استهتار سياسي أغرق تونس في وفيات كورونا ويُنذر بعصيان مدني
يتّسم الوضع العام بالبلاد خلال الخمسة الأشهر الأولى من سنة 2021، بالتشنّج والإحتقان. شهدت تونس في هذه الفترة كافة أنواع الأزمات، اجتماعية، اقتصادية، سياسية وخاصّة أزمة صحية زادت حدّتها في بداية الثلاثية الثانية بالتحديد في شهر أفريل الفارط. هذه الأزمات جوبهت بانعدام الحوار بين كلّ الاطراف لإيجاد حلول جذرية.
صحيا: آلاف الوفيات وقرارات فجئية متعثّرة
تُعاني تونس من أزمة صحية حادة بسبب انتشار فيروس كورونا بكثافة في كلّ مناطق البلاد دون استثناء، العدد الجملي للإصابات بالوباء منذ شهر فيفري 2020، تجاوز 321837 حالة إصابة، كما أنّ عدد الوفيات فاق 11468 حالة وفاة. السلالة البريطانية كانت المسؤول الأوّل والأكثر على ارتفاع عدد الوفيات ذلك أنّها سريعة العدوى ولا تستثني أحدا وفعلا قد صدقت توقّعات وزير الصحة فوزي مهدي الذي صرّح أنّ نسق الوفيات سيصل الى أرقام خطيرة وبحلول 15 ماي الجاري، ستسجّل تونس 12 ألف وفاة بسبب ذروة الموجة الثالثة التي تسجل معدل ألفين اصابة ومائة وفاة في اليوم. على الرّغم من حدّة الأزمة الصحية وتفشي كورونا بقوّة إلاّ أنّ الحكومة لم ترغب في إقرار الحجر الصحي الشامل كما فعلت بقية البلدان، وجعلت القرار عند المواطن التونسي فإما أن يحترم الإجراءات الصحية الوقائية أو يجعل من إصابته بكورونا سبيله للموت التدريجي. وعلى الرّغم من التأخير الذي تمّ في جلب التلاقيح ضدّ الوباء إلى تونس، إلاّ أنّ وزارة الصحة جعلت من تكثيف حملات التلقيح للمواطنين وسيلتها الوحيدة للحدّ من انتشار كورونا. تتواصل عملية التلقيح في يومها 59 بعد أن كانت قد انطلقت يوم 13 مارس الماضي، ليبلغ العدد الإجمالي للتلاقيح 537380، وتحصّل 165140 على الجرعة الثانية من التلقيح.
بعد أن بلغت طاقة إستيعاب المستشفيات مرضى الكوفيد قرابة 90 بالمائة وامتلأت أسرة الإنعاش ونقص الأكسجين وأطلقت الهياكل الصحية صيحة فزع نظرا لخطورة المرحلة الوبائية وبضغط من قبل اللجنة العلمية، اقتنع رئيس الحكومة هشام مشيشي بالعدول عن قراره وتخليه عن المعادلة بين الوضع الإقتصادي وصحة التونسيين وأعلن يوم 7 ماي الفارط عن إجبارية الحجر الصحي الشامل في كل البلاد لمدّة أسبوع انطلق منذ السبت المنقضي. قرار كان فجئي ولم يتوقّعه أحد، وتزامن مع عيد الفطر، حيث يحاول العديد من التجار وأصحاب الحرف والكثير من المؤسسات الصغرى والكبرى من استغلال هذه المناسبة لتدارك بعض الخسائر المالية التي عانوا منها بسبب جائحة كورونا. بالإضافة إلى الحجر الصحي الشامل، أعلنت حسناء بن سليمان عن تطبيق حظر الجولان من الساعة السابعة مساء إلى الساعة الخامسة صباحا من اليوم الموالي ومنع التنقل بين المدن إلاّ الحالات المرخّص لها والحالات الاستعجالية والخدمات الأساسية بما في ذلك حملة التلقيح. وأعلنت عن منع جميع التجمعات والإحتفالات بما في ذلك العائلية والرياضية والثقافية وتعليق ارتياد دور العبادة. بالإضافة إلى غلق الفضاءات الترفيهية والمنتزهات ومختلف محلاّت الخدمات وغلق الأسواق اليومية والأسبوعية والمساحات التجارية الكبرى والمحلات التجارية باستثناء محلات تجارة المواد الغذائية.
هذه القرارات نزلت كالصاعقة على التجار والعاملين في الأسواق، حيث قرّروا في أوّل يوم من الحجر خرق هذه القرارات وتمّ غلق السوق المركزية بالعاصمة بالقوة العامة، والعديد من الأسواق الاخرى. كما أنّ هذا القرار الذي جاء في وقت متأخر، ساهم في خلق حالة من الازدحام يومي الجمعة والسبت الماضيين أمام مكاتب البريد وامتلأت الشوارع والمحلات ومحطات النقل بالمواطنين، ومحلات المواد الغذائية أصبحت برفوف شبه فارغة أمام تهافت المواطنين ومحطات النقل البري التي ازدحمت بالمسافرين. حسناء بن سليمان صرّحت أنّ الخطر الأكبر اليوم هو امكانية انهيار المنظومة الصحية وأوضحت أنّ المراكز الإستشفائية باتت تشهد نقصا في الإمكانيات الطبية وحتى البشرية ''نحن في ظرف صحي يهدد بانهيار المنظومة الصحية''. لم نشهد من الحجر الصحي الشامل أيّ تطبيق، الشوارع ممتلئة والناس تتنقل وتعمل بشكل طبيعي ولكن شهدنا ازدحام غير مسبوق وتجمعات للمسافرين والمواطنين وهذا الذي سيزيد من انتشار فيروس كورونا.
سياسيا: حرب الكلّ ضدّ الكلّ وتونس هي الضحية
الوضع السياسي في تونس لم تنفرج أزمته منذ سنتين، تونس باتت تعيش في سياسة حرب الكلّ ضدّ الكلّ، أكبر انشقاق عمّق الأزمة السياسية هو القطيعة بين رأسي السلطة التنفيذية وذلك بعدم التواصل والحوار بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام مشيشي. بالنسبة للرئيس قيس سعيد فإنّ هشام مشيشي خرج عن طوعه وأبدى ولائه لأكبر حزب في البلاد يمقته ويُعاديه وهو النهضة وأصبح الرئيس يتعمّد دائما وأبدا شتم وتوجيه التهم لمن اعتبرهم أعدائه بخطاباته المُبهة والمشفّرة. في حين أنّ هشام مشيشي يعمل وفقا لحزامه السياسي الذي يدعمه ولم يأبه بأهمية حلّ الخلاف بينه وبين قيس سعيد لإيجاد حلّ لأزمة التحوير الوزاري، وبقي محلّ انتقادات الكثير من ممثلي الأحزاب الداعمة للرئيس قيس سعيد ودعا البعض هشام مشيشي إلى الإستقالة خاصّة بعد فشله في إدارة الازمة الصحية والتي راحت فيها آلاف أرواح التونسيين بسبب كورونا. رئيس حزب آفاق تونس فاضل عبد الكافي، أكّد اليوم أنّ أمام رئيس الحكومة حلّين إما أن يفتح باب الحوار مع قيس سعيد لفكّ الخلاف والمُضيّ قدما في استكمال اصلاح البلاد أو أن يستقيل من منصبه ويخرج من الباب الكبير.
هذا على مستوى السلطة التنفيذية، أما السلطة التشريعية والمتمثّلة في مجلس نواب الشعب فإنّ المشهد الكارثي لم يتغيّر بعد، قبة البرلمان تحوّلت إلى حلبة صراع بين النواب لتجد السبّ والشتم والإعتداء بالعنف والتهريج بصريح العبارة خاصّة من قبل عبير موسي التي دخلت قاعة الجلسات العامة مؤخّرا وهي ترتدي خوذة دراجة نارية. هذا البرلمان لم يتمكّن بعد من تمرير العديد من مشاريع القوانين ولم يتمكّن من تركيز المحكمة الدستورية وما دام يرأسه الغنوشي فإنّ الحرب بين قصر قرطاج وباردو لن تنتهي. وأمام هذا التشنّج والصراع، يتفاقم تأزم الوضع الوبائي والوضع الإقتصادي.
الأزمة الصحية والسياسية عمّقت من شدّة الأزمة الإقتصادية والإجتماعية واستفحل الفقر والبطالة في صفوف التونسيين والخوف بات اليوم من تطبيق سياسية العصيان المدني، خاصّة أنّ الجوع يولّد العصيان ويتمرّد بذلك الشعب على السياسات الخاطئة والقرارات الغير مدروسة التي أضرّت بهم. وأمام استهتار المواطن بالإجراءات الوقائية الصحية وتواصل حالة الإحتقان بين الرئاسات الثلاثة، فإنّ تونس ستغرق في بحر وفيات كورونا وسيسودها العصيان المدني.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires