alexametrics
آراء

ضعف حكومة المشيشي سيبقى في الذاكرة

مدّة القراءة : 5 دقيقة
ضعف حكومة المشيشي سيبقى في الذاكرة

 إلى الأبد رغم أنه شاب وينتمي إلى الطبقة المتوسطة التي كافحت من أجل تحقيق النجاح ورغم أنه من خرّيجي الإدارة التونسية وله كل مقومات النجاح، فإن رئيس الحكومة، هشام المشيشي وللأسف الشديد، هو أضعف رئيس حكومة أو وزير أول في تاريخ البلاد. حتى أنه أضعف من حمادي الجبالي الذي كان يبحث عن حكومته وكذلك من على لعريّض الذي فوجئ بخصومه يأتونه من الخلف في الوقت الذي كان ينتظرهم من الأمام.

الكثير من أصدقائنا المقرّبين (قراء ولوبيات وحرفاء) عاتبونا ووجهوا لنا اللوم من أجل مواقفنا وعباراتنا القاسية تجاه هشام المشيشي داعين إيانا إلى التحلي بشيء من الرحمة والرأفة به وتركه يعمل وتشجيعه على المضي قدما في برنامجه ومشاريعه.. وعللوا ذلك بأنه كان علينا أن نتفهّم أنه مسك مقاليد الحكم في بلد على حافة الإفلاس، تعصف بها أزمة سياسية واقتصادية وصحية حادة ... وأنه لم تكن أمامه خيارات أخرى غير خيانة ثقة الرئيس والتحالف مع كتل الأغلبية البرلمانية، خاصة أنه يفتقد للحد الأدنى من التجربة في العمل السياسي ..

كل هذا صحيح ويمكن الأخذ به في الاعتبار عند محاولة تحليل نجاحات وإخفاقات رئيس الحكومة، لكن من واجبنا كإعلاميين أن ندق ناقوس الخطر وحتى أن نصرخ بأعلى صوتنا "كفى".

لقد أظهر هشام المشيشي أنه محدود الإمكانيات ومتهوّر وهو أيضا دمية بين يدي اللوبيات الإسلامية .. كثيرا ما حاولنا البحث له عن أعذار بخصوص البعض من تصرفاته، لكن بلا جدوى. ولتقديم الدليل على هذا التقييم، سأعود إلى ثلاثة أحداث شهدها الأسبوع الماضي.

الحدث الأول يتمثل في عدل التنفيذ الذي تنقل بطلب من الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي لإجراء عُقلة على تجهيزات إذاعة شمس آف آم لعدم استخلاص مساهمات المؤسسة لفائدة عملتها ن تغطية صحية وجرايات.

 

هذه الإذاعة التي أسستها سيرين بن علي ابنة الرئيس الأسبق، تمت مصادرتها في 2011 وهي إلى غاية اليوم من أنجح المحطات الإذاعية في تونس من حيث نسب الاستماع .. غير أنها كانت دائما تعاني من مشاكل مالية، بما كان يستدعي اللجوء إلى معونة من شركة الكرامة القابضة (على ملك الدولة) .. كيف يُعقل أن لا تقوم مؤسسة تابعة للدولة بخلاص مساهماتها الإجتماعية ؟ أمر غريب ! هذا بالإضافة إلى العدد المهول من الشركات الخاصة التي يتم التشهير بأصحابها ووصفهم بالسراق والفاسدين للأسباب ذاتها.

حاولت الحكومات السابقة التفويت في هذه الإذاعة لفائدة الخواص، لكنهم فشلوا جميعا في ذلك لأن الدولة تعرض هذه المؤسسة للبيع بما يفوق قيمتها الحقيقية .. فهي تريد أن تبيع شمس آف آم بديونها المتخلدة بذمتها والمتراكمة منذ سنوات، وهو ما يرفضه المستثمرون بطبيعة الحال .. فبالرغم من نسبة الإستماع المرتفعة فإن ديونها ما انفكت تتضخّم من شهر لآخر.

من أجل حل مشكلة هذه الإذاعة، لا توجد آلاف الحلول، يجب إعادة التوازن لحساباتها أي يجب متصرف جيد يقوم مخططه التمويلي بالأساس على مداخيل الإشهار وبالتالي يلزم شخصية قادرة على جلب المعلنين وومضات الإشهار بما يتناسب ومكانتها الجيدة في المشهد السمعي.

بدلا من البحث عن هذا المتصرّف الجيد ذي التجربة الواسعة في هذا المجال، قام هشام المشيشي بتعيين صحفية تفتقر للتجربة في إدارة مؤسسات إعلامية، على رأس شمس آف آم.

إذا تم الاستنجاد بصحفي لإدارة مؤسسة إعلامية فهذا يعكس رغبة في حل مشكل على مستوى المحتوى .. في حين أنه لا وجود لأي إشكال في علاقة بالبرمجة وبهيئة تحرير هذه الإذاعة والدليل على ذلك نسبة الإستماع المرتفعة. لماذا يتم إذن تسمية صحفية ؟ بعيدا عن أي محاولة للحكم على النوايا، فإنه يمكننا القول إن هشام المشيشي يعطي الإنطباع بأنه يسعى إلى تغيير الخط التحريري للإذاعة .. هذا من حيث الأصل، أما من حيث الشكل وفي حين تقع هذه المؤسسة تحت تصرّف الدولة، فإن هشام المشيشي لم يستشر أحدا قبل تعيين المديرة العامة الجديدة، في حين كان عليه وجوبا أن يأخذ بالرأي المطابق للهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري بصفتها المسؤولة عن تعديل المشهد الإعلامي وتنظيمه وفقا للمرسوم عدد 116.

 

الحدث الثاني الذي شهذه الأسبوع الماضي هو تسمية الصحفي كمال بن يونس على رأس وكالة تونس إفريقيا للأنباء "وات" (مؤسسة عمومية) .. وهو تعيين أثار موجة من الغضب والاحتجاجات صلب أبناء الوكالة الذين شرعوا أيضا في تنفيذ اعتصام بمقر مؤسستهم.

(وات) ليست لها ديون متخلدة بذمتها لكنها فقدت ذلك الإشعاع الذي كانت تحظى بها في الماضي .. وجود صحفي على رأس هذه المؤسسة قد يعيد لها بريقها وكان ذلك برنامج الالرئيسة المديرة العامة السابقة، الصحفية منى المطيبع. لماذا إذن يتم التخلي عنها في حين لم يمر عام على تعيينها في هذه الخطة ؟ !تعويض صحفي بصحفي آخر ليس عيبا في حد ذاته، غير أن كمال بن يونس ليس الشخص المناسب. فسجلّه لا يسمح له بإدارة وكالة عمومية .. خاصة وأنه عُرف بانتماءاته الحزبية .. فقد كان إسلامي الهوى حين كان طالبا في مدارج الجامعة، ثم قريبا من التجمع الدستوري الديمقراطي ودوائر السلطة في زمن بن علي، ومنذ الثورة صار مقربا من حركة النهضة ودوائر الحكم .. هو حر في خياراته السياسية، لكن عليه أن يتحمّل تبعاتها. لا يمكنه مطلقا إدارة مؤسسة عمومية مطالبة بالحياد والوقوف على قدم المساواة إزاء كل التوجهات السياسية.

بتعيينه لكمال بن يونس، يعطي هشام المشيشي الإنطباع بأنه تجاوب إيجابيا مع طلب تقدمت به النهضة، الحزب الإسلامي الذي لم يخف أبدا رغبته في السيطرة على هياكل الدولة، بما في ذلك المؤسسات الإعلامية وخاصة المؤسسات الإعلامية. هذا الانبطاح أمام حركة النهضة هو بكل بساطة لا يطاق ..

الحدث الثالث هو مسألة حظر الجولان ابتداء من الساعة السابعة مساء باقتراح من اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا والذي أقره هشام المشيشي.

مثلما يعلم الجميع فإن هذا النوع من القرارات لا يحظى بالشعبية المرجوة .. فالناس قد سئموا وتعبوا كما تم تفقيرهم بسبب الإجراءات الصحية. في كل أرجاء العالم نلاحظ تنظيم مظاهرات احتجاجية على القرارات الحكومية التقييدية في علاقة بالكوفيد 19 .. لكن ما باليد حيلة فهذه الإجراءات ضرورية خاصة حين تكون نسبة العدوى مرتفعة وعدد الأسرّة بالمستشفيات في تراجع خطير .. هذا الوضع ينطبق على تونس وقرار المشيشي كان في محلّه .. صحيح أنه إجراء مقيّد للحريات وغير شعبي لكنه يحمل في طياته غايات ذات معنى.

 

ما ليس له معنى، في المقابل، هو أن إجراء مثل هذا لم يكن مرفوقا بالإجراءات الإقتصادية اللازمة .. كان لا بد من تدحّل الهياكل النقابية لأصحاب المقاهي والمطاعم والتي أطلقت صرخة فزع واستغاثة، حتى يتذكّر المشيشي أن هناك أشخاصا يهددهم حظر الجولان بالإفلاس .. يجدر بنا التذكير في هذا الصدد أن رقم معاملات المقاهي خلال شهر رمضان يضاهي رقم معاملاتها طوال باقي أشهر العام .. إذا نحرم المقاهي من العمل الليلي للسنة الثانية على التوالي، فهذا يعني الإفلاس لأصحاب المقاهي والبطالة لعشرات الآلاف من العملة.

على هشام المشيشي التفكير في العواقب الإقتصادية لقراره السياسي، قبل أن يعلن حظر الجولان وغيره من الإجراءات الجديدة.

يوم 9 أفريل حمل معه تطورات جديدة .. فقد التقى الرئيس قيس سعيّد في صباح ذلك اليوم، هشام المشيشي .. الرئيس كان كمن يلقي محاضرة أمام رئيس الحكومة بشأن الإجراءات الصحية الجديدة .. وعوضا عن الدفاع عن خياراته السياسية والتي تندرج ضمن صلاحياته، ارتأى المشيشي أن يختبئ وراء اللجنة العلمية .. "لكن القرار سياسي" هكذا ردّ عليه رئيس الدولة.

تبعا لهذا لاختلاف في وجهات النظر تراجع رئيس الحكومة عن قراره وأعلن من الغد التمديد في حظر الجولان إلى الساعة العاشرة ليلا. أليس هذا دليلا آخر على ضعف هشام المشيشي ؟!

لو كان واثقا من وجاهة خياراته ولو كان حريصا على ممارسة صلاحياته، بحكم الدستور، ما كان على هشام المشيشي أن يتراجع أمام الرئيس .. كان عليه أن يقول لرئيس الجمهورية إن فرض حظر الجولان بداية من الساعة السابعة مساء هي ضرورة صحية وتذكيره بأن نسب امتلاء الأسرة في المستشفيات بلغت 110 بالمائة في بعض الجهات .. كان عليه أن يطلب من الرئيس بأن لا يتدخّل في صلاحياته ويتجاوزها. إلا أن هشام المشيشي كان ضعيفا وفضّل التقهقر أمام رئيس الجمهورية المعروف بقراراته الشعبوية.

الحقيقة أن إقرار حظر الجولان بداية من السابعة مساء فيه شيء من الزيغ والتجني .. فالحافلات وعربات الميترو مكتظة طوال ساعات اليوم وليس الخروج ليلا هو الذي سيغيّر شيئا كثيرا .. قراره الأولى كان سيخنق الإقتصاد والمجتمع وقد اتخذه دون التفكير في عواقبه ودون اتخاذ إجراءات المرافقة الملائمة.

هشام المشيشي كان منذ البداية ضعيفا أمام اللجنة العلمية، باتباعه قراراتها دون أي تفكير .. وبخضوعه لتوجيهات وأوامر رئيس الجمهورية، فإنه يكون قد أصلح خطأ بآخر.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0