حديث الروح: ألا افرنقعوا عنّا
نحن نعيش يا سادتي حالة فريدة بفضل سياسيينا وحكّامنا منذ الثورة وإلى اليوم.. أنزلها الله علينا مثل الصاعقة.. هي حالة صاغتها التناقضات سواء في طريقة تفكيرهم أو انفعالاتهم، وحتى في تسيير البلاد. ولعلّ الصفة الوحيدة التي تنطبق عليهم هي صفة " الفاشوش"، والفشفشة في المعاجم القديمة " هي ضعف الرأي... "
فلنبدأ من البداية، فالرئيس المؤقت المنصف المرزوقي ، كان الفاشوش الأوّل، وفي الحقيقة لا نجانب الصواب عندما نقول إنّه خسر المرتبة الأولى في أيامنا هذه لأنّ الساحة السياسية وفّرت لنا منافسين له أشدّاء. وإن اعتبرناه فاشوشا فلأنّه كان منقطعا عن الشعب ، ومنغلقا في قوقعة فبركتها له النهضة ، فكان حديثه غريبا و فاشوشا... ولأنّه لم ينزل إلى الشارع والحقل والسوق فكانت تصرفاته فاشوشا... ولأنّ نرجسيته تغلبت عليه، فكانت القطيعة بينه وبين الشعب، وصار هستيريا يسبّ ويشتم.. وظلّ الفشل قابعا ينتظره إلى ان اصطدم به ..فكان وقع الخيبة مريرا في نفسه.
ثمّ ألم يكن مصطفى بن جعفر الفاشوش الثاني ؟ لأنّ الغرور أغمض عينيه وعقد لسانه فكان الحاضر الغائب بين الناس، وخان أمانة أنصاره.. فصار فاشوشا منبتّا عنهم.. وانفضّوا عنه خوفا من شرار شمروخه.. ولم يدرك أنّ شمروخه أصابه الندى سوى بعد انتخابات 2014 عندما قال له المجتمع " باستا".
أمّا زعيم الفشاشيش وقراقوش الأمّة فقد كان راشد الغنوشي : لكن حذار فهو الحكيم الذي ينافس الأنبياء في نظر أنصاره ، مستهين بنا، ومستخفّ بذاكرتنا.. وككلّ قراقوش فإنّه يعتقد واهما أنّ التعامل معه باللطف واللين واجب، ومظهرا من مظاهر الطاعة.. وغاب عنه أنّنا سجّلنا في ذاكرتنا " الصلبة" كلّ عبارة نابية أو تلميحا جارحا في المجتمع... وكان فاشوشا عندما غيّر وجهة خطابه من شرعية الصندوق، وشرعية من سيختار الحكومة، إلى رسائل في الحبّ والتوافق مع السبسي .. وصار لسانه مع الإعلام طريّا بعد أن كان ينعته "بإعلام العار".. ولأنّ سياسته فاشوش كان قلّبا، متزحلقا ولا حرج يكبح جماحه حتى وإن أدّى به الأمر إلى أن تتنكّر إلى جذوره الإخوانية، بل ذهبت به الجرأة وبأتباعه إلى أن صرخوا منددين بكلّ من ينسبهم إلى الإخوان و يذكّرهم بجدّهم الأوّل البنّا.. ولم يكتفوا بالجحود وإنّما ارتموا في أحضان الثعالبي ليعلنوا أنّهم أبناؤه .. سياسة الغنوشي هي من صنف الفاشوش الذي أثمر وأزهرت ثمراته عليه هو وعلى أتباعه، وذلك بفضل امتلاكه لدواليب الدولة، فأدخل أتباعه إلى الوظائف راميا عرض الحائط الترقيات الإدارية المقدّسة في الإدارة العمومية، فتراكم الموظّفون وتداخلت المسؤوليات.. ومنّ على نفسه وعلى القياديين بالحركة من المال العامّ، وحذار أن تتهمه بالفساد حتى وإن أُرغت الصناديق الاجتماعية لأنّ الدولة هي التي تشرّع للفساد عن طريق أوامر تصدر بالرائد الرسمي، فظهرت على الجماعة بشائر الخير والترف، وشيّدوا البنايات هنا وهناك، ومع ذلك حذار أن تتهمهم بالفساد، فتلك منّة من الله يؤتيها من يشاء.. فهل بعد هذه الإنجازات يجوز أن ننعت الغنوشي بالفاشوش؟ طبعا لا ، وهو الحكيم، وليت كلّ زعيم يمنّ على أنصاره بمثل ما منّ هو.. تمكّن الغنوشي من البقاء في المشهد الحاكم، وحتى انتخابات 2014 لم تكن بالقادرة على إقصائه، والسبب في ذلك يعود إلى شخص آخر عشقه الشعب وفني " في دبايبه" ، وغاب عن هذا الشعب الساذج إمكانية أن يرتمي السبسي في أحضان الغنوشي.. منحه فرصة العمر طيلة هذه السنوات الأخيرة، و ما كان له أن يغنمها لو بقي في الواجهة الأولى في الحكم. واعترف أنّكم بفضل سياسة " التنافق" هذه غنمتم غنما ما كان لكم أن تحلموا به في هذه الظروف الوجيزة.. وإن تمّ لكم ذلك فبفضل من اعتبرناه " حكيم" زمانه":
حقّا هو فاشوش الباجي قايد السبسي: كان متحذلقا في سياسته معنا، واستطاع في ظرف وجيز أن يبتلع أفكارنا.. وقعنا في الفخّ وانتخبناه، وفي ظنّنا أنّنا ظفرنا "بالمهدي المنتظر" ، وتغنّينا ذات يوم من أيام أكتوبر 2014 بشرعية الصندوق ، مثلما تغنّى بها " الخوانجية" قبلنا..وقلنا هي شرعية شعب فتح عينيه وأدرك ناضجا ،وفي صمت الحكماء بوجوب ائتمان تونس جهة هي غير جهة الإخوان... وقلنا إنّنا سنفتح عهدا جديدا من التعايش معهم على أساس من حسن الجوار، وليس التشارك في الحكم. منذ 2014 ونحن نعاني نتائج خيانة ، ويوم خذلته النهضة أدرك عندئذ أنّ لديه جسما انتخابيا يمكن أن يحاربها به، هو فاشوش في تفكيره لأنّه اعتقد أنّ مجرّد تكرار ما نقوله عن النهضة يشفع له ما سبق من أعماله، فاشوش لأنّه استغبى من كان قد آمن به.. والنتيجة انتثرت حبيبات حزبه، لأنّه ظنّ أنّه الأذكى ولم يدرك أنّ كلّ من اقترب من النهضة اكتوى بنارها.. ويأتي اليوم ليدين النهضة، ونسي أنّه هو من قوّى النهضة.. ويأتي اليوم لينبّهنا إلى خطر اقتراب الشاهد من النهضة ، ونسي أنّه هو من صنع الشاهد وقرّبه وشدّ ساعده حتى يطيح به في أوّل مواجهة.
واليوم، ها نحن نشاهد أمرا عجبا.. إنّه ميلاد فاشوش جديد/ قديم في الواقع، لأنّه ولد من رحم الباجي، وهو الذي سلّطه علينا، انتصب بيننا بعد أن لبس جبّة المنقذ من الضلال، فإذا به فاشوش أيضا.. كلّما أطلّ علينا وتكلّم قلنا " سكت ألفا ونطق خلفا".. غريب في تركيبته لأنّه كتلة من التناقضات : إنجازاته تشهد له بالفشل فإذا بها في أعين عشّاقه ملاحم وحكمة.. صمته ضعف وعلامة على تلاشي الدولة في نظر المجتمع ؟ فإذا بالهائمين به يرونها رصانة وقدرة على إدارة دواليب الدولة.. نحن نرى في علاقته بالغنوشي استنساخا لسيرة أبيه الروحي؟ غير أنّها في رأي مريديه الجدد إملاءات سياسية راهنة ستضمحل إذا ضمنتَ له أيها شعب 109 كرسي في الانتخابات.. وإذا بهم يرقصون نشوة ونحن في ذهول نتساءل عن أسباب هذه النشوة والحالة الهستيرية التي دخلوا فيها عند إعلان ميلاد حزبهم البديل.. إنّها حالة من التوحّد السياسي ، ولعلّها أوّل أعراض مرض ولد به هذا الحزب، وندعو الله أن يكون " هذاكا حد الباس"..
بلادنا تنحدر سريعا نحو الهاوية، ويوسفهم يقول: "العام صابة"، وكلّما قلنا له متى ستنفرج حالنا أجابنا مثل هند وهو يتأمّل وجهه في المرآة " بعد غد". فهل توجد حال أشدّ اهتراء من حالنا؟؟؟ لا أعتقد.
تلك بعض الصور التي عايشناها منذ الثورة.. ومع ذلك مازال هذا الشعب صامتا، ولم يقل كلمته، أتعرفون لماذا؟ لأنّه إذا نطق لن يسكت، وإذا قام لن يقعد، وإذا تحرّك لن يهدأ حتى يأتي على جميع هؤلاء الفشاشيش، لذلك أقول:
آلمتمونا وآذيتم بلدنا بأخطائكم، وبرهنتم بالحجة أنّكم أبعد الناس عن الحكم. فهل من سبيل إلى أن تتركونا نرمّم ما أفسدتم ونضمّ جراح تونس. أسقطتمونا ، ودحرجتمونا إلى الدرك الأسفل. جعلتمونا نهذي كمن تملّك الشيطان الهندي بجسمه فإذا بنا نردّد: " تكأكأتم علينا كتكأكئكم على ذي جِنَّة ألا افرنقعوا عنّا".. انزعوا عن أذهانكم جميعا فكرة أنّكم الأفضل والأنضج . فمبادراتكم لا تعنينا.. بل تبعث فينا القرف..و هستيريتكم ليست سوى الشهادة على انقطاع الحوار بيننا. وإنّ غدا لناظره لقريب هذا إذا أراد الله خيرا بهذا البلد، وإلاّ فقدر تونس الفشل والخراب.
تعليقك
Commentaires