اما حائر وإما مصدوم .. فمتى ينقشع الذهول؟
علق الناطق باسم الحكومة على تصريحات الناطق الآخر باسم الجبهة الشعبية بأنه محتار كيف يدعو الى اسقاط الحكومة في تونس ولم تتجاوز فيها نسبة التضخم سبعة بالمائة في نفس الوقت الذي يدافع فيه على حكومة فنزويلا حيث بلغت نسبة التضخم سبعمائة بالمائة. مسؤول آخر من مسؤولي الدولة عبر عن صدمته بعد اكتشاف مراكز التعبئة والتجنيد والتدريب تحت مسمى المدارس القرآنية في الرقاب وغيرها من المدن التونسية.
هذه التصريحات لها ما يبررها في المطلق. وقد صدرت عن مسؤولين في الدولة تصرفوا بتلقائية تامة وعبروا عما يخالج انفسهم كمواطنين تشبعوا بقيم الجمهورية والدولة المدنية ولطالما ناضلوا من اجل الحرية وحقوق الانسان حتى فترة قريبة خلت قبل انضمامهم لتركيبة الحكم وتوليهم لمسؤوليات كبرى في اجهزة الدولة.
والحيرة هي حالة من حالات الشك والتردد بين نقيضين يستويان في الخصائص أو لا يميل الشاك لأحدهما على حساب الآخر. وكما الشك، فان الحيرة تقود الى اليقين عندما يكون الشك منهجيا هدفه المعرفة. ذلك ان الحيرة هي موقف معرفي واع يقود للتمحيص والتحليل الدقيق للمعطيات المتوفرة قبل اتخاذ القرار. لكن الحيرة والشك قد تكونان عائقا أمام فهم الآخر والقبول بالاختلاف عندما يكون الشك مذهبيا واديولوجيا ويساهم بالتالي في التقوقع والانغلاق.
وواضح ان حيرة المسؤول الحكومي أمام تصريحات المسؤول في المعارضة هي حيرة منهجية نتجت عن تحليل وتدقيق لموقف الآخر الذي افتقد للانسجام. اذ ان القبول بوضع خطير في المحيط البعيد يفترض ان يقود الى القبول بوضع أقل خطورة في المحيط المباشر. لكن الواضح في نفس الوقت ان حيرة المسؤول الحكومي هي أيضا حيرة مذهبية جعلته ينغلق على ثوابته ولا يرى الا الجانب الايجابي لمحيطه المباشر بشكل جعله يستكثر على الآخر المعارض له التطرق لسلبيات هذا المحيط المشترك وهي سلبيات موجودة حتى وان كانت أقل خطورة من سلبيات محيطات بعيدة أخرى.
أما الصدمة فهي حالة نفسية أكثر خطورة من الحيرة لأنها تنتج عن ضرر أو أذى بسبب توتر شديد مرده التعرض بصفة مباشرة أو غير مباشرة الى أحداث أليمة كالكوارث الطبيعية والحروب والعنف الجسدي وسوء المعاملة والاعتداءات الجنسية. وطبيعي أن تكون الصدمة مؤثرة في الأحداث والأطفال أكثر من تأثيرها لدي الكهول بسبب الفوارق بينهم على مستوى التجربة والتكوين. كما أنها تسبب ألما نفسيا تكون حدته متفاوتة لدي الأفراد وآثارها متفاوتة كذلك.
وقد كان محقا هذا المسؤول الحكومي عندما عبر عن صدمته أمام هول ما افتضح من أهوال الممارسات داخل هذه المدارس الطالبانية. لكن الصدمة تنتج بالضرورة أمام فعل طارئ ومفاجئ. فهل كان هذا المسؤول يجهل حقا وجود هذه المدارس وما يجرى داخلها؟ يبدو أن الدولة التونسية كانت على دراية بالموضوع منذ سنوات عديدة. إلا أن التحالفات السياسية القائمة وانعدام الرغبة وتهاون الفعل السياسي جعل هذا الملف مسكوت عنه حتى أيام قليلة ماضية.
وقد حان الوقت الآن ان يخرج المسؤولون في الدولة من حيرتهم وصدمتهم وان تخرج الدولة بكل أجهزتها من حالة الذهول وأن تلملم أشلائها وان تسترجع قدرتها على المواجهة والفعل. وقد بدأت أجهزة الدولة في التحرك الفوري الذي يهدف لوقف النزيف و تم تحويل الأطفال من المؤسسة التجنيدية التي كانوا فيها بالرقاب بعد غلقها الى مؤسسة للطفولة تحت رعاية الدولة. كما تم الاحتفاظ بمدير هذه المؤسسة تحضيرا لمحاكمته فضلا عن القيام بحملة واسعة ضد المؤسسات المشابهة وغلقها.
لكن ردة الفعل الفورية وحدها لا تكفي اذ يتعين القيام بجرد تفصيلي لعدد هذه المؤسسات التي تسمي نفسها مدراس قرآنية وتحديد مكان نشاطها وأسلوب عملها وطرق استقطاب هؤلاء الأطفال. كما يتعين غلق جميع هذه المؤسسات المارقة وإنفاذ القانون ومحاكمة القائمين عليها وكل الذين خططوا لإنشاء هذا النظام التعليمي الموازي الذي ينتهك حقوق الأطفال ويهدد أمن البلاد.
كما انه من الضروري محاسبة الأولياء الذين قدموا أبنائهم لمرتزقة الارهاب حتى يجعلوا منهم ارهابيين وانتحاريين في مستقبل قريب والتفريق بينهم وبين أبنائهم الذين يحتاجون للإحاطة والدعم والمرافقة لإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع. ففي المحصلة فان هؤلاء الأمهات والآباء ليسوا أولياء. انهم ارهابيون بالوكالة.
تعليقك
Commentaires