غُرباء ...
8.50
كان عليّ أن أستيقظ باكرا لأظفر بتاكسي. يوم طويل ينتظرني، الشمس تزدادُ حماوة كلّ لحظة. في التاكسي لا أنا أرى هويته ولا هو يعرفُ وجهي، يوصلني الى وجهتي، أسلمه أجرته، يمضي كلّ منا في سبيله. عادة ما يُجنّ الناس مع الحرارة والصيام وقلّة الصبر، لكن التونسيين مُنتشون بالأصفار، وُدعاء، حذرون، أو على الأقّل هذا البيّــنُ من الأمور.
اليوم توفيّ الشاذلي القليبي.
أظـن أن هذا الجيل قليل الحظ، الذي ينزلقُ كِبارُه من بين يديه، قـدّر له أن يُـترك وحده.
قُدر لـه أن يُؤرِّخ مايحدث دون أن يسائل التاريخ، دون أن يتذكره أحد. قُدّر لـه أن يكون موتهُ مستقرا لا يؤرق، خــِلافا لموت عرابيــه الذين لفّـوا حولهم شعبا، ثمّ رحلوا واحدا تلو الآخر.
يوما ما، سيرحلون جميعا ونبقى وحدنا نبحث عن وجوه تشبه أبائنا، حينها ماذا سنفعل، بهذه الأيد التي لا تجيد البناء والتأسيس، بهذه العقول المرتاعة من الأسئلة، بنصف حرية لم نتعب من أجلها، وجدناها حمراء لامحة تتدلى من شجرة لم نزرعها. أتمنى لو أجلّتم الاستقلال والثورة لنجد حربا نخوضها وتغييرا نشيّده، لكننا نصف دائرة قدرهـا ألاّ تكتمل. كُلّ ما نفعلـه أننّا نودّعُـهم، ونستبقِي الفراغ.
10.30
في الصفّ الطويل لاستخلاص فاتورة الانترنت، إعترضني صديق قديم. قفز قلبي فرحا، وأمطرته بآلف سؤال. أنا أترك صديقا حيثما وليّت، وأينما أذهب يمر به وجه مألوف.
هل تعرفون ذلك الموقف، حين تلتقون أحدا ما كان يعني لكم الكثير، لكنكم أصبحتم أشخاصا مُختلفين الان ؟ اليوم، سرعان ما إنفلت الوقت بين أصابعي وأصبحت المحادثة مملة، فلا حاضر مشترك بيننا يمكن أن أجعله جسر عبور إختلقت عذرا لأتجنب الغرق في الصمت، قلت أن لدي شيئا مهمة بإنتظاري وطلبت رقمه.
الان معي رقم لن أتصل به أبدا وفاتورة غيرُ مدفوعة.
في الطريق الى المهمة التالية، البحث عن الحمص المرحي للغرّيبة، عددتُ أصدقائي. طبيعـي أن يحل بقلبك الإغتمـام اذا خسرت حبيبا. لكـنّ أعجز أنواعِ الكدر نهايات حروب المحبّة. رحيل الأصدقاء أيضا يُحطّم قلبك، كيف لشخص ضحكت معه لسنين وأمنته على أسرار وشاركتهُ الصعاب، أن يغدو غريبا لا يشبهك، ولا يشبه نفسه. لا مهلا، القلوب لا "تتحطم". العضلات والأوردة لا تتحطّم، التحطم فـِعل سريع لايعمـّر، يحدثُ في أجزاء صغيرة من الوقت، ومرة واحدة.
القلوب لا تتحطم، انها من لحم، اللّحمُ "يـُمزّق".هذا الفعل المضاعف الممتد على أضلعِ السّاعة، المُتأنّـي، الذي يحدث ببطء كالوجود نفسه.
أضجرتكم بهذا الهراء الوجوديّ؟ حسنا، غدا لن نتحدث عن الموت والرحيل. سنتحدث عن اللازانيا.
تعليقك
Commentaires