alexametrics
آراء

عبير موسي لبؤة أو كبش نطيح ؟ .. هذا لا يهم ما دامت تستميت في محاربة الإسلاميين

مدّة القراءة : 4 دقيقة
عبير موسي لبؤة أو كبش نطيح ؟ .. هذا لا يهم ما دامت تستميت في محاربة الإسلاميين

 

طفلان صغيران توفيا الخميس الماضي في القصرين على إثر انفجار لغم يدوي الصنع .. هذه الحادثة الأليمة مرت مرور الكرام ولم تعرها وسائل الإعلام ما تستحق من اهتمام وكأن المسألة تتعلق بحادثة بسيطة من قبيل الأخبار المتفرقة .. لا أحد من السياسيين كلّف نفسه عناء التعليق على هذه الحادثة .. الجميع كانوا منشغلين بعبير موسي وسيف الدين مخلوف وسامي الفهري .. رحم الله الطفلين ثامر وماهر الفقراوي، أصغر شهداء الوطن (10 و14 عاما) وشفاء عاجلا لوالدتكما. كنتما طفلين ولم تبلغا السن الكافية حتى تنشغل بكما طبقتنا السياسية المقرفة وتوليكما الحد الأدنى من الإهتمام .. أنتما لستما محرزية العبيدي حتى يتفاعل مع رحيلكما رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

 

حدثان بارزان طبعا مجريات الأحداث التي شهدها الأسبوع المنقضي وهما فض اعتصام عبير موسي بالقوة والبلاغ الفضيحة للمجلس الأعلى للقضاء بخصوص القضايا المشبوهة المتعلقة بالقاضيين الطيب راشد وبشير العكرمي.

 

أولا، لا بد من التأكيد على أن الدولة لم تقم بواجبها في ما يتعلق بنزع الألغام التي زرعها الإرهابيون وهو ما تسبب في مقتل طفلين صغيرين .. تقصير الدولة استمر بعد الحادثة من خلال التزام الصمت وعدم تفسير ما كان يتوجّب فعله لتفادي الفاجعة .. لو كنا نعيش في بلد يحترم مواطنيه وشهدائه لتم إقرار الحداد الوطني.

 

بخصوص عبير موسي، رخّصت الدولة في بداية الأمر للحزب الدستوري الحر بتنظيم اعتصامه ثم قررت على إثر ضغوطات مارسها عليها الإسلاميون، بسحب ذلك الترخيص وبفض الاعتصام بالقوة .. وهو ما وصفته عبير موسي بجريمة دولة.

 

في ما يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، إنها فضيحة بامتياز .. شبهات تتعلق بقاضيين وجهت ضدهما عديد الإدانات وحررت بشأنها التفقدية العامة تقريرا تغافلت عنه العدالة، فقط لكونهما ينتميان لسلك القضاء .. قرر المجلس الأعلى إحالتهما على مجلس التأديب، عوضا عن إحالتهما على النيابة العمومية وفتح قضية عدلية في هذا الشأن .. شركاؤهما المفترضون، في المقابل، تمت إحالتهم على النيابة العمومية. ماذا يمكن أن نقول عن مرفق العدالة حين نرى المجلس الأعلى للقضاء (السلطة القضائية العليا في البلاد) لا يعامل المتقاضين على قدم المساواة ؟ لماذا هناك عدالة للمواطنين العاديين وقضاء مواز (إسمه مجلس التأديب) للقضاة ؟ سواء كان القاضيان بريئين أو مذنبين، ليست هنا المشكلة .. كان على العدالة أن تنظر في تجاوزاتهما المفترضة وليس مجلس التأديب.

 

في غياب هذا وفي غياب قضاء مستقل ونزيه، لا يمكن الحديث عن العدل ولا عن الدولة.

 

لا وجود للدولة ! هذه العبارات ما انفكت تتكرر على الألسن .. وهو ما تدينه عبير موسي منذ عشر سنوات .. فهي ترى، ونحن كذلك، أن الدولة قد نخر مفاصلها الإسلاميون .. حين نعلم أنهم يحلمون بإقامة دولة الخلافة، أمة إسلامية تحكم المغرب العربي والشرق الأوسط (وحتى أبعد من ذلك)، من حقنا أن نتساءل عما إذا كان الإسلاميون بصدد القضاء رويدا رويدا على الدولة التونسية، منذ اعتلائهم سدة الحكم في 2011. حين نعلم أنهم يصبحون مجرّد خرقة بين يدي الرئيس التركي أردوغان الذي يطمح إلى استعادة الامبراطورية العثمانية، من حقنا أن نتساءل إذا ما كان الإسلاميون بصدد تركيع الدولة التونسية من أجل خدمة المصالح التركية .. قد يقول البعض إن في الأمر مبالغة ؟ وإنه من السهل إتهامهم بكل هذه البساطة ؟ وأن هذا مجرد شيطنة غير مبررة للإسلاميين ؟

 

كل الوقائع تؤكد ما ذهبنا إليه .. الإسلاميون موجودون في الحكم منذ عشر سنوات والبلاد في تقهقر مطرد منذ ذلك الحين .. صندوق النقد الدولي يحذّر .. وسائل الإعلام تنبّه .. الخبراء والمحللون السياسيون يتصايحون .. الدبلوماسيون يتهكّمون والإسلاميون يستمرون في وأد الدولة تدريجيا .. صندوق النقد الدولي حذّر من أن القضاء متعفّن والأمن مخترق والإدارة كذلك مفخخة .. لا شيء يعمل بشكل عادي في هذا البلد منذ قدوم الإسلاميين.

 

معضلة الوطن ومصيبته هم الإسلاميون .. هذا أمر لا شك فيه ولا نقاش.

 

لمجابهة هذا الوباء، ظهر في 2012 الباجي قايد السبسي .. وفي سبيل بلوغ التهدئة المنشودة وبسبب حسابات سياسية سياسوية ولأنهم يمثلون كتلة برلمانية وازنة، تحالف معهم في 2015 سامحه الله وغفر ذنوبه .. بعد ست سنوات ها نحن نشهد بلادنا تحتضر .. على مشارف الموت البطيء .. موت الإقتصاد .. موت شهدائنا .. موت مجتمعنا.

 

ما العمل في مواجهة الإسلاميين الذين يمثلون تهديدا صريحا وواضحا أمام استمرارية وجود هذا الوطن ؟

ليس أمامنا اليوم من أجل مواجهة هذا الداء إلا عبير موسي.

 

قد يقول البعض فزعا: "لا ! عبير لا ! فهي أيضا فيروس مثلهم !  لكنه يحمل جينات مختلفة .. عبير تمثل الدكتاتورية .. عبير تمثل النظام السابق .. عبير فاشية .. عبير خطيرة أيضا مثل الإسلاميين تماما .. عبير لا تؤمن بالمساواة في الميراث .. عبير ميّالة للخلافات والمشاكل ..". لكن أسهل المواقف اليوم هي الوقوف على الربوة والقول لا لعبير ولا للإسلاميين.

 

لنفترض أن هذا الخيار قد يكون الحل الأسلم أي لا عبير ولا الإسلاميين .. فمن يكون إذن ؟ هل ترون سبيلا آخر ؟ ربما كان الأمر كذلك لو أننا أصغينا إلى صوت العقل والذي يمثله مثلا الفاضل عبد الكافي .. غير أن الظروف الراهنة والمناورات وعمليات التفخيخ التي تجريها النهضة، كلها عوامل تمنع أصوات العقل والحكمة من أن تكون مسموعة.

 

ما يعرف بالعائلة الوسطية التقدمية الحداثية العلمانية، هي اليوم منقسمة أكثر من أي وقت مضى .. هي عاجزة حتى عن الاتفاق على صياغة بيان حول حادثة ما .. فكيف يعوّل عليها إذن لتتجمّع حول رجل أو شخصية واحدة وبلورة برنامج لإنقاذ البلاد. إذن ما الحل ؟ أي بديل آخر غير عبير لإنقاذ الوطن من براثن الإسلاميين ؟

 

قد يكون الحل في تنظيم حوار وطني يشارك فيه الجميع .. فالحل هو التهدئة .. لا بد من تهدئة الأوضاع لتمكين البلاد من التقاط أنفاسه وتدارك ما فات .. البعض يقولون إن الأولوية القصوى هي الإقتصاد وهذا رأي عديد الملاحظين (ومن بينهم بيزنس نيوز)، علما بأن الإسلاميين الآن بصدد تفخيخ الإدارة والأمن والقضاء والنقابات وكل المؤسسات .. نعم للتهدئة لكن بشرط أن يقبل الإسلاميون بالكف عن تخريب الدولة من الداخل .. بشرط أن يكف الإسلاميون عن دخول البيوت لتسجيل الناس دون علمهم .. نعم للحوار بشرط أن يتوقّف الإسلاميون عن استعمال بيادقهم و"دماهم المتحركة"، من أجل التشهير بكل ما هو تقدمي وحداثي .. نعم للتهدئة بشرط أن ينقطع الإسلاميون عن تقويض النموذج الإجتماعي التونسي .. نعم للحوار بشرط أن يتوب الإسلاميون عن أعمالهم ونشاطاتهم المشبوهة وعن التمويل المشبوه وتبييض الأموال. 

 

السؤال الذي يجب أن نطرحه اليوم: ما هي أولويتنا ؟ هل هي اقتصادية أم ايديولوجية ؟ في عهد الباجي قايد السبسي تم الإتفاق على أنها اقتصادية وبالتالي تم "تطبيع" العلاقات مع الإسلاميين. لكن بدا جليا أنهم استغلوا تلك التهدئة لتفخيخ مفاصل الدولة ثم القضاء عليها .. والنتيجة اليوم واضحة للعيان وأمام الجميع.

 

قيس سعيّد، التيار الديمقراطي، حركة الشعب، الإتحاد العام التونسي للشغل، منظمة الأعراف، الأحزاب التقدمية .. كلهم يدركون جيدا ما آلت إليه البلاد وهم متفقون ومجمعون على أن أصل الداء هم الإسلاميون .. لكن لا أحد منهم يواجه الإسلاميين .. في المقابل وفي تعامل هو أشبه بالنفاق، تراهم يقبلون بالجلوس معهم حول طاولة واحدة للنقاش والحوار.

 

عبير موسي هي الوحيدة التي ترفض ذلك .. وهي اليوم الشخص الوحيد الذي يحارب الإسلاميين بشكل مباشر .. هي الوحيدة التي تولّت هذا الأمر وهي تقوم به على أفضل وجه .. غير أنه لا يمكن لها أن تواجههم بمفردها فهي بحاجة إلى الدعم والمساندة.

 

لا تنظروا إليها على أنها لبؤة، فهي قد تتغيّر ! لكن تعاملوا معها على أنها كبش نطيح وقفوا إلى جانبها أو خلفها لمواجبة خطر الإسلام السياسي.

 

في مواجهة عدو مشترك، واضح المعالم، لا توجد حلول كثيرة، لا بد من الوحدة .. التاريخ علّمنا هذا .. المثل يقول: "عدوّ عدوّي صديقي" .. عبير ليس عدوا .. ولا هي الصديق أيضا لكنها ليس بالعدو .. الإسلاميون في المقال هم العدو الذي يجب القضاء عليه لإنقاذ البلاد.

 

سياسة الحقد على عبير والتشهير بالنهضة وانتظار مجيء المهدي المنتظر أثبتت فشلها .. حان الوقت لكل يدرك ذلك قيس سعيّد وجماعة اليسار والوسط وكل التقدميين ويستوعبوا الدرس ويستخلصوا منه العبر !

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0