قبة البرلمان، بما أنه لم يعد لدينا برلمان أصلا .. تونس ما بعد 25 جويلية هي البلد الوحيد في العالم الذي ليس به برلمان.

أسوأ مما كنا عليه قبل 25 جويلية، كان علينا أن ننتظر موفى ديسمبر للإطلاع على قانون المالية (مازال غير منشور بالرائد الرسمي ليوم الناس هذا) هذا القانون الذي مر دون أي نقاش عام .. وهذه سابقة في تاريخ تونس.

أسوأ مما كنا عليه قبل 25 جويلية، هو أن الدولة أصبحت عاجزة عن إيجاد جهات مانحة تقرضها المال.

أسوا مما كنا عليه قبل 25 جويلية، هو أن دستورنا سيتولى كتابته ثلاثة من المتملّقين وليس من قبل 217 نائبا يمثلون الشعب.

أسوا مما كنا عليه قبل 25 جويلية، لدينا حُكّام لا يكشفون لنا عما يفعلون ويقررون بل يرفضون حتى التصريح للصحافة والإعلام والحديث إلى الشعب.

 

قبل 14 جويلية 2011 كانت لدينا مافيا.

قبل 25 جويلية 2021 كانت لدينا مافيات.

بعد 25 جويلية أصبح لدينا حمقى وأغبياء يتصرفون مثل المافيات.

 

أسوأ مما كنا عليه قبل 25 جويلية، لدينا رئيس يقسم على الكتاب المقدّس أي القرآن بأنه سيحترم نص الدستور لكنه يخلف وعده .. عند المسلمين، سواء كانوا ملتزمين بممارسة شعائرهم الدينية أو لا، هذا الحنث في القسم هو أسوأ الخطايا وإحدى الكبائر .. فقد نستهزئ بكل شيء إلا بالقرآن العظيم.

 

مازال الحلم مُتاحا

باختصار ها نحن نودّع سنة 2021 ويحق لنا الإبتهاج بتوديعها لأنها كانت حُبلى بالصدمات والخروقات والخيبات.

 

هل ستكون سنة 2022 أفضل ؟ أيعقل بعد كل ما عانيناه في 2021 أن يكون هناك ماهو أسوأ ؟

 

في غياب وضوح تام للرؤية السياسية وفي غياب أي برنامج إصلاحي وبالنظر إلى الوضع الذي هي عليه اليوم خزينة الدولة والإقتصاد الوطني، يلزمنا 25 جويلية آخر .. معجزة أخرى .. بوتين جديد لينقذنا من حماقة قادتنا ويعيد للدولة هيبتها.

 

مازال الحلم متاحا فتونس دائما ما كانت تنهض بعد كل كبوة وخاصة عندما كانت الأوضاع سيئة.

سنة 2022 قد تشبه عام 1956 أو 1987 أو 2011 أو حتى 2021 (أي 25 جويلية) .. سيأتي تونسي أو تونسية ليعيد للدولة هيبتها ويخلّصنا من هؤلاء الإسلاميين والحمقى الذين ما كان لهم أن يتقلدوا مناصب عليا في الدولة يوما ما .. فلنتشبّث بحلمنا، ما دام لم يبق لنا سواه. 

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0