أروني دولة أكثر بذاءة مما نحن فيها
لم يكن يوم العاشر من ديسمبر هذا العام يوما للاحتفال بالذكرى السبعين للاعلان العالمي لحقوق الانسان فقط. لقد كان أيضا يوما حزينا كشفت فيه الدولة عن عورتها وأبدت بذاءتها وعمقت الهوة بينها وبين مواطنيها.
في العاشر من دبسمبر هذا العام، قرر رئيس الجمهورية العفو عن برهان بسيس. ويندرج هذا القرار بما لا يدع مجالا للشك في اطار الخصام المتواصل بين صاحب قرطاج وصاحب القصبة. والاكيد ان لرئيس الدولة الصلاحيات التي تخول له اصدار العفو عن المحكومين. وصحيح أيضا أن المتمتع بالعفو قد تمت ادانته من طرف القضاء بشكل نهائي وبات، وهو في النهاية أمرقد يرضي الباحثين عن العدالة والمتمسكين بعدم الافلات من العقاب. انما الخطأ وربما الخطيئة ان يتزامن هذا العفو مع الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان اذ لم يعرف للمتمتع بالعفو قبل الثورة أو بعدها مواقف مساندة للحقوق الفردية والعامة ولحقوق الانسان في ابعادها الكونية والشمولية.ويصبح الخطأ جسيما والخطيئة أكبر عندما يقترن تكريم و توسيم المناضلين عن حقوق الانسان اعترافا بتضحياتهم ونضالاتهم، بالعفو عن بوق جلادهم الذي لم يدخر جهدا لتشويههم وتبرير اضطهادهم.
في العاشر من ديسمبر هذا العام، قررت النيابة العسكرية تخليها عن الشكاية التي تقدم بها الامين العام لحزب نداء تونس سليم الرياحي التي اتهم فيها شخصيات في الدولة من بينها رئيس الحكومة نفسه بالتحضير لانقلاب. وقد كان يتعين على النيابة العسكرية ان ترفض الشكاية منذ البداية ان كانت مقتنعة بعدم جديتها. أما ان يتعهد بها قاض للتحقيق فيها ثم تسترجعها النيابة منه لغلق الملف، فان ذلك يحيلنا الي مربع التجاذب السياسي من جديد ويجعل القرار حلقة جديدة من مسلسل الخصام بين صاحبي القصرين. كما كان يتعين على صاحب الشكاية ان يتسلح بالشجاعة وبشيء من الشهامة حتى يدافع عن موقفه ويقدم مستنداته لا ان يتحصن بالفرار ويرفض العودة للديار بتعلات واهية عودنا بها طيلة مسيرته السياسية المفاجئة والقصيرة.
والواضح اليوم ان تخلي النيابة العسكرية عن الشكاية وعدم تقديم الشاكي لمستندات تفيد بما يدعيه لا يغلق الملف الذي اذهل الرأى العام وأربك الناس وأدخل الذعر في النفوس. وسيبقى الشارع التونسي منقسما بشأن هذه القضية الخطيرة التي تتعلق بالأمن القومي بين من يصدق رواية الشاكي رغم فقدان الادلة وبين من يرى في موقف النيابة العسكرية نفيا لها. وسيبقى الارباك قائما ما لم تأت الاجابات واضحة في ظل مشهد سياسي متهاو تنخره أخبار المؤامرات والخيانات من كل صوب. وانه لخطأ فادح من قبل النيابة العسكرية ان تكتفي باتخاذ اجراءات شكلية دون فتح تحقيق حول الاتهامات الخطيرة التي تضمنتها هذه الشكاية. انه من واجب النيابة العمومية وقد وصل الى مسامعها ما قد يفيد بالتحضير للانقلاب ان تتثبت في الامر وان تطمئن التونسيين جميعا.
في العاشر من ديسمبر هذا العام، صادق مجلس نواب الشعب على قانون المالية 2019 في جلسة صاخبة أعطت صورة صادقة عن بذاءة واقعنا السياسي. وقد شاهدنا في ذلك اليوم نوابا يصادقون على فصل من فصول القانون ثم يعاودون التصويت لإلغائه. ورأينا امتيازات تعطى جهارا لأناس بعينهم فيما توظف أداءا إضافية على قطاعات أخرى. واكتشفنا كم هي رحيمة هذه الحكومة بشركات التأمين والبنوك وشركات البترول وخدمات الهاتف الجوال مقابل تشددها وغطرستها تجاه المربين والاساتذة. ورأينا ممثلي اللوبيات يصولون ويجولون في أروقة مجلس نواب الشعب فجعلوا منه سوقا للبيع وخاصة للشراء وليس مقرا للسلطة الاصلية في البلاد. لقد كان مشهدا بذيئا بين حكومة انقطعت عن الناس ونواب تسوقهم مصالحهم فغاب العدل وأغتيل الأمل.
يقول الشاعر مظفر النواب في تعليقه على منتقديه: " اغفروا لي حزني وخمري وغضبي وكلماتي القاسية، بعضكم سيقول بذيئة، لا باس أروني موقفا أكثر بذاءة مما نحن فيه".
تعليقك
Commentaires