ستكون الإنتخابات مشوّهة وغير ديمقراطية، ما دامت "نزيهة" غائبة
يجب أن تكون نزيهة وشفّافة وحُرّة.. هنّ ثلاثة حراير اكتشفهن الشعب حين اكتشف الديمقراطية فيبدو أننا قبل ذلك لم نكن نعرف الوجه الحقيقي للديمقراطية.. حتى أنه يحق لنا التساؤل عمّا إذا كنا عشنا انتخابات ديمقراطية قبل 2011؟.. هذا ما أراد أن يوهمنا به البعض إبّان الثورة وقد صدّق الكثيرون ذلك. فلنكتشف الديمقراطية مع من سوّق لها بشكلها الحالي في 2011.. هي نزيهة وشفّافة وحُرّة مثلما قدمها لنا مصطفى بن جعفر أول رئيس للمجلس التأسيسي التشريعي للجمهورية الديمقراطية التونسية وهي الجمهورية الثانية مثلما أراده المجلس الوطني التأسيسي.. تذكرونه جيدا أليس كذلك؟ هاته الحسناوات الثلاث ترمزن للنزاهة والشفافية والحريّة. وبما أننا كنا نجهل الديمقراطية وماهيتها قبل 2011 فلنعتمد هذا المفهوم أي أنّه لا يمكن الحديث عن ديمقراطية في غياب حسناوات تونس وهن: نزيهة وشفافة وحُرّة.
من باب الفضول سنبدأ بالتعرّف على "شفّافة" وقد رأينا وسمعنا عنها الكثير.. حقائب مملوءة أوراقا مالية تدخل إلى تونس دون رقيب أو حسيب، أموال تم توزيعها على أنصار الأحزاب السياسية خلال الإجتماعات، شوكوطوم، حفلات للزواج الجماعي ولختان الأطفال، هدايا لتلاميذ البكالوريا، تصريحات استفزازية، محاولات للضغط والإقناع وحتى خروقات للصمت الإنتخابي.. ورغم كل ما تم تسجيله وملاحظته لدى "الشفافة" فإن الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات لم تر شيئا يلفت الإنتباه.. فهي تعتبر أن هذه الخروقات ليست جرائم انتخابية ولا يمكن محاسبة أصحابها لذلك فالإنتخابات صحيحة ولا لُبس فيها.. كان هذا الحال في انتخابات 2011 و2014 ومرّت حركة النهضة في المناسبتين. فما الفائدة من الشفافية إذا كان ما يلاحظه الجميع لا تراه الهيئة الإنتخابية؟.. سنتجاوز فنحن لسنا أهلا للفهم والإدراك في نظر المسؤولين.
بالنسبة إلى "الحُرّة" تساءلنا عمّا إذا كان قد تم احترام قواعد اللعبة حين تمت دعوة الإله لمساعدتهم على اللعب.. حتى أننا استمعنا لكثير من الأصوات تدّعي أن الشعب سيموت جوعا إذا لم ينتخب "حزب" الله أي حركة النهضة، لأنكم أغضبتم الله.. وما زال البعض يعتبرها حُرة هذه الإنتخابات التي يخوضعا حزب لا تعتبره السلط دينيا رغم أنه إسلامي ويطلق على زعيمه صفة "الشيخ".. هنا أيضا سنتجاوز المسألة بما أننا لا نفقه شيئا مثلما يدّعون.
فلندقّق إذن في الحسناء الثالثة المدعوّة "نزيهة" لعلّنا ننقذ ما يمكن إنقاذه من هذه الديمقراطية التي اكتشفناها في 2011 ََ فكيف هي الأمور من هذا المنظور؟
إلى غاية اليوم، أي مباشرة بعد إجراء الإنتخابات التشريعية يمكننا التأكيد أن النزاهة تخلّفت عن الموعد وغابت طوال الحملة الإنتخابية وما قبلها سواء بالنسبة إلى الرئاسية أو التشريعية.. الجميع لاحظ هذا، من ملاحظين محليين ودوليين وصحفيين تونسيين وأجانب وكذلك رئيس الجمهورية وحتى منظمة الأمم المتحدة لكن هيئة الإنتخابات لا حياة لمن تنادي.
غابت "نزيهة" عن الموعد الإنتخابي ومازال البعض يطالبنا بالتغاضي عن الأمر لأن الإنتخابات "ديمقراطية ولا غُبار عليها" .. فأين مصطفى بن جعفر؟، الأب المؤسس للدستور التونسي، "أفضل دستور في العالم" .. ألا ينص هذا الدستور في فصله عدد 23 على أن "الدّولة تحمي كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد وتمنع التعذيب المعنوي والمادي ولا تسقط جريمة التعذيب بالتقادم"؟ ألم ينصّ الفصل 103 على أنه "يشترط في القاضي الكفاءة ويجب عليه الالتزام بالحياد والنزاهة"؟ ألا ينصّ الفصل 126 من الدستور على أن "تتولى هيئة الإنتخابات إدارة الانتخابات والاستفتاءات وتنظيمها والاشراف عليها في جميع مراحلها وتضمن سلامة المسار الانتخابي ونزاهته وشفافيته"؟.. إذن فليفسّروا لنا كيف يمكن القبول بنتائج الإنتخابات في غياب "نزيهة" والتشكيك في حضور "شفافة" و"حُرّة"؟.
الآن وقد أسدل الستار يمكننا القول إننا أجرينا انتخابات تشريعية في غياب رئيس الحزب المرشّح للفوز في الإنتخابات .. ظلّ المرشّح الأبرز في نتائج سبر الآراء إلى غاية يومين قبل الإقتراع، ثم تدحرج فجأة حزب "قلب تونس" يوم الإنتخاب بعد أن عانى الأمرّين من كافة أشكال التعذيب المعنوي والإفتراء والكذب والظلم. وبسبب فارق لا يتجاوز النقطتين، يخسر "قلب تونس" الأفضلية الدستورية التي تخوّل للفائز تشكيل الحكومة .. فمن يضمن لنا أنه لو كانت "الشفافية" حاضرة لفاز قلب تونس ؟.
الأحد المقبل سيكون الأمر أكثر تعقيدا، لأننا إزاء الدور الثاني من الإنتخابات الرئاسية وما يزال المترشّح نبيل القروي يقبع في السجن. فكيف القبول بتنظيم انتخابات بهذه الأهمية، في غياب أحد المترشّحين الإثنين؟ .. يبدو الأمر كما لو أنك مدعوّ لحفل زفاف وأحد العروسين غائب .. فوضى عارمة لكن هيئة الإنتخابات "شاهد ما شافش حاجة".
نحن الناخبون مفعول بنا أيضا ونقبل ما تملي علينا دكتاتورية القضاة وها نحن نستعد للتصويت لشخص موجود وراء القضبان، شخص تم حرمانه من القيام بحملته الإنتخابية .. قبلنا هذه "الحقنة" المسكّنة في التشريعية وسنقبل بأخرى مثيلتها الأسبوع المقبل بمناسبة الرئاسية.
الأكيد أنه في غياب (نسبي أو كلي) لحراير الإنتخابات التونسية: "نزيهة" و"شفافة" و"حُرّة"، يبدو بديهيا أننا لم نعد في حالة ديمقراطية، فعن أي انتخابات يتحدّثون في غياب الحسناوات الثلاث، الضامنات للمسار الإنتخابي، أحد ركائز الديمقراطية؟.
فالديمقراطية مثلما اكتشفناها في 2011 وكما سوّق لها مصطفى بن جعفر وكل دول العالم .. تلك الديمقراطية لا وجود لها اليوم.
ابتداء من يوم 14 أكتوبر 2019، سيكون من باب النفاق المطلق الحديث عن الديمقراطية تماما كما كان الشأن قبل الثورة. ديمقراطية مزعومة هي أوسخ وأقبح من تلك التي عشناها زمن بورقيبة وبن علي. بعبارة أوضح فإن الديمقراطية المغشوشة هي رديف للدكتاتورية.
ففي السابق كنا نعيش تحت دكتاتورية "متبصّرة" و"تقدّمية" .. أما اليوم فنحن أمام دكتاتورية القضاة والدكتاتورية الدينية ومسك الختام دكتاتورية الشعبويين من الأميين والجهلة.
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires