تحجير السّفر على الفهري يعجّلُ في كشف أسرار حركة النهضة
بعد فوز قيس سعيّد في رئاسيّة الدّور الثاني وتوليه منصب رئيس الجمهوريّة بصفة رسميّة يوم الأربعاء 23 أكتوبر 2019، انطلق في سلسلة لقاءات مع رؤساء وممثّلي الأحزاب السياسيّة للنّظر في أولويات وآليات تشكيل الحكومة القادمة التي ستُشرف على تكوينها حركة النّهضة الفائزة في التّشريعيّة.
ارتكزت أنظار الرّأي العام على إنجازات قيس سعيّد الرئيس وما سيقدّمه لتونس بعد إنتخابه من قبل ثُلثي الشعب، في هذا السياق وفي ظرف أسبوع من تقلّده منصب رئيس الجمهوريّة، اهتزّ الرّأي العام يوم أمس الثلاثاء، بقراريْن من الوزن الثقيل. إعفاء كلّ من وزير الشؤون الخارجيّة خميّس الجهيناوي ووزير الدّفاع عبد الكريم الزبيدي من مهامهما، وأضيف هذا الإجراء لحساب قيّس سعيّد، واعتبره أنصاره ومُحبّيه بداية حرب ''إلاه'' النظافة والإستقامة على كلّ من لم يقم بواجبه على أكمل وجه إزاء الدّولة.
بعد لحظات من صدور قرار الإعفاء من قبل رئاسة الحكومة، تمّ تسريب وثيقة أثبتت أنّ الجهيناوي وزير الخارجيّة تقدّم برسالة استقالته لرئيس الحكومة يوسف الشاهد قبل صدور القرار عن القصبة، أيضا بعد أن قامت بيزنس نيوز تشاك في التثبّت في ماهيّة وأسباب إستقالة وزير الدّفاع، تبيّن لنا أنّ الزبيدي قدّم إستقالته هو الآخر خلال ثلاث مناسبات، الأولى لرئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي يوم 20 مارس 2019، وتمّ رفضها، وتقدّم بها مرّة ثانية إلى محمد الناصر في 9 أوت 2019 ، ورفضها بدوره، إلى حين إيجاد من يعوّض مكانه.
ووفقًا لمصادرنا، فإنّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد، استقبل صباح يوم أمس الثلاثاء، وزير الدّفاع عبد الكريم الزبيدي، وطلب الزبيدي من سعيّد أن يمضي على استقالته، ووفق تصريحات الزبيدي فإنّ سعيّد طلب منه البقاء على رأس وزارة الدّفاع وإصلاح العلاقات مع يوسف الشاهد، ولكنّه فوجئ عند مغادرته قصر قرطاج في ظرف ساعة من الزّمن باتّصال من قيس سعيّد أعلمه فيه أنّه قرّر إعفاءه من مهامه بوزارة الدّفاع.
هذه الإجراءات لا تُحسب لقيس سعيّد، أوّلا لأنّ قرار الإستقالة بادر به الوزيران طوعيا، ثانيا بهذا التصرّف اللاّنزيه مع وزير الدّفاع، عبد الكريم الزبيدي، أعلن قيس سعيّد دخوله في معمعة الحرب السياسيّة التي تميّز في خوضها رئيس الحكومة يوسف الشاهد. هذه حصيلة صباح يوم حافل بالإستقالات وبالإعفاءات وفق رئاسة الحكومة، في نفس اليوم الثلاثاء 29 أكتوبر، تحوّلت أنظار الرّأي العام مساءً، إلى قرار تحجير السّفر على الإعلامي سامي الفهري وزوجته أسماء الفهري، من قبل القطب القضائي المالي والاقتصادي.
ووفق تصريح الناطق الرسمي باسم القطب القضائي الاقتصادي والمالي، سفيان السليطي، لبيزنس نيوز مساء أمس الثلاثاء، تبيّن لنا أنّ قرار تحجير السّفر على الفهري وزوجته وعلى المتصرّف القضائي لشركة كاكتوس المصادرة، جاء على خلفيّة شكاية تقدّم بها المكلّف العام بنزاعات الدولة في حقّ وزارة المالية وتحديدا اللّجنة الوطنية للتصرف في الأملاك المصادرة من خلال الاشتباه في ''إبرام عقود مخالفة للتّراتيب الجاري بها العمل''.
قضية شركة الإنتاج "كاكتوس برود" كانت قد انطلقت في أواخر سنة 2011، ويُتّهم فيها كل من الإعلامي سامي الفهري والوزير المستشار الأسبق برئاسة الجمهورية عبد الوهاب عبد الله وخمسة مديرين عامين سابقين بالتلفزة الوطنية وهم مصطفى الخماري ومحمد فهري الشلبي وإبراهيم الفريضي ومنصف قوجة والهادي بن نصر، الذين أحيلوا بحالة سراح، إلى جانب بلحسن الطرابلسي صهر الرئيس الأسبق بن علي، وهو في حالة فرار. وتتعلق القضية بتجاوزات قامت بها شركة "كاكتوس برود" زمن الرئيس المخلوع، وكبدت التلفزة التونسية خسائر مالية كبيرة.
بعد صدور قرار التحجير بساعات قصيرة، نشرت قناة الحوار التّونسي فيديو قصير ترويجي عبر صفحاتها في مواقع التواصل الإجتماعي بيّنت فيه أنّ سامي الفهري قام بتحقيقات استقصائيّة وستُنشر قريبا تحت عنوان ''كشف أسرار حركة النهضة''. سلسلة حلقات ستُبثّها قناة الحوار التّونسي حول علاقة حركة النّهضة بالمال، وتفكيك للغز تمويل النهضة والدّور المحوري لعائلة الغنوشي، وإن كانت كلّ العمليّات الماليّة للنهضة تتمّ في إطار القانون والشفافيّة، وهل كانت تخلو من الفضائح القانونيّة والأخلاقيّة، كما ستُبرز هذه الحلقات كيفيّة تحكّم عائلة الغنوشي في القرار داخل النهضة، وفي المسائل الديمقراطيّة داخل الحركة.
ووفق مصادر بيزنس نيوز، فإنّ أولى حلقات هذه السلسلة من كشف ''فضائح النهضة''،ستُخصّص للحديث عن التجاوزات والفساد المالي الذّي قام به صهر الغنوشي، رفيق عبد السلام صلب وزارة الخارجية، وسيقدّمها سامي الفهري. استعان سامي الفهري في تحقيقه بالمحامي الطيّب بالصادق الذي كشف له التصرّفات الغير قانونيّة لصهر الغنوشي والذي قام بطرد كلّ من أعلمه أنّ تصرّفاته مخالفة للقانون، أيضا أفاد بالصادق أنّ الكثير من القضاة تضرّروا في قضيّة رفيق عبد السلام، قضية الشيراتون، حتى أنّ القاضي الذي قام بالإستماع إلى الصحفيّة ألفة رياحي كشاهدة في القضيّة تمّت معاقبته بعقوبة لا تليق بقاضٍ، حسب تصريح بالصادق.
في نفس السّياق، أعلنت الصحفية ألفة الرياحي في تدوينة لها يوم الجمعة 25 أكتوبر 2019، أنّها ستقدّم قضية ضدّ رفيق عبد السلام وزير الخارجية الأسبق المشتبه به في قضية الهبة الصينية، من أجل تعمّده نشر وثائق من الملف القضائي التحقيقي المفتوح في شأنه، تحمِل إمضاءات و أسماء وألقاب قضاة وتعمّده تزييف الحقيقة ومغالطة الشعب التونسي بوثائق مبتورة ومنقوصة من ملف لا يزال إلى اليوم محلّ مسار قضائي، على حد قولها.
المحامي الطيّب بالصادق، أكّد أنّ كلّ المعلومات التي قدّمها للفهري بخصوص رفيق عبد السلام صحيحة وموثّقة لديه، في عهد ترأسه لوزارة الخارجيّة ووصفه ''بالفاشل''، وأفاد أنّه قام بجرائم قانونيّة، وعبّر في تدوينة له على حسابه بالفايسبوك اليوم الأربعاء، أنّه يتحمّل كامل مسؤوليته في كلّ كلمة خرجت منه في حواره مع سامي الفهري، وأشار إلى فرحته بتطرّق الفهري لهذا الملف الجاري لدى القضاء منذ ديسمبر 2012، وأضاف بالصادق أنّه غير مسؤول عن عمليّة المونتاج التي سيقوم بها الفهري وأنّ المادّة أصبحت على ملك صاحب القناة إلى حين بثّ الحوار كاملا فإنّه سيُبدي موقفه دون نُقصان، وأوضح أنّ حركة النّهضة لا تعنيه كحزب سياسي بقدر ما يعنيه الملف القضائي وإستقلال السلطة القضائيّة.
هذه الومضة الإشهاريّة لوثائقي سامي الفهري الذي سيكشف فساد النّهضة وقياداتها، جعل من القيادي بحركة النهضة سمير ديلو، يعتبر أنّ الفهري أعلن الحرب على حركة النّهضة، وأكّد في تصريحاته الإعلاميّة أنّ النّهضة لا علاقة لها بقرار تحجير السّفر على الفهري وزوجته معتبرا ذلك اتهاما للقضاء التونسي وتشكيكا في استقلاليته. وبيّن ديلو أنّه كما اعتقد نبيل القروي أنّ إدخاله للسّجن تقف وراءه حركة النّهضة ويوسف الشاهد فإنّ الفهري يعتبر نفسه مستهدفا من النهضة أيضا.
حركة النّهضة الفائزة في التّشريعيّة والمكلّفة بتشكيل الحكومة القادمة، وجدت نفسها أمام العديد من الإكراهات والشروط التي وضعتها الأحزاب لتشارك في الحكومة، وبعد إعلان سامي الفهري عن سلسلة من الحلقات التي سيكشف فيها ''أسرار حركة النّهضة''، ستجد نفسها في مأزق كبير، أمام مرحلة حسّاسة تحاول فيها كسب ثقة الأحزاب والمضيّ قدما في الحكم.
تعليقك
Commentaires