حركة "تحيا تونس" .. استنساخ جديد من أحزاب فاشلة
لا شك أن تونس قطعت أشواطا هامة على درب التعددية الحزبية والديمقراطية حتى تمر من تجربة الحزب الواحد في عهد بورقيبة إلى مشهد يضم 216 حزبا سياسيا اليوم مع الباجي قايد السبسي.. النزيف الحقيقي الذي أدى الى هذا الكم الضخم من الأحزاب عرف أوجه في 2011 حين تقرر بين عشية وضحاها ان تونس ستصبح بلدا ديمقراطيا .. لكن خاب أملنا حين اتضح لنا جليا ان الديمقراطية، على عكس ما روجوا له، لا تعني بالضرورة تحقيق قفزة اقتصادية وان الحرية التي ننعم بها تعني لدى البعض منا الفوضى وان من مظاهر هذه الديمقراطية ان نقبل أيضا بالآخر، سواء كان إسلاميا أو شيوعيا، كما قد يكون اسمه البحري الجلاصي أو الهاشمي الحامدي.. طويلا ما هللنا للديمقراطية وامتدحنا مزاياها لكن لا أحد نبهنا الى انها تقترن أيضا وبالضرورة بظهور اللوبيات والمال الفاسد والمراوغات والاكاذيب والضرب تحت الحزام واستغلال وسائل الإعلام لتوجيه الراي العام ومغالطته.
فهذا الكم الهائل من الأحزاب قد يبدو للبعض مظهرا من مظاهر العافية الديمقراطية والتعددية الحزبية لكن مالفائدة من 216 حزبا اذا كانت تفتقر لبرنامج مجتمعي واقتصادي يجتمع حوله الكل؟ أي فائدة من كل هذه الأحزاب إذا كان هدفها المشترك هو الاستحواذ على السلطة عوضا عن استنباط رؤية مستقبلية لتونس ولأجيالها القادمة؟ .
المولود الجديد في قائمة هذه الأحزاب أعلن عنه أمس الأربعاء بمدينة المنستير مهد الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة .. إلى متى مازال البعض ينهل من المخزون الإيديولوجي البورقيبي ؟ .. سليم العزابي الرئيس السابق للديوان الرئاسي لدى الباجي قايد السبسي هو من اعلن عن اطلاق هذا المشروع السياسي الجديد الذي يسبح بحمد يوسف الشاهد، رئيس الحكومة الحالي والذي اختاره رئيس الجمهورية بنفسه لهذا المنصب.
اختار الجماعة "تحيا تونس" إسما لهذا المشروع وهو ما ينم عن جهل تام وكبير بالقواعد الأساسية في مجال التسمية.. هم يقولون انه تم اختيار هذا الاسم بشكل ديمقراطي .. وهذا ما تؤدي اليه الديمقراطية، قرار احمق نابع عن أغلبية حمقاء وما على الأقلية الا اتباعه في صمت .. وهذا يعطينا فكرة عما قد تنتجه الديمقراطية من حماقات، بدءا بجورج بوش ومرورا بالمنصف المرزوقي ودونالد تراب، ووصولا الى نيكولاس مادورو.
معظم أعضاء هذا الحزب السياسي الجديد اختاروا تسمية الحركة "تحيا تونس" وقد أثبتت لنا التجارب السابقة ما بإمكان مثل هذه الحركات إتيانه من حماقات والأمثلة عديدة على ذلك .. حركة "مشروع تونس" لمحسن مرزوق (المستشار السابق لقائد السبسي ومدير حملته الانتخابية) .. حزب "البديل" للمهدي جمعة (رئيس الحكومة الأسبق) .. حركة "تونس أولا" لرضا بلحاج (المدير السابق للديوان الرئاسي لدى الباجي قايد السبسي).
"ميزة" الحركة السياسية الجديدة "تحيا تونس" أنها جمعت في حزب واحد كل التجارب الفاشلة السابقة لأحزاب توأم لها أحدثها اشخاص نسخة طبق الأصل من مؤسسيها.
سليم العزابي ورفاقه في هذا المشروع الجديد هم بصدد تطبيق الوصفة ذاتها بالمكونات نفسها، آملين الحصول على نتيجة مغايرة .. غير أن حزبهم لن يكون سوى استنساخا من "البديل" ومن "مشروع تونس" و"تونس أولا" لذلك فهم يلهون وراء وهم وسراب ..
القاسم المشترك بين كل تلك الأحزاب ال216 التي ضاق بها المشهد السياسي في البلاد هو الأنا المتضخمة لدى قياداتها .. جميعهم يعتقدون انهم الأفضل ويظنون انهم على حق ويتوهمون ان لديهم الحل السحري لإنقاذ البلاد وان غيرهم سيؤون.. يكفي مثلا ان تستمعوا للمنصف المرزوقي وسعيد العايدي والبحري الجلاصي والهاشمي الحامدي وعادل العلمي ولطفي المرايحي .. جميعهم يحملون خطابا واحدا مفاده انهم "هم الأفضل ولديهم الحل وان غيرهم فاشلون".
فسواء كان يوسف الشاهد أو سليم العزابي أو غيرهما من يؤسس حزبا وهو واثق في قدراته فإن النتيجة واحدة وهي انه سيخدم بذلك منافسه وهم الإسلاميون .. بل انهم سيساهم اكثر في مزيد شق وحدة صف الجمهوريين واللائكيين والوسطيين ولن يفوز الا بالفتات في نهاية المطاف ليجد نفسه مضطرا للتعامل مع حركة النهضة (هذا اذا حل ثانيا في الانتخابات) .. في كل الأحوال فإن النهضة ستكون موجودة والى جانبها "حزيب" وسطي وحتى في هذه الصورة لن يتمكن الثنائي الفائز في الانتخابات من الحكم كما يحلو له لان الحكام الحقيقيين في هذا العالم المعاصر هم صندوق النقد الدولي والنقابات واللوبيات.
فالحل لا يكمن في تأسيس حزب جديد وإنما في وحدة واتحاد الأحزاب الموجودة على الساحة عبر تكوين جبهة مثلا لتجسيم الحلول التي تفرضها وتمليها علينا تلك الأطراف أي النقابات واللوبيات وصندوق النقد.
لذا لا فائدة من مغالطة أنفسنا.. فإن لم تستطع إيجاد حل لعائلتك السياسية فإنك ستعجز حتما عن إيجاد الحلول للبلاد .. اذا لم تقدر على توحيد اسرتك فلن تتوصل الى توحيد التونسيين .. إذا استسلمت ورفعت الراية البيضاء أمام حافظ قايد السبسي (كم هو قوي حافظ هذا !) فإنك ستبقى مكتوف الأيدي امام مشاكل التونسيين ومشاغلهم.
فمشاكل الشعب معروفة لدى الجميع لكن حلها ليس في كثرة الأحزاب وإنما في وحدتها واتحادها واجماعها على مصارحة التونسيين ومواجهتهم بحقيقتهم.. المفارقة هي ان لا احد من هؤلاء القادة من أصحاب الأنا المتضخمة تجرأ على ان يقول للتونسيين ما لا يحبون .. فالكل يتوجه للشعب بالقول انه "يستحق ما هو افضل لانه شعب جميل ومسالم" ولا احد يقول للتونسيين "اعملوا، ثابروا، اجتهادا، كفوا عن طلب يد العون والمساعدة وعن المطالبة بالتعويضات والزيادات وتحلوا بروح التضحية".
هم مدركون ان مصارحة التونسيين ومواجهتهم بالحقيقة المرة سيكلفهم الكثير بمنطق الأصوات الانتخابية .. لكن لا مفر من الحقيقة فهي ستتجلى في يوم ما وتكون الضريبة حينها باهظة، هذا ان لم يكن قد فات الأوان.. خير دليل على ذلك ما وقع في اليونان .. فالغش والكذب على الناخبين والتخفي وراء شعار "الديمقراطية" للوصول بكل الطرق الى سدة الحكم، يؤدي دائما الى دفع الثمن باهضا واسألوا عن هذا المصير بن علي في تونس ومرسي في مصر ومادورو في فنزويلا.
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires