أثرُ خلاص معاليم نُزل الحجر قبل صعود طائرة الإجلاء على التونسيّين بالخارج
''حقّقنا إلى حدّ اليوم مكسب صحّي لا يُستهان به جعلنا لا نُستهان بالخطّة ونُنفّذ الرزنامة التي قمنا بالإعلان عنها'' بهذه الكلمات أكدت الوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالإصلاحات الكبرى لبنى الجريبي أنّ الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمقاومة تفشي جائحة كورونا قد حقّقت النجاح المنشود بفضل تضافر جهود كافّة الأطراف المتدخّلة من إطارات طبية وشبه طبيّة وهياكل الدولة وممثلي وسائل الإعلام على اختلاف أصنافها.
انطلقت المرحلة الثالثة من الخطّة الوطنيّة للحجر الصحي الموجّه يوم الخميس 4 جوان، وأعلنت الجريبي أنّ فتح الحدود سيكون بداية من 27 جوان الجاري، كما سيتمّ تحديد شروط وإجراءات تضبط ذلك في حدود 14 جوان في علاقة بالوضع الصحي في تونس والخارج، وبالنسبة للتونسيّين بالخارج، سيتمّ إجلاؤهم ابتداء من 14 جوان حسب الرزنامة التي أعلنت عنها وزارة النقل واللّوجستيك على أن يتمّ إعطاء الأولويات للطلبة والمقيمين الذين فقدوا مواطن الشغل بسبب الأزمة الصحية ولغير المقيمين.
منذ بداية تفشي فيروس كورونا في تونس، تكفّلت الدولة بإجلاء عدد كبير من التونسيّين في الخارج وإخضاعهم للحجر الصحي الإجباري لمدّة أسبوعين في الأماكن المخصّصة للحجر على حسابها، وبعد نجاح البلاد في التغلّب على انتشار الجائحة بنسبة كبيرة وفقا لما أكّدته وزارة الصحّة، بان بالكاشف أنّه على غرار تضرّر العديد من القطاعات من أزمة كورونا إلاّ أنّ قطاع السياحة هو الأكثر تضرّرا بعد أن أغلقت النزل ووكالات الأسفار والحدود، لذلك قرّرت السلطات التونسيّة إلزام التونسيّين العائدين من الخارج بداية من 4 جوان بدفع معاليم إقامتهم في نزل الحجر لمدّة أسبوع وأن يستظهروا بوصل الخلاص قبل الصعود في طائرة الإجلاء.
وزارة السياحة خصّصت للتونسيّين العائدين من الخارج أربع نُزل للحجر الصحي الإجباري من فئة خمس نجوم وستّة نزل من فئة أربع نجوم، وستّة نزل من فئة ثلاث نجوم، وستكون قائمتهم موجودة على مواقع القنصليات التونسيّة بالخارج وحدّدت أسعار الإقامة في الليلة الواحد بالنسبة للنُزل ثلاث نجوم بـ 60 دينار دون اعتبار الأداءات وبالنسبة لأربع نجوم بـ 80 دينار دون اعتبار الأداءات وخمس نجوم قدرت التكلفة بـ 100 دينار، وتكون الإقامة بصفة كاملة مع توفير التنقل من المطار إلى غاية النزل، وبإمكان التونسيين العائدين من الخارج دفع معاليم الإقامة من تونس أو من خارجها.
الدولة إعتمدت تلك الإجراءات وذلك سعيا منها إلى إعادة تحريك عجلة قطاع السياحة وردّ إنتعاشة النزل ووكالات الأسفار، ولكنّ الدولة في نفس الوقت لم تراعي ظروف التونسيّين في الخارج جراء ما حصل لهم من تداعيات كورونا. الكثير من التونسيّين في الدول الأجنبيّة عبّروا عن استنكارهم لذلك القرار وفوجئ البعض منهم بمنعهم صعود الطائرة لأنّهم لم يقوموا بخلاص نزل الحجر وطالب الكثير منهم الدولة التونسيّة أن تسمح لهم بالعودة إلى أرض الوطن ثمّ سيحاولون إيجاد حلّ رفقة عائلاتهم لخلاص معاليم الإقامة في النزل. كما استنكر بعضهم الأسعار التي قدّرتها وزارة السياحة للنزل المخصّصة للحجر الإجباري والتي تبلغ فيها 100 دينار الليلة للنزل خمس نجوم، وأوضح عدد منهم أنّ ظروفهم الماديّة لا تسمح لهم بدفع معاليم الإقامة وخيّر البعض الآخر منهم البقاء في دول الأجنبيّة عوض العودة لتونس.
وزير السياحة محمد علي التومي أكّد أنّ تونس لن تترك أبنائها موضّحا أنّه بالنسبة للطلبة الغير قادرين على دفع معاليم الإقامة ولهم وضعية إجتماعيّة صعبة، يمكنهم الإتّصال بمصالح القنصليّة التونسيّة ببلد إقامتهم ويمكنها أن تنظر في وضعيتهم الإجتماعيّة وتدرس ظروفهم وتساعدهم في إيجاد حلول عاجلة للعودة إلى تونس. التومي شدّد على أنّ وزارة السياحة هدفها الأوّل الحفاظ على سلامة التونسيّين داخل وخارج حدود الوطن، مشيرا أنّها قامت بالتنسيق مع وزارة الصحّة بإعداد بروتوكول خاصّ بالدليل الصحي للسيّاح الوافدين وللتونسيين بالخارج من المطار وصولا إلى نزل الإقامة ويتكوّن البروتوكول من عشرون صفحة تضمّنت كلّ التفاصيل حول إجراءات الوقاية والتعقيم والتباعد وحسن استقبال الحرفاء بالنزل والوحدات الفندقية والمطاعم السياحية لضمان ظروف إقامة جيّدة للسياح والوافدين على هذه الفضاءات، كما نصّ على وجوبية حمل الكمامات الطبية من قبل كل الموظفين وتوفير السوائل المعقمة، بالإضافة إلى إلزامية أن لا يتجاوز عدد الحرفاء داخل المطاعم 50 بالمائة من طاقة الاستيعاب وأن توفّر مساحة مترين ونصف بين حريف وآخر، وإلغاء الخدمة الذاتية و توفير نادل لتقديم الطلبات للزبائن.
وزارة السياحة خاصّة والحكومة التونسيّة عامّة بإتّخاذها هذه الإجراءات، كانت غايتها إنعاش النشاط السياحي وردّ الإعتبار والحركيّة للنُزل ووكالات الأسفار بعد تداعيات أزمة كورونا التي أدّت وفقا لرئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار جابر بن عطوش إلى أنّ إمكانية عودة القطاع السياحي إلى نشاطه الطبيعي لن يكون قبل موفى سنة 2022، كما أشار إلى أنّ خسائر وكالات الأسفار ستصل مليار دينار في موفي سنة 2020، معتبرا أنّ السبيل الوحيد لإنقاذ الموسم السياحي هو السياحة الداخلية التي يمكن أن تنقذ 20 بالمائة من الموسم داعيا الحكومة إلى توفير آليات لتشجيع السياحة الداخلية.
الإجراءات تّخاذها لتأمين عودة التونسيّين من الخارج، لم تُراعي ظروف التونسيّين العالقين في الخارج، إنّ أزمة كوفيد-19 كما أتت تداعياتها بطريقة قاسية وسلبية على تونس في كلّ المجالات، فقد أثّرت بنسبة كبيرة على التونسيّين في الخارج خاصّة الطلبة، منهم من فقد مواطن الشغل ومنهم من أصبح الشارع والرصيف مرقده ومنهم من تشرّد ولم يبقى له نقود لمواجهة تداعيات أزمة كورونا، والكثير منهم لا يمكنهم أن يدفعوا معاليم الإقامة في النزل المخصّصة للحجر الإجباري.
زيد الحاجي شاب تونسي أصيل ولاية منوبة أطلق صيحة فزع بعد أن علق في ماليزيا ولم يُسمح له بصعود الطائرة للعودة إلى تونس وإلى عائلته التي تنتظره على أحرّ من الجمر، زيد سافر للسياحة في ماليزيا كوالالمبور وعلق بسبب جائحة كورونا وكان يملك قليلا من النقود مما اضطرّه إلى الإقتصاد فيها إلى أن تمرّ الأزمة وبعد أن قضى ثلاثة أشهر عالقا في ماليزيا بسبب كوفيد-19، انتهت تأشيرته السياحية يوم 25 أفريل الفارط، ومن حسن حظّه أنّ تذكرة سفره عن طريق الخطوط القطرية كانت ذهابا وإيابا من وإلى تونس، وكانت قد تأجّلت رحلة عودته مرّتين حتى أن تمّ تأكيد رحلته يوم الجمعة 5 جوان.
في تصريحه لبيزنس نيوز اليوم الأحد 7 جوان، أفاد زيد الحاجي أنّه فوجئ أثناء صعوده الطائرة القطرية يوم أمس الجمعة برفض طاقم الطائرة صعوده إلاّ أن يستظهر بوصل خلاص نزل الإقامة بأحد النزل التونسيّة المخصّصة للحجر الإجباري، وكان هذا الأمر صادما له لأنّه لا علم له بهذا القرار الذي اتخذته السلطات التونسيّة مشيرا أنّ الخطوط القطريّة لم تعلمه بذلك.
يقول الحاجي أنّه ألحّ على طاقم الطائرة أن يسمحوا له بالصعود وأكّد أنّه سيتكفّل بخلاص النزل عند وصوله إلى تونس ولكنّهم رفضوا ذلك مشيرين له أنّ هذا الأمر صادر عن دولته تونس، وأفاد لنا قائلا لهم وفق تصريحه ''قانون مش انساني ودولتي ترفضني.. المسألة هذي بيني وبين بلادي، وأنا ملتزم بالقيام بالحجر الصحي كي لا ألحق الأذى بعائلتي''.
الشاب التونسي لم يكن يملك في جيْبه سوى 18 دينار وكان كلّه فرح لأنّه سيعود لعائلته ولأمّه ووالده وصرّح لنا قائلا ''كنت انعدي في انهار بالسيف وأنا عندي كان 18 دينار تونسيّة'' وبعد أن استحالت عودته لتونس، أطلق صيحة فزع على حسابه الخاصّ بالفيسبوك بيّن فيها ما تعرّض له ففوجئ بكم هائل من التضامن والمساندة له من قبل ماليزيين وتونسيّين في الخارج، كما أنّ النائب محمد عمار طالب خلية الأزمة الخاصة بكورنا ووزارتي الخارجية والسياحة بتحمل تكاليف الحجر الصحي ونفقاته للطلبة والحالات العالقة والصعبة جدا اثر فقدانهم لعملهم بالدول التي يقيمون بها.
يقول زيد ''لما كنت في تونس لم أكن أحب التونسيّين كثيرا وكنت أريد دائما أن أسافر، ولكن في هذه المحنة تغيّرت نظرتي للتونسيّين وتأكّدت أنّ كرمهم لا حدود له وأصبحت أتمنى العودة بسرعة لبلدي''، وبعد أن وقف إلى جانبه عديد التونسيّين في ماليزيا، وأُطلقت في موقع التواصل الإجتماعي الفيسبوك حملة مساندة له، علمت بأمره وزارة الخارجيّة التي اتّصلت بالسلطات الماليزيّة وتكفّلت في آخر المطاف الخطوط القطريّة بمعاليم إقامة زيد الحاجي في إحدى النزل بماليزيا إلى أن يسافر إلى بلده يوم 1 جويلية المقبل، كما قامت السفارة التونسيّة بتوفير الأكل له، وأعلنا أنّ سامي السعيدي، سفير الجمهورية التونسية لدى دولة قطر تفاعل مع حالته وهو بصدد البحث في سبل للعودة به إلى أرض الوطن.
صحيح أنّ جائحة كورونا أثّرت على تونس في كافّة القطاعات خاصّة القطاع السياحي ولكنّ الإجراءات التي اتّخذتها الحكومة لتأمين عودة التونسيّين من الخارج لم تكن منصفة للبعض منهم وإنّ حالة زيد الحاجي هي خير دليل على ذلك، فكان من الممكن أن يعود التونسيّين العالقين من الدول الأجنبية لتونس ثمّ يقومون بطريقة مضبوطة ومنظّمة بخلاص معاليم الإقامة بنزل الحجر الصحي الإجباري لمدّة أسبوع.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires