أغلقوا التلفاز وارفعوا صوت الموسيقى
لا. لن أخصص لهم حيزًا من وقتي أو من نصّي القصير. ما أكبر الصحافة وما أصغرهم!
00:00
لا تكن جزءا من نظامهم الساقط. سيقولون للصحفي الشابِ المبهور بالأضواء: كن مستعدا للإهتمام بمؤخرات كلّ المشاهير. ادرس المؤخرة. اكتب عن المؤخرة، انقد المؤخرة، كن أنت المؤخرة. ردد معي؛ أنا منافق .. أنا منافقة، نحن كومة من المنافقين.
لا.. لن أخصص حيزًا من نصي لهم. لإحتقار الرجل الذي برر الاغتصابِ والعنف ضد النساء، لإزدراء الرجل الذي يسأل عرّافا عن فيروس كورونا، لهجاء الرجل الذي يتقيّأ الفتاوي على قناة إسلامية، لفضحِ الرجل الذي يعلّق أذرع المحتاجين زينة على جدران قناته ويضعُ كفوفَ الكادحات بعروقها وجروحها وخشونتها للبيعِ على شاشته الزرقاء حتى يربح الإنتخابات.
لا. هذا النص يلفضكم كطحالب سيّئة على كل الشواطئ.
أعلم أن القذارة تحكم العالم وأن حربي خاسرة، لكنني أدعوكم لإغلاق التلفاز. لا وقت للفرز، أغلقوه، ارموه خارجا، أفرغوا دواخله واملؤوه بالتراب وحولوه إلى أصيص نعناع. ضعوا شاشات البلازما أمام منازلكم خِرقا لمسح الأحذية في الأيام الماطرة. استخدموها لوح تقطيع في المطابخ لتقشير الجزر ونزع جلد الدجاج. أنقذوا أنفسكم، يومًا ما سيستيقظ التلفاز ليلًا ويلتهم أبناءكم أو قططكم.
1 صباحًا.
شاهدت للتوّ فيلما إسبانيا مدّ يديهِ من شاشة الحاسوب وامتصني داخله The platform- أو كيف تستأصل الوعي من أذهان البُسطاء وتدفعهم لمحاسبة هذا العالمِ الفاسد. ديستوبيا الفيلم ليست أبشع من النظام العالمي الذي يحرص على أن تأكل الطبقة المتوسطة بقايا أطباق الأثرياء، وأن تأكل الطبقة الفقيرة القمامة، وأن يأكل من أفقر منهم (البراز). اعذروا معجمي، شاهدوا الفيلم وستفهمون أن الفقراء سيأكلون الأغنياء إذا جاعوا فاحذروا الجوع! (واذا شاهدتم أخبروني تفسيركم للنهاية، هل ستصل الرسالة أم لا؟)
الساعة 4 صباحا.
حدّق بِي الإكتئاب من زاويته المظلمة خلف باب الغُرفة. لاحت ضروسهُ لامعة تستعد لمضغِ قلبي.
-لا، لن أدعك تفسد نهاية الأسبوع. إن حدّقت بي سأحدق بك. إن أعطيتني سببا للحُزن ورميت البؤس بقلبي سأغني. إن صارعتني على القاعِ البارد سأكتم أنفاسك.
مُت يا ابن الكلب..
الساعة 9.
أفقت للتوّ، مازال الاكتئاب في الزاوية ينتظرني. ضحكت مِنه، ضئيلا شاحب الوجه لا يقوى على التنفس.
لا. ليس اليوم.. اليوم سأشربُ قهوتي بذهن شاغر، وسأدع الريح تطهرنّي من آثام الأمس. ستعوِي خلف البابِ وتجّف وحيدا كثديّ إفريقي في مجاعات الصحراء. مازلت أغني بصوتي السيّء، ومازال هذا الفيروس العادل والديمقراطي يثقبُ الهواء ويعلقُ بين الأصابع وعلى اللحيّ ومقابض الأبواب، لكنني بخير في شُرفةِ بيتنا حافيةً أستسلم للريح والسماعاتُ في أذني تحجبانِ عني لغو الأطفال فوق الأسطح وعراك الجارات. استيقظت صباحا مُنتصرة في معركة صغيرة بمزاج أفضل، قشّرت تجاعيد الهلعِ عن وجهي وتركتها مُلظِخّةً على المغسلة، ومضيت في اليوم الجديد يانعةً كالحُبّ. متْ يا ابن الكلب، هذا اليوم لي. نحن مُتعبون جدّا من معاركنا الصغرى التي نخوضها فجرا في غرفنا ضد الوحوش المختبئة في الزوايا ونستحق فسحة من الصفاء.
ريحْ.. تفر من أطراف أصابعنا، لانراها لكننّــا نُحسّ بقُشعريرةٍ لمرورها بِنا ومنـّا. جاءتْ الرّيـحْ، تكنُسُ الأرضَ من السّقمِ وتهدينا البَرْءَ والسلاّمة والهدوء. اليوم لن أسمح للأخبار السيئة بالدخول لهذا المنزل ولن أرهق نفسي . لابأس، لنعش حالة من النكران ولِنأكل الكسكسي ولنشرب الشاي الأخضر، داخل فقاعة خارج الزمان والمكان. حتّى 'ربّ الحرب يرتاح يوم الأحد' أليس كذلك يا محمود درويش؟
الى الغد. كونوا بخير.
تعليقك
Commentaires