خلاصة القول: لا تثقوا أبدا في الإسلاميين
منذ عشر سنوات تقريبا والإسلاميون في الحكم ومع ذلك وباستثناء بعض الخطوات في مجل الديمقراطية وحرية التعبير، فإن باقي الميادين في انهيار مستمر .. منذ 2011 تعاني البلاد من تفاقم حالة التضخم وتطوّر عجزها التجاري وعجز ميزانية الدولة وانهيار عملتها وانعدام الأمن فيها وتزايد التلوث والأوساخ، فضلا عن تراجع الإدارة مقابل تضخّم موظفيها .. جميعكم مدرك للوضع الذي آلت إليه البلاد وهي مستويات غير مسبوقة في تاريخ تونس المعاصر .. كل الأمم تتقدّم وتتطوّر ووطننا يتقهقر ويتراجع ولا أعتقد أن هناك من يخالفنا في هذا التشخيص وفي مقدمتهم الإسلاميون. حين نتحدث عن الإسلاميين فنحن نقصد النهضاويين ولكن أيضا حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وروابط حماية الثورة وائتلاف الكرامة ومختلف جمعيات ومنظمات المجتمع المدني المشبوهة التي ساهمت في تقسيم المجتمع التونسي منذ الثورة.
باسم الديمقراطية وبفضلها أمكن للإسلاميين الوصول إلى سدّة الحُكم وهم ما يزالون على هذ الحال للأسباب ذاتها.. بفضل أموالهم الفاسدة وحيلهم وغشّهم وأصوات الموتى التي حُسبت لفائدتهم في الإنتخابات وأكاذيبهم الكثيرة، تمكّن الإسلاميون من تطويع الآلة الديمقراطية بطريقة تخوّل لهم إقصاء خصومهم النزهاء والشرفاء دون أن يتركوا لهم أي فرص للفوز.
نذكر هنا على سبيل المثال سعيد الجزيري الذي نجح في الحصول على مقعد في البرلمان بفضل الإذاعة القرآنية وكذلك سيف الدين مخلوف الذي أفلت من قبضة القانون رغم المخالفات التي الجبائية واتهامه في قضية توجيه الشتائم لأحد القضاة أو كذلك رضا الجوادي الذي وظّف المسجد وصفته كإمام للدخول إلى مجلس النواب .. كل هذا يثير غضب التونسيين الذين يقفون اليوم عاجزين وهم يعاينون بأعينهم ألاعيب الإسلاميين وحيلهم دون القدرة على الإطاحة بهم.
فلو تسأل الإسلاميين سيقولون لك إنهم ديمقراطيون من الرعيل الأوّل وسيتناسون ماضيهم الأسود بسهولة ويتهمونك بأنك من هواة الإقصاء ومريض ومعاد للإسلام بل يهودي تخدم مصالح اللوبي الصهيوني أو إحدى الطوائف الماسونية. فحين تستمع إليهم يتهيأ لك أنهم مسلمون مسالمون وديمقراطيون، يمارسون السياسة على طريقة المسيحيين الديمقراطيين في أوروبا وأنهم لا يبغون سوى ازدهار البلاد .. فالإسلام والديمقراطية لا يتعارضان، حسب أحد قيادييهم الذي تغدق عليها الولايات المتحدة الأمريكية أموالا طائلة في حساب منظمته غير الحكومية.
لكن هناك حدثان شهدهما الأسبوع المنقضي وهما كفيلان بدخض كل هذه الإدعاءات والعبارات الرنانة.
السبت الماضي كانت الذكرى الأولى لوفاة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.. وبغاية الظهور في جبّة المسالمين والطيبين، تلفّط الوزير السابق لطفي زيتون ببعض العبارات المألوفة التي لا يصدّقها إلا الأموات، مشيرا إلى ضرورة السماح لأفراد عائلة بن علي بالعودة إلى أرض الوطن وهي بادرة طيبة وقد تكون صادقة من هذا القيادي الإسلامي.
مع ذلك فإن هذه العبارات تبقى مثل السراب في قلب الصحراء لأن آلاف الأصوات من حول لطفي زيتون تعالت من أجل الدفاع عن نقيض ما دعا إليه.. فمنسوب الشتائم التي انهالت في نهاية الأسبوع على بن علي وعائلته يندى له الجبين.. وفي هذ الصدد كانت السعفة الذهبية من نصيب سيف الدين مخلوف الذي وصف بن علي بالمجرم وكذلك سليم بن حميدان الذي دعا الله إلى أن يضاعف له العذاب في قبره.. الأول متهرّب ضريبي والثاني متهم في قضية البنك الفرنسي التونسي .. كلاهما إسلامي وله الآلاف من الأنصار والمتابعين .. لكنهما يدّعيان أنهم مسلمون طيبون ومسالمون وكرماء ...
لكن هذه هي حقيقتهم .. فتصرفاتهم إزاء رجل صار في عداد الأموات لا تنمّ عن صفات شخص مسالم أو سلوك مسلم حقيقي .. وهنا يكمن الفرق بين المسلم والإسلامي .. فالأول يطبّق تعالم الدين ويتحلّى بقيم التسامح مثلما يأمره بذلك دينه.. فتجده صادق في طيبته وكرمه وسخائه.. أما الصنف الثاني فهو شيطان يتخفّى وراء قناع حمل وديع ويستغل الدين للوصول إلى مآرب سياسية صرفة. الإختبار الحقيقي للتمييز بين المسلم والإسلامي هو معاينة تصرفاتهم حين يكون في مثل هذه الوضعيات.. جميل أن تدّعي أنك مسالم وطيّب لكن هذا لا يصّق إلا من خلال الفعل وليس القول.
الحدث الثاني الذي شهده الأسبوع الماضي يتمثل في ذلك البيان الجماعي الذي يحمل أسماء 100 من قيادات حركة النهضة والذي يطالبونه فيه بعدم الترشح لرئاسة الحزب مجددا.
في مقالات رأيهم الأسبوعية، تولّى كريم القلاتي وإخلاص لطيف تقديم تحاليل ضافية لسلوك الغنوشي الذي يدّعي أنه إسلامي ديمقراطي.. لاختبار صحة الحس الديمقراطي لدى شخص ما عليك أن تنظر إلى أفعاله وليس أقواله.. وفي هذا الاختبار بالذات فشل راشد الغنوشي فشلا ذريعا.. بإمكانه الإدعاء، كما يحلوله، بأنه ديمقراطي، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما والتي تعكسها الرسالة التي توجّه بها إلى النهضاويين بالأساس وخلاصتها أن الرجل غير مستعد للتنازل عن منصبه.
إنطلاقا من هذا المعطى، فإن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا: هل بإمكاننا الوثوق في هذا الشخص وتسليمه مقاليد السلطة؟. منذ سنة 2011 ونحن نحذّر الناس من هذا الشخص الخطير الذي لا يؤمن بالديمقراطية أصلا.
بعض أنصار النهضة، من الملتزمين دينيا والمواطنين البسطاء، أعرضوا منذ البداية عن قولنا هذا، متجاهلين تحذيراتنا وهم ما يزالون مقتنعين بأن الإسلاميين ديمقراطيون ومسالمون.. وخير دليل على ثقتهم فيهم، منحهم الأغلبية المريحة من الأصوات تحت قبة البرلمان.
على هؤلاء الأنصار والسذّج من التونسيين أن يلاحظوا ويراقبوا سلوك وتصرفات الإسلاميين خلال الأسبوع الماضي وهي وحدها كفيلة باستخلاص الاستنتاجات الدقيقة.
عليهم أن يتساءلوا إن كان يحق للمسلم الحقيقي أن يتصرّف على هذه الشاكلة إزاء الأموات؟ .. وهل يحق لشخص يؤمن حقا بالديمقراطية أن يكون هذا موقفه من الإنتخابات؟.
فلينظر هؤلاء الأنصار والسذّج من الأتباع إلى منسوب الحقد والكراهية الذي يبديه الإسلاميون تجاه رجل ميّت وهم يعلمون أنهم سيكونون هم الهدف المقبل إذا ما خالفوهم الرأي .. وليتأمّلوا في تعطّش راشد الغنوشي ولهفته على الحكم وهو في منصبه على رأس حركة النهضة وليعلموا أن هذا جزء بسيط لا يقارن ولا يضاهي تعطّشه للتحكّم في كل السلط.
خلاصة القول: لا تثقوا أبدا في الإسلاميين.
تعليقك
Commentaires